حرب اسرائيل على غزة ولبنان-زيارة الملك عبد الله إلى واشنطن ومسالة التهجير من غزة

 

أ د  ✍️ /  دحان النجار

هناك تناغم أمريكي إسرائيلي في شأن القضية الفلسطينية لا سابق له في تاريخ علاقة البلدين وخاصة فيما يخص قضية تهجير سكان غزة ومسالة الاسرى الاسرائيليين لدى حماس واتفاق وقف اطلاق النار في ،حيث من المتوقع ان يعود القتال من جديد تحت حجة القضاء على حماس متذرعين بعروض حماس العسكرية اثناء تسليم الاسرى والتي لم تكن موفقة من وجهة نظري لانها مثلت استفزازا للطرف الآخر ولم تفيد حماس بشيء وكان الأحرى بها ان تعيد ترتيب صفوفها بهدؤ وسرية تامة انتظارا لجولات قادمة من المواجهة بدلا من عروض كشف القوة .
الاتفاق الأمريكي الإسرائيلي في القضاء على حماس لا يشك فيه أحد وقد تعزز في ظل ادارة الرئيس دونالد ترامب اكثر من اي وقت مضى بل والأكثر من ذلك انه صاحب مبادرة تهجير سكان القطاع الذي لم يعد صالح للعيش حسب زعمه وعملية البناء ستأخذ وقتا طويلا يستحيل الاحتفاظ بالسكان اثنائها، ونجد هنا ان مواقف الرئيس ترامب تتجاوز مواقف نتنياهو وفريقه المتشدد تجاه مستقبل القطاع بعد القضاء على حماس حيث كانت تتراوح الاراء ما بين إعادة احتلاله او وضعه تحت ادارة السلطة الفلسطينية مع التنسيق مع بعض الدول العربية او وضعه تحت ادارة دولية، لكن الرئيس ترامب تخطى كل هذه الطروحات الاسرائيلية والمدعومة امريكا في حينه إلى تهجير السكان وتحويله إلى منطقة استثمارية عالمية بقيادة أمريكية.
في الايام القليلة الماضية لم يمر يوما واحداً إلا وتكلم فيه الرئيس ترامب عن غزة وعن التهجير والاستثمار والسيطرة الأمريكية عليها وتحويلها إلى ريفييرا الشرق الأوسط.
التهجير الى البلدان العربية المجاورة وبالذات مصر والأردن في المقدمة ياخذه الرئيس ترامب بجدية تامة وأكثر من مرة يؤكد على ضرورة قبولهم تسكين المهجرين من القطاع مهددا أحيانا بقطع المساعدات واحيانا اخرى بالأملاء المباشر واكيد ان هناك اساليب ضغط شديدة ورى الكواليس .
بعد لقائه الرئيس ترامب في اجتماع مغلق في البيت الأبيض اليوم الثلاثاء ١١ فبراير ظهر الملك عبد الله عبوسا مرتبكا اثناء المؤتمر الصحفي مع الرئيس ترامب ولم يقل جملة واحدة حول رفض الأردن لفكرة التسكين بل تكلم في جمل مبهمة حول مراعاة مصالح الجميع وأكثر جملة تعبر عن الرفض المبطن قالها هي ان العرب سوف يصيغون موقفهم لاحقا تجاه خطة الرئيس ترامب بهذا الشأن واكيد انه تعرض لضغوطات مباشرة اثناء الاجتماع المغلق بل وتلقي أوامر مباشره بما يجب عليه القيام به.
ترامب يرى بان غزة غير صالحة للحياة حاليا ولابد من التهجير واعادة البناء والولايات المتحدة ستقود هذه العملية، وكان يشير في البداية إلى ان المهجرين سوف يعودون او يعود جزء منهم إلى غزة الجديدة التي يتصورها بدون حماس وبدون السلطة الفلسطينية بل غزة منتجع العالم لكن مواقفه تتطور يوما عن يوم واصبح يجاهر بعدم عودة السكان اليها حيث كان احيانا يتكلم عن شرائها واحيانا عن فتحها للاستثمار العالمي والان يتكلم عن السيطرة عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
الرئيس ترامب يخرج عن الخطاب الدبلوماسي المبطن إلى الخطاب الجماهيري المباشر في التعبير عن مواقفه وعن اهدافه دون مراعاة لقواعد القانون الدولي والعلاقات الدولية ويتخاطب مع الجميع كرئيس للعالم ، ومن هنا نستنتج ان ما قاله للملك عبد الله اثناء الاجتماع المغلق من توجيه إملاءات شديدة ليست قابلة للنقاش باستقبال المهجرين من غزة وإلا ، وهذا ما ظهر عند تلعثم الملك عند الكلام حول قبول الأردن للمهجرين حيث قال انه سيقوم بما يخدم مصلحة بلاده وهذا قد يدل على الموافقة افضل من ان تتعرض بلاده لما هو اسواء في حالة الرفض ولا يستبعد معاقبة عرشه او تغييره ، وهروبا من الرد على السؤال الخاص بقبول المهجرين اشار الى استقبال الفي طفل فلسطيني دون ان ينفي انه لم يوافق على طلب الرئيس ترامب بهذا الخصوص، الرئيس ترامب كان قد صرح مرارا وتكرارا بان على الأردن ومصر قبول المهجرين.
