الحرب الروسية الاوكرانية-حلف الناتو يسمح باستخدام أسلحته بعيدة المدى ضد روسيا فبما ترد روسيا؟

✍️ أ د / دحان النجار
مع استمرار الحرب الروسية الاوكرانية قواعد الاشتباك تتغير باستمرار لصالح أوكرانيا حيث كان لا يُسمح لها في بداية الحرب بضرب العمق الروسي اما الان فقد سُمح لها ليس بضرب العمق الروسي فقط بل بإحتلال ارض روسية ايضا كما هو الحال في مقاطعة كورسك التي تحتل القوات الاوكرانية بعض بلداتها .
في اجتماع مجلس الامن الدولي ١٣ سبتمبر ٢٠٢٤م نائب مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية يصرح بان روسيا استلمت صواريخ إيرانية قصيرة المدى لضرب العمق الاوكراني وهي اشارة غير مباشره للسماح لأوكرانيا بالرد على هذا التطور باستخدام السلاح الغربي بضرب العمق الروسي وفي نفس الوقت تاتي التصريحات البريطانية والأمريكية بانهما لن يعلنان متى سوف يُسمح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الباليستية بعيدة لضرب العمق الروسي وهي اشارة اخرى بان الأمر اصبح مقبولا لديهما.
اما مندوب روسيا في مجلس الامن وفي نفس الجلسة فقد انكر استلام قواته صواريخ إيرانية وذكر دول حلف الناتو بانها تتعامل مع دولة نووية وانها سوف تصبح شريكة في الحرب ضد بلاده وهذه اشارة إلى قبول الناتو بتغيير قواعد الاشتباك وضرب العمق الروسي وان روسيا سوف تغير من تعاملها مع دول الناتو وهو التهديد الذي تكرر دائما في خطاب روسيا دون ان يردع الناتو .
اما سير المعارك على الارض فمن الواضح ان القوات الاوكرانية لا زالت تتمسك في البلدات التي احتلتها في مقاطعة كورسك بالرغم من الخسائر الكبيرة التي تتلقاها على يد القوات الروسية إلا انها لم تندحر بل ان الرئيس الاوكراني زيلنسكي صرح اليوم بانه اعد خطة النصر وسوف يعرضها على الرئيس الامريكي بايدن قريبا وهذا مؤشر على ارتفاع الثقة بالنفس والانتقال من الدفاع إلى الهجوم وبالتأكيد ان الايام والأسابيع القادمة ستكون مليئة بالمتغيرات في حرب الاستنزاف هذه التي ترهق روسيا عسكريا واقتصاديا وسياسيا.
دول الناتو هي الأخرى ترهقها الحرب اقتصاديا والبعض منها بدأت في التململ وبالذات المانيا التي لها الإسهام المادي والعسكري الاكبر بعد الولايات المتحدة وكونها المتضرر الأكبر اقتصاديا بعد ان كانت مركزا لتوزيع الغاز الروسي في أوروبا والمستفيد الاول منه. ايضا المانيا تشعر بالابتزاز من قبل بعض الدول في حلف الناتو وبالذات بولندا التي تعتبر ها مخزن مالي ضخم يجب استخدامة في هذه الحرب ولكن بالرغم من هذا التململ يبدو بان موقفها من الحرب لن يتغير قريبا جوهريا.
دول حلف الناتو تتوقع بان روسيا سوف تشدد هجماتها على أوكرانيا في فصل الشتاء القادم وتستهدف البنية التحتية وبالذات محطات الطاقة من اجل الحاق اكبر ضرر بأوكرانيا وهذا التصعيد اصبح واضحا من الان حيث شددت روسيا من ضرباتها في كييف العاصمة وفي خاركيف اكبر مدن الشرق الاوكراني وهذا تعبير عن التعثر النسبي على الارض ورسالة موجهة إلى أوكرانيا بانها كلما فكرت بمهاجمة الأراضي والعمق الروسي بانها ستكون عرضة لهجمات تدميرية مؤلمة تعكر حياة مواطنيها فإن ارادت تجنب ذلك فعليها وقف تطاولها على الأراضي الروسية ، لكن من الواضح ان القيادة الاوكرانية لا تأبه لذلك وانها تزداد ثقة بجيشها وبحلفائها وبقدرتها على المواجهة المؤلمة مع روسيا لانها في كل الحالات عرضة لهجمات الجيش الروسي وما عليها إلا مواصلة القتال بكل الوسائل المتاحة.
روسيا إذا لم تستطع استكمال السيطرة على اقاليم الدونباس التي ضمتها اليها وتحرير بلداتها المحتلة في مقاطعة كورسك في اقرب وقت ممكن من المحتمل ان تتعرض لمفاجئات واختراقات اخرى لانها في مواجهة استخباراتية ومعلوماتية مع دول حلف الناتو التي تستطيع الحاق الاذى بها بتزويد أوكرانيا بأدق المعلومات عن نقاط الضعف وتقديم الأسلحة المناسبة واضف إلى ذلك الشعب والجيش الاوكرانيين لازالا بغالبيتهما يؤيدان قرارات قيادتهما في المواجهة ضد روسيا.
القيادة السياسية والعسكرية الروسية تعي كل المتغيرات وتزداد غضبا وعليه لن تقف مكتوفة الأيدي بل سوف تشدد من هجماتها المؤلمة ضد أوكرانيا وجيشها وبنيتها التحتية لكن إذا لم تستطيع على الاقل تحرير بلداتها المحتلة في مقاطعة كورسك قبل دخول فصل الشتاء فسيكون موقفها ضعيف وقد تخسر اراضي اخرى في اماكن اخرى لان حلف الناتو لن يتوقف عن دعم أوكرانيا بإطراد بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية.
روسيا تمتلك ترسانة عسكرية ضخمة ولن تقبل بالاذلال وسوف تقوم بخطوات تصعيدية مؤلمة للجانب الاوكراني وللناتو وسوف تستمر في تدمير اسلحة الناتو ومراكزه الاستخباراتية واللوجستية في أوكرانيا لكن من يدري ماذا سيكون الرد وفي كل الاحوال يضل الثابت الوحيد هو ان الحرب الاستنزافية للبلدين تتعمق اكثر فأكثر ومن اجل وقفها لابد من انتصار كاسح لاحد الطرفين وهذا ما لم يبدو في الأفق قريبا او التوصل إلى حل سياسي لإنهائها وهو ما يبدو ايضا بعيد المنال في الوقت الراهن وتظل روسيا من جهة والناتو من جهة اخرى يراهنان على تغييرات داخلية في كل منهما علها تولد وضعا جديدا يقود إلى الخروج من حالة الاختناق السياسي والعسكري القائمة.
د. دحان النجار القاهرة ١٤ سبتمبر ٢٠٢٤م.