الحوثيون وجرائم التخابر المزعومة: كيف يستخدم الانقلابيون تلفيق الاتهامات لتقويض العمل الإنساني ومصالح أمريكا في اليمن

نيويورك – هيثم جسار – الأمم المتحدة
بدأت قصة العدوان على مبادئ العمل الإنساني والحقوقي حين شنّ الحوثيون سلسلة اعتقالات واسعة استهدفت موظّفين تابعين للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في مناطق سيطرتهم. في يونيو 2024، أفادت هيومن رايتس ووتش بأن الحوثيين “قاموا باعتقال وغيّبوا قسرياً عشراتَ موظّفين من الأمم المتحدة ومن المجتمع المدني”. ثم في سبتمبر 2025 قادتهم هذه الممارسات إلى اقتحام مكاتب الأمم المتحدة في صنعاء وحجزِ نحو تسعة عشر موظّفاً.
في أكتوبر 2025، بلغ الأمر ذروته: حيث احتجز الحوثيون نحو 20 موظّفاً من الأمم المتحدة بعد مداهمة منشأة في حي الحدّة بصنعاء. وفي بيان رسمي لاحق زعمت الجماعة أن هؤلاء الموظّفين “سيُحالون إلى المحاكمة بتهمة التخابر والمشاركة في اغتيال قيادات حوثية” إثر غارة إسرائيلية على صنعاء.
ما ينبغي أن تلاحظه واشنطن كأولوية استراتيجية هو أن هذه الممارسات لا تشكّل فقط انتهاكاً لحقوق الإنسان أو للقوانين الدولية، بل تستهدف بشكل مباشر المشاركة الأميركية والمصالح الأميركية في اليمن والمحيط. إذ أن:
• استهداف موظّفي الأمم المتحدة والعاملين في الإغاثة يُضعف قدرة الولايات المتحدة ومنظّمتها الشريكة على تقديم المساعدات في منطقة استراتيجية تشكّل الشريان الأساسي للملاحة الدولية (البحر الأحمر ـ خليج عدن).
• الاتهامات الواهية بالتجسّس تُستخدم كذريعة لتضييق عمل المنظمات الأميركية والدولية، وخلق بيئة يخشى فيها العمال الدوليون التواجد، ما يفتح الفراغ للقوى المضادة للمصالح الأميركية (كالنفوذ الإيراني أو الروسي).
• بثّ “مقاطع اعترافات” ـ حتى لو كانت تحت الإكراه ـ من قِبل الجماعة، يعدّ بُعداً إعلامياً لما يُسمّى “دعاية حرب” تهدف لزعزعة الشرعية الدولية، وتشويه صورة الولايات المتحدة والدول الغربية باعتبارها ضالعة في أعمال تجسّس.
على سبيل المثال، في بيان لـ أمنستي (2024) ورد أن الحوثيين بعد حملاتهم “بثّوا فيديوهات تتضمّن اعترافات” لمحتجزين يُزعم أنهم عملاء تجسّس، مع الاشارة إلى أن بعض الاعترافات استُخلِصت تحت التعذيب.
من منظور القرار الأميركي، ثمة ثلاثة مسارات رئيسية واجب النظر فيها:
1. المساءلة والشفافية: على الولايات المتحدة دعم تحقيق دولي مستقل بحالة الاعتقالات وادّعاءات التجسّس، وإظهار أن إفلات الحوثيين من المساءلة يُعدّ تهديداً لقواعد النظام الدولي، بما يشمل حماية العاملين في الإغاثة والأمم المتحدة.
2. ربط المساعدات الأميركية والإنسانية بشروط وضمانات: إذ يجب أن يُشترط أن لا يُستخدم العاملون الدوليون أو المنظمات البشرية في اليمن ذريعة لحملات إعلامية أو اعتقالات، وإلا فإن التمويل والمشاركة ينبغي إعادة النظر فيهما.
3. دعم شركاء محليين ودوليين لتعزيز حماية العاملين: تأمين غرف عمليات أو آليات للطوارئ للعاملين في المناطق الخاضعة للحوثي، وتبادل استخباري مباشر بين الولايات المتحدة والمنظمات الدولية حول تهديدات التجنيد أو الاعتقال أو الاتهامات الزائفة.
في المجمل، إن الموقف الأميركي يجب أن يُؤكّد أن حرّية العمل الإنساني وحقوق العاملين في هذا المجال ليست «ترفاً» وإنما بعدٌ جوهري للمصالح الأميركية في المنطقة — من منع تصاعد الأزمات الإنسانية التي تولّد موجات لجوء، إلى الحفاظ على التجارة الدولية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، إلى الحدّ من نفوذ جماعات مدعومة إيرانياً تنتهك القوانين والالتزامات الدولية.




