الإمارات والأمم المتحدة… دبلوماسية ناشطة بين الحرب والسلام

نيوبورك – زينة بلقاسم – الأمم المتحدة
برز اسم الإمارات العربية المتحدة لاعبًا مهمًا في الساحة الدولية في السنوات الأخيرة، ليس فقط عبر استثماراتها واقتصادها النامي، وإنما أيضًا من خلال مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن (2022–2023) ودورها المباشر في ملفات إقليمية معقدة كاليمن وليبيا، وعلاقاتها الجديدة مع إسرائيل عبر اتفاقيات أبراهام لدعم مسار السلام. ومن خلال هذه الأدوار، دخل هذا البلد الخليجي في قلب معادلات كبيرة تتناول القضاء على الحروب و البحث عن السلام الدولي التي تتعامل معها الأمم المتحدة.
قدمت الإمارات نفسها كعضو ملتزم بدعم الاستقرار الإقليمي والإنساني منذ انضمامها إلى الأمم المتحدة عام 1971، فبعد استقلالها عن بريطانيا، تحولت سريعا إلى أحد أكبر المانحين للبرامج الأممية، من خلال تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وبرنامج الغذاء العالمي، ومنظمات الصحة والتعليم. ممّا منحها نفوذًا متزايدًا في النقاشات داخل الجمعية العامة ولجانها المتخصصة.
وجاء الانخراط الأكبر للدولة الخليجية في قضايا الأمن والسلم بما يتماشى مع قرارات الامم المتحدة والشرعية الدولية بعد عام 2011، مع اندلاع موجات “الربيع العربي”. ففي ليبيا، شاركت أبوظبي في التحالف الذي دعمته الأمم المتحدة بعد اعتماد مجلس الأمن القرار 1973 الذي أجاز التدخل العسكري بقيادة الناتو. وبعد تغيير النظام سعيا للديمقراطية، حرصت الإمارات على دعم الاستقرار عبر مساندة بعض القوى الساعية لترسيخ الأمن، فيما واصلت الأمم المتحدة عبر بعثتها الخاصة جهودها لجمع الأطراف الليبية على طاولة الحوار.
أما في اليمن، فقد كان الدور الإماراتي أكثر وضوحًا وتأثيرًا. فمع انطلاق عمليات التحالف العربي بقيادة السعودية في مارس 2015، أصبحت الإمارات ركنًا أساسيًا فيه. استند التدخل إلى قرار مجلس الأمن 2216، الذي دعا الحوثيين للانسحاب من المدن وتسليم السلاح. وعلى الأرض، ساهمت الإمارات في تعزيز الأمن في الجنوب والساحل الغربي، ودعمت تشكيل قوات محلية لحماية الاستقرار مثل “الحزام الأمني” و”المقاومة المشتركة”. وقد رأت الأمم المتحدة أن وجود هذه الجهود يساهم في تهيئة الظروف اللازمة لأي عملية سياسية ناجحة.
وعلى الرغم من التحديات المعقدة، عملت ابو ظبي على تعزيز صورتها الإنسانية في نيويورك عبر تبنّي خطاب إنساني واضح. فهي واحدة من أكبر المانحين لخطة الاستجابة الإنسانية لليمن التي يطلقها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، حيث ساهمت بمئات الملايين من الدولارات لتغطية الغذاء والدواء. وفي جلسات مجلس الأمن، دأب المندوب الإماراتي على التأكيد أن الحل في اليمن لا يمكن أن يكون عسكريًا فقط، بل يحتاج إلى عملية سياسية شاملة ترعاها الأمم المتحدة.
وخلال فترة عضويتها في مجلس الأمن التي امتدت بين 2022 و2023، لعبت دولة اللمارات العربية المتحدة دور “الوسيط البراغماتي”، فدعمت القرارات المتعلقة بوقف إطلاق النار في غزة، وأكدت التزامها بحل الدولتين، كما دفعت بمبادرات حول حماية المرأة في مناطق النزاع، مستندة إلى تجربتها في تمكين النساء دبلوماسيًا وسياسيًا. وقد حظيت هذه الجهود بتقدير أممي، نظرًا لانسجام الخطاب الإماراتي في نيويورك مع مبادرات الدولة الميدانية الداعمة للاستقرار وحقوق الإنسان.
أما الملف الإيراني فقد شكّل ساحة أخرى للتعاون بين ابو ظبي والأمم المتحدة. ففي ظل القلق من البرنامج النووي الإيراني، دعمت الدولة الخليجية العقوبات التي فرضها مجلس الأمن – تماشيا مع ما ينص عليه القانون الدولي- قبل توقيع الاتفاق النووي سنة 2015، وبعد انسحاب واشنطن من الاتفاق في 2018 ظلت الإمارات تدعو إلى اتفاق جديد أكثر شمولًا يشمل الصواريخ الباليستية وسلوك طهران الإقليمي. امّا في جلسات الأمم المتحدة، فقد ركزت الإمارات على التهديدات التي شكلتها هجمات الحوثيين بالطائرات المسيّرة على أبوظبي ودبي في 2022، معتبرة أن تلك الهجمات تعكس الحاجة إلى حلول جماعية لتعزيز الأمن الإقليمي.
أما في القضية الفلسطينية، فقد شكّلت اتفاقيات أبراهام عام 2020 لحظة فارقة. فبينما استمرت الأمم المتحدة في التمسك بقراراتها حول إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، اختارت الإمارات المضي في مسار التطبيع مع إسرائيل بوساطة أمريكية. باعتبارها وسيلة للتواصل الأسهل مع اسوائيل للدعوة والتواصل لوقف خطط ضم إسرائيل للمزيد من الأراضي وتعزيز فرص السلام، مع مواصلة دعمها الثابت لحل عادل للقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة، محافظة بذلك على دورها التقليدي كداعم رئيسي لقيام دولة مستقلة للفلسطينين..
وعلى صعيد إنساني أوسع، رسّخت الإمارات العربية المتحدة مكانتها كإحدى أهم الدول المانحة باستضافتها مؤتمرات دولية لدعم اللاجئين السوريين، وتقديم مليارات الدولارات عبر منظمات الأمم المتحدة لمخيمات الأردن ولبنان وتركيا، إضافة إلى دورها في دعم عمليات الإغاثة بالسودان بعد اندلاع النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع في 2023، مستضيفةً مع السعودية جولات حوار حظيت بدعم أممي.
واليوم، ومع تزايد التوترات في الإقليم من غزة إلى السودان، تسعى الإمارات لترسيخ نفسها كلاعب قوي و متوازن في الأمم المتحدة: دولة تملك نفوذًا اقتصاديًا وإنسانيًا، يجعلها وسيطًا قادرًا على الجمع بين أطراف النزاعات. وبذلك نستخلص أن علاقة الإمارات بالأمم المتحدة تجسّد نموذجًا متقدمًا:اذ إنّها من جهة تعتبَرُ أكبر المانحين وأكثر الدول العربية نشاطًا في نيويورك وجنيف، ومن جهة أخرى لاعب دبلوماسي يسعى بجدية لترسيخ السلام والاستقرار. وفي زمن تتعقد فيه النزاعات وتتداخل المصالح، تواصل أبو ظبي تقديم نفسها كرافعة حقيقية للسلام الذي تنشده الأمم المتحدة.
المقال ١٢: زينة بلقاسم