نشوة الحوثي في البحر الأحمر وتنفيذ خريطة الطريق سياسات الأمر الواقع

 

✍️ (عبدالقادر الجنيد)
***

الحوثيون، اليوم، في حالة نشوة كبرى.

أعلنت القيادة العسكرية المركزية الأمريكية في البحرين- اليوم- بأن عدد الطائرات المسيرة والمقذوفات التي اطلقها الحوثيون نحو السفن العابرة للبحر الأحمر والتي لها علاقة بإسرائيل قد بلغت ٢٢ حادثة.
ويكسب الحوثيون المديح من الفلسطينيين وداخل اليمن ومن عموم الشعوب العربية ومن أوساط كثيرة في كل العالم.

الجميع- بدون استثناء- يعرفون بأن إيران هي التي تقطع مرور السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر بإسم الحوثي، ولكن الحوثي مستمر بإلقاء الخطب.
ويستمر المشجعون بالنشوة مع الحوثي وبإغداق المديح والشكر لكل الحوثيين.

كل هذا يحدث وسط مفترق طرق .

**
أولا: خريطة طريق
**

هذا كله يحدث هذه الأيام في نهاية ديسمبر ونهاية عام ٢٠٢٣ بينما الجميع كان في حالة ترقب وحتى في حالة توجس ينتظر إعلان إنجاز إتفاق تاريخي بين السعودية وعبدالملك الحوثي تحت مسمى:
“خريطة طريق لليمن تحت إشراف الأمم المتحدة”.

صحيح أن الإتفاقية إسمها خريطة طريق بين اليمنيين لتحقيق سلام شامل كامل في اليمن، ولكنها في الحقيقة فإنها إتفاقية تاريخية بين المملكة السعودية وعبدالملك الحوثي.
ركن أساسي في طلبات عبدالملك الحوثي، هو أن أي إتفاق يجب أن يكون بينه وبين المملكة السعودية وليس مع الرئيس السابق هادي ولا مع المجلس الرئاسي القيادي الحالي.

الحوثي المتمرد على الشرعية اليمنية وعلى الشرعية الإقليمية والمتمرد على الشرعية الدولية، كان يشترط القضاء على هذه الشرعيات الخاصة باليمن.
وكان الحوثي يصمم على أن تكون أي مفاوضات لإنهاء الحرب بينه وبين السعوديين فقط، لأن المملكة هي التي شنت عاصفة الحزم وليس اليمنيين.
الحوثي، كان يقول علانية بأنهم لا يتنازلون بالتفاوض مع الشرعية.
وهذا الشرط قد تحقق للحوثي.

وتم إنجاز خريطة طريق بين المملكة السعودية وعبدالملك الحوثي، خلال الشهور الماضية.

وجوهر خريطة الطريق، هو الآتي:

١- خروج كامل للملكة السعودية من كل مشاكل اليمن.
٢- انسحاب كامل لقوات السعودية من اليمن خلال ستة أشهر.
٣- تنفيذ كل طلبات الحوثيين في الحصول على دخل اليمن من الغاز والنفط.
٤- إرضاء الحوثيين في مسألة دفع مرتبات مشرفيهم وقياداتهم وأتباعهم وميليشياتهم، ولا أحد يدري بالتفاصيل.
٥- السماح لكل سفن إيران المحملة بالحاويات المقفولة بالوصول للحوثيين في ميناء الحديدة بدون أي تفتيش.

(المرجح هو أن الكثير من الطائرات المسيرة والمقذوفات والصواريخ الإيرانية المستخدمة الآن في البحر الأحمر قد وصلت للحوثيين رسميا وتحت أنظار الجميع في ميناء الحديدة أثناء وضع خطة الطريق هذه وانتهازا لفرصة عدم رغبة كل من السعودية وأمريكا في تعطيل إنجاز خريطة الطريق)

٦- تسليم ملف اليمن بالكامل للأمم المتحدة لتشرف على تنفيذ خريطة الطريق في مراوحات واتصالات تستمر ثلاثة سنين بين الحوثيين والإنفصاليين والمجلس الرئاسي اليمني.

**
ثانيا: الموضوع ليس قطع البحر الأحمر
**

الموضوع هنا، ليس مأساة الشعب الفلسطيني وضرورة مساندته، وليس ضرورة منع اسرائيل من الاستمرار في مجازرها ضد الفلسطينيين، وليس بهجة ونشوة كل الشعوب بقطع الملاحة في البحر الأحمر على السفن التي لها علاقة بإسرائيل.

الموضوع- اليوم- هو:

١- هل يكترث الحوثيون بتنفيذ خريطة الطريق التي انتزعوها هم بأنفسهم وكسبوها من السعودية ومن أمريكا ومن الأمم المتحدة؟

٢- هل يمكن أن يجمع الحوثي بين الهجوم على السفن التي لها علاقة بإسرائيل أثناء عبور البحر الأحمر وبين المشاركة في تنفيذ خريطة طريق يمنية؟

٣- هل يمكن أن تكون للحوثي سياسة خارجية خاصة به تتطابق مع إيران، وتتناقض مع سياسة أمريكا والسعودية والأمم المتحدة،
وفي نفس الوقت ينعم الحوثي بحصد المكاسب والغنائم من السعودية وأمريكا والأمم المتحدة؟

٤- هل إيران تريد فعلا أن تخرج السعودية من الإنغماس في مشاكل اليمن؟ أم تريد أن تبقى المملكة في اليمن لتمارس عليها الضغط والجرح والاستنزاف من وقت لآخر؟

٥- وهل إذا خرجت السعودية تماما من مشاكل اليمن، ستبقى في مأمن من الحوثيين والإيرانيين؟

**
ثالثا: الحوثي ليس لغزا
**

الحوثي، واضح جدا.
الحوثي، يريد أن يحكم اليمن وحده.
الحوثي، يتلقى دعم إيران وينفذ سياساتها.
الحوثي، يلقي الخطب الطويلة ولا يعتذر من وسائله ولا يخفي خططه ولا يتخلى عن أهدافه.
الحوثي، ليس لغزا.

الذي يصور الحوثي بغير ما هو عليه، هم مراكز الدراسات والتحليل وكذلك الدبلوماسيين وكذلك الأمريكان وكذلك الوسطاء، اللذين كلهم يريدون فقط تجميد حرب اليمن بدون التوصل لاستقرار اليمن، ويرون أن كل هذا يمكن أن يتم باستيعاب الحوثي بتطبيق سياسات الأمر الواقع Realpolitik.

**
رابعا: هل يريد الحوثي فعلا تحقيق السلام في اليمن؟
**

الإجابة وبدون أي تردد: لا
والتفسير بسيط وواضح، وهو أن الحوثي يعتقد أنه في طريقه للحصول على كل شيئ وفي كل اليمن لسببين:
السبب الأول؛ هو وضوح قيادته وسيطرته وأهدافه من جهة، وفي الجهة الأخرى هي تصميم حلفائه في محور الممانعة على دعم الحوثي.
السبب الثاني؛ ضعف وتعدد قيادات الشرعية وتفرقهم وتناقض أهدافهم من جهة، وفي الجهة الأخرى تغيير حلفاء الشرعية لأهدافهم في دعم الشرعية والمرجعيات وزيادة حدة تناقضاتهم فيما بينهم.

الحوثي، لن يقبل بأي نوع من الشراكة في حكم اليمن.
السلام الذي يريده الحوثي، هو السلام الحوثي الذي يحكم فيه وحده ويسيطر على كل اليمن.

**
خامسا: أمريكا البصل في كل طبخة
**

*هل يمكن أن يعتمد اليمنيون على أمريكا؟
*
هذا هو ما يطالب به إعلام الشرعية عندما يطالبون المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته.
لكن الإجابة هي: لا.
لا منفعة “حقيقية” لليمنيين من أمريكا لتحقيق استقرار دائم في اليمن.
أمريكا، تخصصها هو تكريس الأمر الواقع Realpolitik الذي فرضته القدرات القتالية المحلية والعصبيات المناطقية والقبلية والعنصرية، وفي نفس الوقت تحقيق استقرار اليمن.
وهذان أمران واقعيان يتناقضان مع بعضهما.

وتوافق أمريكا على استيعاب رغبات إيران في الحفاظ على علاقتها بالحوثي والإبقاء على نفوذها كنوع من التعامل مع الأمر الواقع Realpolitik ولكن بشرط عدم إلحاق الضرر بالسعودية أو إسرائيل.
وهذان أمران واقعيان يتناقضان مع بعضهما.

وتوافق أمريكا على استيعاب ما قد فرضته دولة الإمارات بالقوات التي تنفق عليها وتسلحها في عدن والمخاء وغيرها، كنوع من التعامل مع الأمر الواقع Realpolitik وإنهاء التدخل الخارجي في اليمن.
وهذان أمران واقعيان يتناقضان مع بعضهما.

*هل يمكن أن يستغني اليمنيون عن أمريكا؟
*
هذا ما يطالب به الحوثيون.
لكن الإجابة هي: ستظل أمريكا “تكشح نفسها هنا وهناك” وتجد طريقة لفرض نفسها.
والغريب أن أمريكا عندما تدس أنفها فإن مدخلها الوحيد هو فرض تنازلات مسيئة للشرعية وتحقيق مكاسب للحوثيين اللذين يرفضون وجودها في اليمن وفي كل المنطقة.

*هكذا ستكشح أمريكا نفسها:

١- أمريكا، لن تضرب الحوثيين بسبب قطع البحر الأحمر لأنها تريد أن تفتخر بدور بايدن في إنهاء حرب اليمن.

٢- أمريكا، ستتفادى انجرارها لحرب مع إيران، لأنها مستنزفة في مساعدة اسرائيل ضد الفلسطينيين ومساعدة أوكرانيا ضد روسيا.

٣- ستضغط أمريكا على اسرائيل لإنهاء حصارها على دخول المساعدات الإنسانية لغزة وبهذا تنتهي حجة الحوثي بقطع البحر الأحمر.

٤- ستعود أمريكا لكشح نفسها بالدفع بتنفيذ خريطة طريق اليمن القائمة على التعامل مع الأمر الواقع Realpolitik والتي هي أصلا في صالح الحوثي.

**
سادسا: وستستمر دوامات اليمن
**

هل يتوقع أي أحد أن تخلص اليمن من هذه الدوامات التي تغزل بها وتدوخها؟
هل يتوقع أحد أن تستطيع السعودية أن تنجو بنفسها من دوامات اليمن وتأمن الحوثيين والإيرانيين بمجرد إعلان انسحابها؟
هل يستطيع الحوثي أن يقهر كل اليمنيين ثم يحقق استقرار اليمن بالمواعظ والغصب والاغتصاب؟
هل تستطيع إيران الاستمرار بالنجاح في توسعاتها بالاستيلاء على دولة عربية خامسة؟
هل تستطيع أمريكا بالاستمرار في كشح نفسها في مصير دول المنطقة بينما هي تمارس المعايير المزدوجة في السياسة والقيم والأخلاق لصالح اسرائيل وضد الفلسطينيين وضد العرب؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى