حرب اسرائيل على غزة ولبنان-اهم محاور لقاء ترامب مع نتنياهو في البيت الأبيض مطلع أبريل الحالي؛

أ د / دحان النجار
وصل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى واشنطن الاحد الماضي السادس من ابريل في زيارة هي الثانية له منذ تولي الرئيس ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة في دورته الرئاسية الحالية.
في الزيارة الاولى في الرابع من شهر فبراير الماضي حضي نتنياهو باستقبال حار جدا ومبالغ فيه في البيت الأبيض وفي الكونجرس إلا انه لم يحضى بنفس الاستقبال في زيارته الاخيرة حيث تفاجأ ببعض المواقف من الرئيس دونالد ترامب لم يرغب هو والوفد المرافق له في سماعها ومنها المحادثات الأمريكية الإيرانية حول برنامج ايران النووي وكذلك إشادة الرئيس ترامب برئيس الجمهورية التركية اردوغان والإيحاءات الأمريكية بالرغبة لإيجاد حل في غزة ينهي أزمة الرهائن.
على الرغم من الطابع العام للاجتماع فان القضايا الامنية كانت حاضرة على جدول الاجتماع وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني والأوضاع المتوترة في قطاع غزة .
حيث اتفق بعض المحللون الإسرائيليون على أن ترامب لم يعد يمنح نتنياهو صكوك التأييد المطلق، كما فعل في الماضي. فقد جاءت دعوته الصريحة إلى وقف الحرب على غزة وإعادة تحريك المفاوضات غير المباشرة لوقف إطلاق النار كإشارة واضحة للتراجع الطفيف في الدعم الأميركي غير المشروط للحرب الإسرائيلية على القطاع.
الادارة الأمريكية تدفع بالأمور نحو تسوية بما يخدم مصالح واهداف اسرائيل بالدرجة الاولى في الوقت الذي يواصل نتنياهو لعبته المفضلة في المماطلة وإختلاق المبررات للتنصل مما تم الاتفاق عليه مع الوسطاء ويشن حربا ضروسا في القطاع ما يثير التساؤلات حول جديته في التوصل إلى حل حاسم لمسألة الاسرى والمختطفين ووقف نهائي لاطلاق النار .
بعد سقوط نظام الاسد في سوريا وهو الذي كان يشكل الحاضنة الاقليمية بعد ايران ومصدر الامداد اللوجستي لحزب الله وبعض الحركات في المنطقة وبعد الضربات المؤلمة للحزب وعدم قدرته في الوقت الراهن على توجيه اي ضربات دفاعية على ارضه في لبنان ضد الهجمات الاسرائيلية المتكررة وفشل ايران في الدفاع عنه عسكريا اثناء الحرب الاخيرة وبعدها والتي قُتلت فيها معظم قياداته العلياء ودمرت معظم امكانياته العسكرية كل ذلك قاد إلى تغول نتنياهو في المنطقة وإعلانه عن ميلاد شرق اوسط جديد تصيغه اسرائيل يخدم مصالحها ومصالح حلفائها الاستراتيجية وغير داعم للفلسطينين وفي مقدمتهم المقاومة في قطاع غزة .
في وضع كهذا قررنتنياهو العودة الى القطاع بثلاث فرق عسكرية لتدميرما تبقى من المباني السكنيةز والمنشات المدنية التعليمية والصحية والدينية وكذلك العسكرية وتقوم بقتل المئات يوميا من المدنيين واغتيال قادة عسكريين من حركات المقاومة لم تتمكن منهم في حرب ال ١٥ شهرا قبل الهدنة الأخيرة ( لا توجد معلومات عن القتلى من العسكريين) وتخلق وضعا جديدا على الارض في ظل مقاومة باهته لم تكن في المستوى السابق بالرغم من الاستعراضات المبالغ فيها اثناء تسليم بعض المختطفين في صفقات التبادل والتي عرّضت ما تبقى من المقاومة المسلحة للإنكشاف وأكسبت حكومة نتنياهو بعضا من الدعم الشعبي لمواصلة حربها ضد القطاع من اجل استئصال حماس والأجنحة العسكرية المخيفة كما يعتقدون والتي لا زالت تتظاهر بالقوة، ومن اجل استعادة المختطفين وفرض امر واقع للترحيل منه وإفراغه من السكان وهو المخطط الذي نال دعما أمريكا ثابتا بالرغم من التلميحات في رغبة الادارة في وقف الحرب واجراء محادثات غير مباشرة كما أُشير سابقا وحل قضية المختطفين. وهكذا يستمر الحال في القطاع دون ان يتعرض نتنياهو وحكومته لضغط أمريكي ودولي حقيقي يقود إلى وقف الحرب والتجويع والإبادة الجماعية لسكان القطاع المدنيين .
