اليمن بين ضغوط الحوثيين ودعم الرياض

FYE – HN – UN

 

نيويورك – زينة بلقاسم – ألأمم المتحدة

تتحرك الأمم المتحدة في اليمن وسط ظروف استثنائية، اذ أعلنت في منتصف سبتمبر 2025 عن نقل مكتب منسقها المقيم من صنعاء إلى عدن، بعد أيام من مداهمات نفذتها جماعة الحوثي لمقارها واعتقال أكثر من 18 من موظفيها بررت هذه الخطوة بأنها إجراء إداري لضمان استمرار مهام المنسق في كل البلاد، لكنها في الواقع تكشف عن حجم الضغط الذي تتعرض له فرقها العاملة على الأرض. لكنها التزمت بتأكيدها أن المنسق سيواصل التحرك إلى صنعاء وتربط وجودها في العاصمة الشمالية بمدى احترام الحوثيين للحصانة الأممية.
تدين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في عدن الاعتقالات وتصفها بأنها “عمل تعسفي يهدد العمل الإنساني” وتدعو بقية البرامج الأممية أن تحذو حذو مكتب المنسق وتنتقل إلى عدن، حيث ترى أن بقاء المكاتب في صنعاء يمنح الحوثيين ورقة ضغط سياسية وإنسانية. تؤكد وزارة الخارجية التابعة لها أن استمرار احتجاز العشرات من موظفي الأمم المتحدة لا يمكن السكوت عنه، خصوصًا أن بعضهم محتجز منذ عام 2021، فيما توفي موظف آخر في فبراير الماضي داخل سجون الحوثيين.
تتهم جماعة الحوثي الأمم المتحدة بأنها تتجاوز حدودها القانونية، فتصدر وزارة خارجيتها بيانًا تلمّح فيه إلى ان “الحصانة لا تعني السماح بأنشطة استخبارية”، في إشارة إلى اتهامات غير مثبتة ضد موظفي الأمم المتحدة. ويتزامن ذلك مع تصاعد التوتر بعد ضربة إسرائيلية في أغسطس أودت بحياة رئيس الوزراء الحوثي وعدد من وزرائه، ما جعل الجماعة أكثر تشددًا مع المنظمات الدولية.
تصف وكالات الأمم المتحدة، وعلى رأسها برنامج الأغذية العالمي، هذه التصرفات بأنها “غير مقبولة” و”غير محتملة” وتؤكد أن اقتحام المكاتب وتدمير الممتلكات وإجبار الموظفين المحليين على توقيع تعهدات، وبأن الاعتقالات التعسفية كلها إجراءات شلّت القدرة على إيصال الغذاء والدواء إلى المجتمعات الأشد فقرًا في شمال اليمن. تطالب المنظمة بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع العاملين الإنسانيين، مؤكدة أن استهدافهم يُفقد ملايين اليمنيين شبكة الأمان الوحيدة المتبقية لهم.
يتزامن هذا التوتر مع إعلان سعودي جديد يعكس البُعد الإقليمي للأزمة، وتكشف مصادر رسمية في 20 سبتمبر أن المملكة ستضخ نحو المليار وأربعمائة مليون ريال سعودي (أي ما يتجاوز الثلاثمائة وستين مليون دولار امريكي) لدعم موازنة الحكومة اليمنية في عدن. يأتي الدعم عبر “البرنامج السعودي للتنمية وإعادة الإعمار في اليمن، بهدف منع انهيار اقتصادي أكبر وتمكين الحكومة من دفع رواتب القطاع العام.
تستعيد الذاكرة مشهد السنوات الماضية. فمنذ 2015، تقود السعودية تحالفًا عسكريًا تدخل لإعادة الحكومة الشرعية، لكنها في الوقت نفسه ضخت مليارات الدولارات عبر منح وودائع لدعم العملة المحلية وتمويل الإنفاق العام. ومع ذلك، يستمر الريال اليمني في فقدان قيمته، وتستمر الأسعار في الصعود، ما يجعل المواطنين عالقين بين حرب لا تهدأ واقتصاد ينهار.
يضع هذا المشهد الأمم المتحدة في موقع حساس، اذ تحتاج إلى تمويل إنساني عاجل لإطعام ملايين اليمنيين، لكنها تواجه عراقيل مباشرة من طرف يسيطر على العاصمة، فيما تسعى في الوقت نفسه للحفاظ على حيادها. وبذلك تظهر مساعدات المملكة العربية السعودية أن الرياض تريد إبقاء حكومة عدن قادرة على الصمود، لكنها لا تغيّر حقيقة أن اليمن ما زال منقسمًا بين سلطتين: واحدة في صنعاء مدعومة من إيران، وأخرى في عدن مدعومة من السعودية.
تبحث الأمم المتحدة عن مساحة للحركة، وتبحث السعودية عن أدوات لتعزيز حليفها بينما يبحث الحوثيون عن تثبيت واقع جديد. وتظل النتيجة أن اليمنيين يستمرون في دفع الثمن، سواء عبر القيود على المساعدات أو الانهيار الاقتصادي أو استمرار الحرب منذ عقد كامل.
تظهر الخطوات الأخيرة أن الأزمة اليمنية لم تعد محصورة بالسلاح فقط، بل أصبحت معركة مؤسسات واقتصاد وشرعية. نقل مكتب الأمم المتحدة إلى عدن، تقرأه الحكومة كاعتراف بمرجعيتها بينما تراه صنعاء محاولة للالتفاف على سلطتها. وبضخ المملكة العربية السعودية لمئات الملايين من الدولارات، تقرأه عدن كحبل نجاة مالي، بينما تراه صنعاء جزءًا من “حرب اقتصادية” ضدها. وفي كل ذلك، يبقى المجتمع الدولي منقسمًا، وتعلق الأمم المتحدة بين مطرقة ضرورة الاستمرار في العمل وسندان فقدان الاستقلالية.
نستشف بالنهاية أن ما يجري اليوم يعكس طبيعة الحرب اليمنية: هي حرب في مراحلها الأخيرة، فهي لم تعد فقط معارك ميدانية، بل هي أيضًا صراع على المؤسسات والشرعيات. وتتورط الأمم المتحدة في هذه المعركة بشكل غير مباشر، فيما تحاول السعودية عبر الدعم المالي تثبيت كفة حليفها. في الوقت الذي تتواصل فيه الانتهاكات ضد الموظفين الأمميين والانقسام اليمني، ويبقى السلام بعيد المنال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى