حرب اسرائيل على غزة ولبنان-تغيير المواقف الأوروبية ما الهدف منه؟

أ د / دحان النجار
العالم وبالأخص معظم الدول الأوروبية تجاهل كثير من أعمال العنف في الشرق الأوسط إذا كانت اسرائيل طرفا فاعلا فيها بحجة ان لها الحق في الدفاع عن نفسها حتى لو كانت هي الطرف المعتدي وتستخدم القوة المفرطة في مواجهة غير متكافئة مع الفصائل المسلحة الفلسطينية او مع حركات مناهضة في محيطها ودول الجوار.
الحرب على غزة اقتربت من اكمال عامها الثاني والدمار الشامل يلف القطاع والاسوأ من ذلك المجاعة تفتك بالأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ ومدنيين بما فيهم الاسرى الاسرائيليين بل ووصل الأمر الى قتل الالاف اثناء توجههم لاستلام المساعدات الانسانية التي تتحكم فيها اسرائيل والولايات المتحدة عبر مؤسسة غزة الانسانية . الاهانة التي يتعرض لها هاؤلاء البشر في الغذاء والدواء هي اهانة للإنسانية جمعا لانه لم يستطيع اي طرف دولي تبريرها مهما كان محباً لإسرائيل او كارها للفلسطينيين.
الناس تشاهد التجويع والقتل ومعاناة الأطفال والأمهات وكبار السن والمدنيين يعانون ويموتون يوميا من الجوع والمرض وتعرضها شاشات التلفزة او تنقل صورها وسائل التواصل الاجتماعي الامر الذي يثبت بإن إسرائيلي تقوم بأعمال ابادة جماعية وتخالف القانون الدولي الإنساني الذي لا يطبق عليها اساسا بحجة الدفاع عن النفس.
نقل معاناة الغزواويين للعالم جعل الرأي العام الغربي يضغط على حكوماته المتواطئة مع اسرائيل من اجل اتخاذ اجراءات ضد ها وإيقاف أعمال الابادة والتجويع التي تمارسها في غزة واحترام حقوق الانسان التي رددتها الحكومات الغربية والتزمت بحمايتها ومن اجل ذلك تدخل الغرب واسقط حكومات عدة عسكريا كما حصل في العراق وليبيا ويوغسلافيا السابقة وأقام المحاكم الخاصة الدولية لمحاكمة مجرمي الحروب والإبادة الجماعية كما حصل مثلا للقادة الصرب والروانديين وغيرهم إلا انه في حالة اسرائيل لا يحرك ساكنا ولا يطبق عليها المعايير الإنسانية الدولية.
احراج الحكومات الغربية وصل إلى مستويات غير مسبوقة ولذلك بدأت بالتحرك إعلاميا والبعض منها بدأ باتخاذ اجراءات عملية كما هو الحال مع إسبانيا وأيرلندا وهولندا،
صورة اسرائيل “الواحة الديمقراطية” في الشرق الأوسط كما كانوا يصفونها وتصف نفسها تهشمت بسبب الجرائم ضد الإنسانية في غزة .
نتنياهو أجاد اللعب على كل الاوتار فكلما نضج الظرف الدولي ضدة بسبب مجازر غزة كلما اقدم على عملية خارج إسرائيل يستعيد بها شعبيته في بلاده وفي الغرب وتمكن من الخلاص من الضغوط ، حيث نقل المعركة إلى جنوب لبنان وسوريا وايران ولا يستبعد ان ينقلها إلى مكان آخر في القريب العاجل ومستقبلا لنفس الهدف.
الولايات المتحدة الأمريكية اصبحت تخسر اخلاقيا بشكل كبير على المستوى الدولي بسبب الدعم الغير محدود لتصرفات حكومة نتنياهو المتشددة بغض النظر عن القناعة الدينية والسياسية لبعض اعضاء الادارة الحالية وتبريرهم لكل هذا العنف واعمال الابادة الجماعية.
كانت الولايات المتحدة رائدة في الدفاع عن حقوق الانسان عالميا وكثير من الشعوب تستنجد بها اما اليوم فقد تدحرجت إلى الجهة المعاكسة نسبيا بحسب راي الكثير من الساسة والمثقفين حول العالم وبدأ الرأي العام الأمريكي نفسه يتساءل هل امريكاء تضحي بديموقراطيتها وإنسانيتها ونفوذها من اجل اسرائيل وتصرفاتها المفرطة بالعنف والتجويع والتهجير وهي أعمال تتنافى مع القانون الدولي الإنساني ؟ ام ان ذلك سلوك عابر ومؤقت نتيجة للضغط الكبير من قبل الجماعات المؤيدة لإسرائيل في الادارة الحالية؟
مع العلم ان اعداد وجماعات كبيرة من اليهود انفسهم تقف ضد سلوك حكومة نتنياهو في الاراضي الفلسطينية وتستنكر سياسة التجويع الجماعي وأعمال الابادة .
هناك مشرعون وإعلاميون وناشطون ورجال دين ديمقراطيون وجمهوريون من أصول يهودية يعارضون ويستنكرون بل ويدينون تصرفات حكومة نتانياهو في قطاع غزة والضفة الغربية.
صور الأطفال الفضيعة الذين يعانون من سؤ التغذية ويموتون يوميا بالعشرات من الجوع والاوبئة أرّقت الضمير العالمي ولا مجال هناك للدفاع عن مرتكبيها وتبرير ارتكابها لان اي قوة احتلال هي ملزمة بحسب القانون الدولي الإنساني ومواثيق الامم المتحدة بتوفير الغذاء والدواء والخدمات لسكان المناطق المحتلة.
لست متفائلا بالدعوة لقيام الدولة الفلسطينية لان عوامل قيامها غير موجوده بل وتضمحل يوما عن يوم بسبب تصرفات اسرائيل التي تقود الى استحالة قيامها مسنودة بموقف أمريكي متطابق مع سلوكها ودعم وتعاطف رسمي غربي لاهداف استراتيجية متعلقة بالتنافس الدولي للسيطرة والتحكم في مصادر الطاقة والأسواق وطرق التجارة المهمة عالميا .
اسرائيل وجودها في المنطقة مصلحة غربية ولذلك ليس من المحتمل ان تقدم الحكومات الغربية على معاقبتها وإضعافها مهما كانت تصرفاتها تجاه الفلسطينيين وجبرانها لكنها تتعرض لضغوط من اجل تليين موقفها تجاه الفلسطينيين في غزة بالتحديد والضفة وهذا الضغط يهدف ايضا إلى إنقاذ اسرائيل وحكومة نتنياهو من نفسها ومن سلوكها الذي قاد ويقود الى عزلتها دوليا .
والحديث عن اعتراف الدول الأوروبية بدولة فلسطين لا يعني شيء اكثر من انه ضغط دبلوماسي لان إسرائيل تغير الحقائق على الارض وتجعل قيام دولة فلسطينية مستحيلا مدعومة بالموقف الأمريكي الذي له وزنه عالميا ، فلو اتخذت الادارة الأمريكية قرارا حاسما تجاه قيام دولة فلسطينية لكان ذلك اكثر فاعلية من مواقف كل اعضاء الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي.
د.دحان النجار ديربورن ميشجان ٢ اغسطس ٢٠٢٥