وتستمر إسرائيل في التنصل من الاتفاقات السابقة المكونة من ثلاث مراحل والتي تفضي إلى وقف شامل لإطلاق النار وتبدي رغبتها في الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين و في نفس الوقت لا توافق على الذهاب إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه مع حركة حماس بوساطة أمريكية ومصرية وقطرية.
إسرائيل وبدعم من مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف تعرض مقترح تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار مع الإفراج عن المزيد من المحتجزين الإسرائيليين، مقابل سماح إسرائيل بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والإفراج عن مسجونين فلسطينيين، وهي بذلك تسعى إلى إعادة صياغة الصفقة لإطلاق سراح المزيد من المحتجزين الإسرائيليين في تمديد للمرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، بما يسمح لها بمواصلة العمليات العسكرية ضد حركة حماس في القطاع بشكل مستمر.
في المقابل، تتمسك حركة حماس ببنود الاتفاق الأصلية، والتي تنص على بدء مفاوضات المرحلة الثانية بعد انتهاء تنفيذ المرحلة الأولى. وتشمل المرحلة الثانية إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين الباقين على قيد الحياة مقابل انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية وإنهاء الحرب.
وبالعودة الى نتنياهو في البيت الأبيض فقد بدأ واضحا حرصه على إظهار مستوى عال من التنسيق مع الرئيس ترامب بإتجاه تنفيذ ضربة عسكرية مدمرة للمنشآت النووية الإيرانية.
وبشكل مفاجىء اعلن الرئيس ترامب ان الولايات المتحدة تجري بالفعل محادثات مباشره مع ايران وهو ما شكل احباطا لدى نتنياهو الذي ينتظر بل ويحرض على توجيه ضربه قويه للمنشآت النووية الإيرانية في اقرب وقت ممكن، حيث صرح الرئيس ترامب للصحفيين في البيت الابيض وبحضور نتنياهو نفسه والوفد المرافق له بان الولايات المتحدة تجري محادثات مع ايران بدات يوم امس السبت ويعتقد ان الجميع متفقون على ان التوصل إلى اتفاق سيكون افضل.
الجدير بالذكر ان وزير خارجية ايران عباس عراقجي اكد على منصة ” اكس” ان محادثات غير مباشرة رفيعة المستوى ستعقد في سلطنة عمان وان الكرة في ملعب الولايات المتحدة الأمريكية ،ونقلت صحيفة “اسرائيل هيوم” عن مصادر سياسية ان إسرائيل لم يكن لديها علم مسبق بالاتفاق بين ادارة ترامب والإيرانيين في فتح باب المفاوضات بينهما ، واضافت نقلا عن مصدر في الوفد الاسرائيلي الذي وصل إلى واشنطن ان ” الصدمة” كانت واضحة على الوجوه بعد معرفة الوفد بتلك المفاوضات بين واشنطن وطهران ،مع العلم ان هناك بعض التوقعات بقرب توجيه ضربة أمريكية للمنشآت النووية الإيرانية خلال الايام القادمة وان المحادثات الحالية ما هي إلا عبارة عن خطوة تمويه تقود الى نجاح الضربة.
وللعلم بان ايران رفضت في الأسابيع الماضية تهديدات ترامب بقصف منشآتها النووية إذ لم تقوم بإجراء مفاوضات مباشرة مع ادارته ولم يقوم بضربها الأمر الذي يدل على انه يرفع سقف التهديدات من اجل الحصول على شروط تفاوضية افضل قد تجنبه توجيه ضربه عسكرية لتلك المنشآت والتي قد تقود إلى خلق وضع عسكري متفجر اقليميا ودوليا لا يرغب فيه طالما وهناك بدائل اخرى تحقق نفس الهدف.
ايران ليست في وضع تفاوضي قوي كما كانت عليه قبل الحرب الروسية الاوكرانية وسقوط النظام السوري واضعاف حزب الله بشكل غير مسبوق في تاريخه، فالتورط الروسي في حرب استنزافية مؤثرة جديا طويلة الامد في أوكرانيا وما نتج عنها من عقوبات شاملة في كل المجالات وضعت روسيا في موقف صعب عالميا جعلها تحاول الخروج منه في اقرب وقت ممكن وعدم ضياع اي فرصة للحل ،وكان مجيء الرئيس الاميركي دونالد ترامب إلى السلطة وتقديمه عرضا مغريا لروسيا لأخراجها من هذه الحرب هذا العرض الذي جعل القيادة الروسية تحاول اقتناصة وعدم ضياعه حتى لو كان على حساب بعض التنازلات في ملفات حلفائها الدوليين بمن فيهم ايران وملفها النووي.
الضربات الجوية الشديدة المستمرة لأسابيع على سلطات الحوثيون انصار الله في اليمن هي رسالة واضحة لايران بالموقف الحازم تجاهها وتجاه انصارها وخلفائها في المنطقة من اجل ان تعيد القيادة الإيرانية مراجعة موقغها من اي اتفاق نووي وما يطلب منها من تنازلات جوهرية تحت هذا الضغط ولكن من المبكر الحكم بنجاح او فشل تلك الضربات إلا انه من الواضح ان ايران تحت ضغوط كبيرة وخاصة بعد خسارتها كما أُشير آنفا لحليفها الاقليمي القوي نظام الاسد في سوريا وتراجع قوة ونفوذ حزب الله في لبنان الذي مثل حتى الماضي القريب معادلة اقليمية يحسب حسابها إقليميا ودوليا.
توجيه ضربه أمريكية وربما امريكية اسرائيلية مشتركة للمنشآت النووية الإيرانية يظل احتمال كبير جدا إلا إذا اقدمت ايران على تقديم تنازلات في اي اتفاق قادم اكثر من تلك التنازلات التي قدمتها في الاتفاق الماضي المبرم مع ادارة الرئيس باراك أوباما وربما تخضع ايران لذلك تحت الضغط الإمريكي ونصائح الحلفاء والأصدقاء.
لا يبدو الامر مبشرا من اجل انفراجة جوهرية في قطاع غزة الذي تتلاطم فيه الرغبات الاسرائيلية والدولية والاقليمية ومعظمها تتفق على ازالة حماس من الحكم مستقبلا واجراء ترتيبات ادارية جديدة تقبل بها اسرائيل وتخرج بعض حكومات الاقليم من الاحراج .
الوضع في قطاع غزة وصل إلى حالة الانسداد الفعلي في ضوء سقف الاهداف المرتفع لكل من إسرائيل والولايات المتحدة ووقوع حماس في شرك المعركة المدمرة للأرض والإنسان التي لم تترك لها مجال للتراجع، وتظل إسرائيل تحت الرعاية الأمريكية الخاصة مهما حصلت بعض التباينات في بعض المواقف إلا ان الإدارات الأميركية المتعاقبة في الاخير تتبنى الموقف الاسرائيلي.
وفي السياسة كل الاحتمالات واردة فقد تتغير المواقف نتيجة لاي تغييرات دولية او اقليمية والاهم من ذلك التغييرات الداخلية في الدول التي تمثل اللاعب الرئيسي في الاحداث.
د.دحان النجار ولاية تنسي الأمريكية ١١ أبريل ٢٠٢٥م.