من المؤكد ان الملك عبد الله تعرض لضغوط شديدة من الرئيس ترامب ولم يبقى له إلا التمسك بالموقف العربي الذي يبدو انه سوف لن يكون بعيدا عن الموقف الأردني بالرغم من معارضة مصر والسعودية الواضحة للتهجير والتسكين إلا إذا استمر الموقف السعودي ثابتا رافضا للتهجير والتسكين لما للمملكة العربية السعودية من نفوذ سياسي على المستويين العربي والدولي، ومن الناحية الأخرى صرح الملك عبد الله بان الحل الأمثل للقضية الفلسطينية هو حل الدولتين وهو الحل الذي لم يؤيّده الرئيس ترامب ولم ياتي حتى على ذكرة يوما ما ، كيف لا وهو الرئيس الامريكي الوحيد الذي صرح بضيق مساحة الدولة اليهودية وهي اشارة مباشرة إلى ضرورة توسيعها ذلك التوسع الذي سيكون على حساب جيرانها العرب في لبنان وسوريا والأردن ومصر بل والسعودية ، وحديث الملك عبدالله الله أمام الرئيس ترامب عن حل الدولتين يعتبر موقفا جريئا إلى حدا ما تجاه مشروع التهجير القائم على الاقل للحفاظ على ماء وجهه امام شعبه والعرب بعد ان تلقى الصغط اثناء الاجتماع المغلق ولم يستطيع الرفض وكان من ضمن رده على سؤال الصحفيين حول قبول الأردن لخطة ترامب بانه سيرى كيف يتم تنفيذ ذلك لصالح الجميع وهي إجابه لا تنفي ولا تثبت قطعا أي ان المسألة قيد الدراسة.
لدى الاردن اسباب كثيرة للتخوف من تهجير ملايين الفلسطينيين اليه واهمها انه قديقود إلى زعزعة استقرار المملكة وقد خاض تجربة مريرة مع احداث ما سمي بأيلول الأسود عام ١٩٧٠ عندما اصطدم اللاجئين الفلسطينين مع قوات الجيش والامن الأردنيين في معركة راح ضحيتها اكثر من ٢٥ الف فلسطيني وكان النظام في خطر سقوط حقيقي.
الملك عبد الله أشار إلى ان العرب سوف يساعدون في إعادة بناء غزة وهو تلميح غير مباشر الى تمسكهم بها لأهلها امام تأكيدات ترامب على اخراجها عن سياقها الطبيعي وتفريغها من السكان التي لم تعد صالحة لسكنهم حسب زعمه وكانه يعمل بهم خيرا في الترحيل الى أراض آمنة مستقرة سيكونون فيها سعداء بدلا من تعاستهم الحالية وان الًولايات المتحدة هي من سيقوم بقيادة عملية إعادة البناء لكن ليس لسكانها بل لوضائفها الجديدة كمنتجع عالمي.
والخلاصة ان الوضع العربي الراهن المترهل والمفكك يغري اسرائيل وحلفائها الاستراتيجيين على محاولة تصفية القضية الفلسطينية واعادة ترتيب المنطقة بما يخدم استراتيجياتهم في فرض سيطرة سياسية واقتصادية طويلة الامد عليها. محور المقاومة العربي سواء كان حكوميا او مقاومة غير حكومية بدأ في التصدع منذ اتفاقية كامب ديفيد ١٩٧٩ بين مصر واسرائيل ومن ثم اسقاط النظام في العراق وصولا إلى اسقاط النظام الليبي وتمزيق اليمن والسودان وهرولة كثير من الدول العربية الى التطبيع مع إسرائيل رامية بالقضية الفلسطينية وراء ظهورها وكان اخرها الحرب الاسرائيلية على غزة ولبنان والتي قادة الى تدمير غزة وتقليص نفوذ وقوة حزب الله بل وأضعافه ومحاصرته كقوة مساندة وإسقاط نظام الاسد في دمشق الذي كان يمثل الخلفية الآمنة ومصدر الامداد وكما يُقال بان اسرائيل نفسها لم تكن تتوقع هذه النجاحات في اضعاف والقضاء على خصومها الامر الذي يغريها على تعزيز انجازاتهابالمزيد من إضعافهم بل وتدميرهم والتوق الى تحقيق فكرة الدولة اليهودية الكبرى من الفرات الى النيل ولذلك ما تبقى من أنظمة على الحدود معها ستكون تحت ضغوط كبيرة وبالذات الأردن ومصر .
د. دحان النجار ميتشجان ١١ فبراير ٢٠٢٥

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى