سيول اليمن… كارثة إنسانية جديدة تفضح الحسابات السياسية

سيول قادمة من لحج تصل شاطئ الحسوة في عدن لأول مرة منذ 60 عاما (الجزيرة)
نيويورك – حاص – هيثم جسار- عين اليمن الحر
معاناة النازحين تحت المطر
بين خيام بالية وأكواخ لا تصمد أمام هبة ريح، وجد أكثر من 13 ألف أسرة نازحة نفسها فريسة للسيول التي اجتاحت اليمن مؤخرًا. مشهد الغرق لم يقتصر على البيوت المؤقتة وحدها، بل ابتلع معه ما تبقى من غذاء وأدوية ووسائل معيشة بالكاد تُبقي هؤلاء على قيد الحياة. الأطفال الذين هربوا من الحرب، وجدوا أنفسهم محاصرين بمياه جارفة، والنساء فقدن المأوى مرة أخرى، وكأن النزوح لا يعرف نهاية.
السياسة في مواجهة المأساة
غير أن الكارثة لم تُقرأ فقط في بعدها الإنساني، بل تحوّلت إلى ورقة سياسية في أيدي الأطراف المتصارعة. فالحوثيون تعاملوا معها كفرصة جديدة لممارسة الابتزاز، فبدلًا من فتح الممرات أمام الإغاثة الدولية، عملوا على تحويل المساعدات إلى خزائنهم أو ميليشياتهم، تاركين آلاف الأسر في العراء.
وفي المقابل، عجزت الحكومة الشرعية عن تقديم استجابة عاجلة وفعالة، مكتفية ببيانات شجب ودعوات للمجتمع الدولي، وهو ما يكشف ضعف البنية المؤسسية في إدارة الكوارث، ويعكس حجم الترهل الذي يعيشه الجهاز الحكومي.
الصمت الدولي والانتقائية
المجتمع الدولي الذي يسرع عادة إلى إطلاق حملات إنسانية عند وقوع كوارث مشابهة في دول أخرى، بدا صامتًا تجاه مأساة اليمنيين. فالتدخلات اقتصرت على بيانات إدانة ومساعدات محدودة، فيما بقيت الحاجة إلى خطة إنقاذ واسعة وشاملة بلا مجيب. وكأن أرواح اليمنيين تُقاس بمعايير سياسية، وليست بمعايير إنسانية.
خطر يتجاوز حدود المخيمات
الكارثة البيئية في اليمن ليست حدثًا عابرًا. فهي تهدد بتحويل مخيمات النازحين إلى بؤر أوبئة وأمراض، وهو ما قد يضاعف من الأعباء الصحية في بلد يعاني أصلًا من انهيار شبه كامل في منظومته الطبية. ومع غياب الحلول السياسية، واستمرار الحرب، سيظل النازحون الحلقة الأضعف، تتقاذفهم الأمواج بين فشل الدولة واستغلال الميليشيا وصمت العالم.
إن مأساة الأسر الثلاث عشرة ألف ليست مجرد أرقام في تقارير الإغاثة، بل هي جرس إنذار جديد يكشف أن اليمنيين يُقتلون مرتين: مرة بسلاح الحرب، ومرة بإهمال السياسة. وسيظل السؤال معلقًا: إلى متى سيبقى النازحون وقودًا للحرب وصفقة للمساومات