حرب اسرائيل على غزة ولبنان- ارتداداتها في سوريا والإقليم والعالم

أ د / دحان النجار

اكدنا في مقالات سابقة ان الحرب التي بدأت من غزة سوف تتسع لتشمل الاقليم بشكل او بآخر حتى وان تجنبتا الولايات المتحدة الأمريكية وايران الصدام المباشر بينهما كما كان يريد نتنياهو وان هذه الحرب هي اقرب لاشعال فتيل حرب عالمية ثالثة من اي نزاع اقليمي آخر وهي بالفعل حرب عالمية مصغرة.

اطراف هذه الحرب حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين والحوثيون انصار الله في اليمن والكتائب العراقية المسلحة وسوريا وايران وروسيا ومن خلفهم اصدقاء من جهة واسرائيل وتركيا وحلف الناتو والمعارضة السورية وبعض القوى في لبنان وبدعم من بعض الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية من جهة اخرى.
محور الممانعة بقيادة ايران وبدعم روسيا هذه المرة يخسر نقاط كثيرة لصالح الطرف الاخر بالرغم من صمود حزب الله في الحرب البرية في جنوب لبنان لكن حزب الله بدون خلفية في سوريا التي تعتبر الداعم الأقرب اليه وتعتبر طريقه إلى ايران سيكون في وضع صعب ولن يستطيع حتى في مساعدة النظام السوري بفعالية كما فعل في السنوات الماضية.
تفجير الوضع في سوريا كان بمثابة ضربة معلم لحصار حزب الله وايران وتفتيت جبهة الممانعة ، حيث ان حزب الله اصبح محاصرا ولن يستطيع استئناف نشاطه واعادة التسليح نفسه إذا سقط النظام السوري الذي يترنح حاليا امام تقدم المعارضة التي اعدت نفسها على غفله من الاستخبارات السورية والروسية واستغلت سحب حزب الله لقواته إلى الداخل اللبناني بسبب الحرب مع إسرائيل وكذلك تقليص القوات الروسية بسبب الحرب في أوكرانيا والضربات التي تلقتها القوات الإيرانية الاستشارية كما يسمونها في سوريا من اجل الانقضاض على النظام السوري.
قوات المعارضة مدعومة من تركيا التي تريد ان تكون لها كلمة الفصل في سوريا من اجل مواجهة الأكراد في الشمال الشرقي والوصول إلى حدود لبنان وفلسطين من اجل المقايضة بهذه الورقة في اي ترتيبات اقليمية قادمة وتركيا كما هو معروف هي عضو في حلف الناتو.
في الحرب الاهلية السورية منذ العام ٢٠١١ وحتى بداية هجوم المعارضة الجديد في الثاني من ديسمبر الحالي كان الجيش السوري صامدا ويقاوم بشراسة واي مساعدة من حزب الله او المليشيات العراقية ومن القوات الروسية والمستشارين الإيرانيين كانت من اجل تعزيز موقفه وصموده في الجبهات اما هذه المرة فالجيش في حالة انهيار ويسلم مواقعه في إدلب وحلب وحماه وحول حمص على الاقل حتى اليوم بدون مقاومة فعليه وعليه من الصعب ان تاتي القوات المساعدة الروسية والإيرانية ومن حزب الله وغيرها لتقوم بدوره منفردة.
تدخل روسيا في سوريا في السنوات الماضية اسقط المخطط الغربي والإقليمي الذي كان يقضي باسقاط نظام الاسد وتثبيت نظام صديق يسمح بمد خط انابيب الغاز من الخليج إلى اوروبا وبالتالي اسقاط اهمية الغاز الروسي لاوروبا وايضا من اجل حماية النفوذ الروسي في البحر الأبيض المتوسط لرعاية مصالح روسيا في المنطقة والعالم وكان الرد الغربي هو تفجير الوضع في خاصرة روسيا المهمة أوكرانيا .
حينها تمكنت روسيا من حسم المعركة المحدودة مؤقتا لصالحها في أوكرانيا وسوريا لكن هذه المرة الامر يختلف حيث ان الحرب مع أوكرانيا اصبحت اكثر عمقا وإيلاما وتم التخطيط لها بوقت مبكر ومحكم وتدخل بها الناتو رسميا بشكل او بآخر الامر الذي ارهق روسيا وجعلها تسحب معظم قواتها وقوات فاغنر من سوريا لحاجتها اليها في جبهات القتال هناك وهذا اضعف الجبهة السورية وأضعف الوجود الروسي في البلاد الذي يعتبر الان على ألمحك في حالة سقوط نظام الاسد.
بعد حرب إسرائيل ضد حزب الله الاخيرة وتوقيع وقف اطلاق النار والبدء بتنفيذ بنود القرار ١٧٠١ بإشراف أمريكي تم فرض حالة الوصاية الأمريكية على لبنان وهو تقدم استراتيجي مهم لم يسبق ان حصلت عليه الولايات المتحدة في لبنان واذا حُسمت المعركة في سوريا لصالح المعارضة المدعومة من تركيا بدرجة رئيسية وهي عضو حلف الناتو عندها تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد حققت تقدما استراتيجيا مهما في المنطقة وفي السباق الدولي لتزعم العالم اقتصاديا وسياسيا.
اسقاط نظام الاسد وإخراج سوريا من معادلة الصراع مع روسيا وايران يشكل ضربة عميقة ومؤلمة لروسيا وايران والصين ومن يقف معهم من اجل ايجاد قطبية ثنائية جديدة.موقف روسيا في أوكرانيا سيكون اضعف مستقبلا بعد خسارتها وضعها في سوريا وقد تقبل بحل ربما يبقى ما تحت يدها من اراضي أوكرانية بحكم الاراضي المحتلة مقابل دخول بقية أوكرانيا في حلف الناتو.
الجيش السوري يترك أسلحته للمنتفضين وهي ترسانه ظخمة بما فيها طائرات مقاتله متقدمة وألوية صواريخ ومدفعية متطورة وغيرها. واضح ان لتركيا دور كبير في اعداد المعارضة وكذلك جهات اجنبية اخرى وما تحرك قوات المعارضة في الجنوب وفي دير الزور والبوكمال إلا دليل على انً هناك اكثر من جهة دولية تلعب على المسرح السوري ضد النظام. اسرائيل كانت قد حذرت الاسد من دعمه لحزب الله حيث كان يتوقع ان يتم اعادة تسليحة وتجهيزه ولذلك كان لابد من قطع شريان الامداد الرئيسي ليس بضرب المعابر بين سوريا والبنان بل بالتخلص من النظام السوري واستبداله بنظام مغاير ينتهج سياسة مغايرة لغير صالح حزب الله.
اما بالنسبة للوضع في غزة اعتقد بان إسرائيل بقيادة نتنياهو ستقدم على وقف اطلاق نار وتبادل الاسرى ولكن بشروط اقل من قبل حماس لان إسرائيل قد اخرجت حزب الله من المساندة وسوريا ونظام الاسد في اسواء أحوالهم وقد يسقط النظام وينقطع المدد الايراني السوري للحزب الامر الذي يوفر الآمن لإسرائيل ويضمن عدم نهوض حماس بقوة مرة اخرى بعد ان فقدت داعميها الرئيسيين ،
هناك احتمال بان لا تسقط المعارضة النظام السوري كليةً وقد يبقى في الساحل الغربي وربما دمشق للوهلة الاولى وقد يأتيه المدد ويستمر في المواجهة اليائسة لكنه قد فقد الكثير من نقاط قوته ولن يستطيع العودة إلى وضعه السابق مهما أبدى من مقاومة إلا إذا حصلت معجزة.
واعتقد بان روسيا سوف تتدخل بقوة في حالة صمد الجيش السوري ولو جزء بسيط من قواته لإضفاء الشرعية على التدخل الروسي وكذلك سوف تفعل ايران من وجهة نظري لان المعركة في سوريا مفصلية ومن يربحها سوف يحقق تقدما استراتيجيا اقليميا وعالميا وبالعكس الخاسر فيها.
لكن في ظل انهيارات ألوية الجيش السوري لا يستبعد بان تسقط كثير من المناطق في الجنوب والوسط وربما دمشق العاصمة وقد يسقط النظام بشكل تام وتبداء مرحلة جديدة من الصراع الداخلي في البلاد.
بحكم موقع سوريا الجيوسياسي المهم الحرب فيها ليست سورية/سوربة بل حرب نفوذ بين دول الاقليم مع بعضها وبين قوى عالمية يدور بينها صراع المصالح ويرتبط ذلك ايضا بترتيبات الشرق الأوسط الجديد.
د. دحان النجار القاهرة ٢٠٢٤/١٢/٧

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى