حرب اسرائيل على غزة-جبهة الشمال في مركز الحدث مجددا

 

✍️ أ د / دحان النجار

تعددت فصول الحرب الاسرائيلية في غزة حيث ابتدأت بتنمر نتانياهو في كل الجبهات مدعوما من حلفائه الغربيين وتواطؤ بعض الحكام العرب وكان يريدها حربا اقليمية يكون فيها الجيش الامريكي في الخط الأمامي لمواجهة حزب الله وسوريا وايران والجيش الاسرائيلي يتفرغ لغزة ويقضي على مقاومتها وهنا يكون الهدف الاستراتيجي قد تحقق اقليميا ومحليا وتصبح اسرائيل هي اللاعب الأوحد والأقوى في المنطقة وميلاد ناتو شرق أوسطي يصبح حقيقه واقعه بعد إضعاف ايران وتدمير حلفائها في دول الجوار الفلسطيني.
المقاومة في غزة ( وهي ليست فقط مشكله من حماس بل تاتي حماس في المقدمة تليها الجاد الإسلامي ومن ثم فصائل المقاومة الأخرى من جبهة شعبية وجبهة ديمقراطية وفتح وغيرها من الفصائل ذات الوجود الرمزي) هذه المقاومة صمدت على مدى ثمانية اشهر ولا زالت صامده في الميدان بالرغم من التدمير الغير مسبوق لقطاع غزه والقتل الجماعي الممنهج الذي اصبح محل نقد واستنكار عالمي فضح الصورة الحقيقية للعنصرية الاسرائيلية التي كانت تتخفى في غلاف ديمقراطي مزيف . اهداف حكومة نتانياهو المعلنه في البداية من حربه على غزه وهي تدمير واجتثاث حماس والعوده إلى القطاع عسكريا وأمنيا واستيطانيا واستعادة الاسرى لم تعد قابلة للتنفيذ حيث اصبحت الحرب استنزافية ودخول آخر معاقل المقاومة في مدينة رفح لم يؤدي إلى استسلام المقاومة بل أدى الى اعادة انتشارها في كل مناطق القطاع الامر الذي يتطلب البحث عن مخرج ولو بالحيلة يحفّظ لإسرائيل ماء الوجه ويحقق جزء من اهدافها وكان اخرها اعلان الرئيس بايدن لخطة وقف اطلاق النار نيابة عن اسرائيل والتي يتم إملائها من طرف واحد ومحتواها ما لم يتحقق بالحرب يتحقق باتفاقيات سلام وهدنه مخادعه لكن حنكة المفاوض من الطرف الاخر وفهمه لاهدافها أدى إلى تأرجحها بالرغم من الحشد الدولي والإقليمي لها ومحاولة فرضها قسرا وكان اخرها بيان صادر عن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا على شكل املاء لا يمكن ان يصدر إلا من طرف منتصر له الغلبه في المعركة عسكريا وسياسيا.
المقاومة المسانده لغزة في اليمن والعراق اكيد انها اثرت على مجريات الاحداث ووضعت إسرائيل بين فكي كماشة ذراعها الاول في غزه والثاني يتمثل في هذه المقاومة من خارج الحدود والتي يمثلها بدرجة رئيسية حزب الله في جنوب لبنان. حزب الله في جنوب لبنان يعتبر هو الضاغط الاول لصالح غزه ولذلك ارادت إسرائيل توجيه السهم الأمريكي والغربي اليه منذ بداية المعركة وبالتالي دخول امريكا في مواجهه مع ايران إلا ان أمريكا وايران تمكنتا من افساد خطة نتانياهو وتجنبت الحرب الإقليمية على الاقل إلى هذه اللحظة وكان هذا من وجهة نظرنا انتصار سياسي لهما على الاقل إلى الوقت الراهن.
بعد تعثر الجيش الاسرائيلي في رفح واشتداد المقاومة في بقية القطاع وعدم اجتثاثها وعدم استعادة الاسرى واشتداد الضغط الدولي الحقوقي والانساني على اسرائيل كان لابد لنتنياهو ان يعيد التهديد بتفجير صاعق جبهة الشمال ومع حزب الله بالتحديد.
القاده العسكريين والسياسيين في اسرائيل يهددون بكل وضوح بانهم يعدون العده لتوجيه ضربه ساحقة إلى المقاومة في لبنان وتدمير البنية التحتية اللبنانية والمدن الاهله بالسكان من اجل تخويف المقاومة واثارة قطاعات لبنانية على غير توافق معها ضدها بما يمثل اشعال فتنه داخلية يتم فيها حصار حزب الله وخنقه اجتماعيا وعسكريا . الاغتيالات المستمرة لقادة حزب الله العسكريين لم تثنية عن توجيه ضربات صاروخية ومدفعية وجويه بالمسيرات بل ان وتيرتها ارتفعت بشكل ملحوظ وبتحدي واضح مفادها ان الحزب لن يتوقف عن مهاجمة اسرائيل إلا في حالة وقف اطلاق النار في غزه اما لو فكرت اسرائيل بمهاجمة الحزب فسوف يرد بالمثل وهو جاهز لذلك في اي لحظة.
بالأمس ١٨ يونيو نشر الحزب نماذج لمقاطع فيديوهات للمناطق العسكرية والاقتصادية الاستراتيجية في إسرائيل على شكل رساله تحذيرية ورد على التهديدات بتدمير لبنان يجب على القيادات العسكرية والسياسية الاسرائيلية فهمها جيدا وعدم التمادي في الاستفزازات والتهديدات.
السيد حسن نصر الله امين عام حزب الله في كلمة اليوم ١٩ يونيو ٢٠٢٤ م امام حشد كبير من مناصريه بمناسبة تشييع أحد قادته العسكريين الذي اغتالته اسرائيل مع بعض من رفاقه اكد بان الحزب جاهز للمعركة وان لديه اعداد كبيره من المقاتلين المدربين ناهيك عن تقديم العروض من حلفائه في محور المقاومة بارسال عشرات بل ومئات الالاف من المتطوعين للقتال معه . نصر الله صرح بان الحزب اعاد بناء قدراته العسكريه الذاتيه إما بإنتاج السلاح المطلوب محليا او تطويره او استقبال المطلوب منه من خارج لبنان بالرغم من الحصار الإسرائيلي على ذلك. ايضا صرح بانه اي حزب الله مستعد لقصف إسرائيل ومنشأتها الحيوية العسكرية والاقتصادية ولن يردعه شيء عن ذلك ان هي هاجمت لبنان بحرب شاملة. ولن يقتصر التهديد على إسرائيل وحصارها برا وبحرا وجوا بل شمل ذلك التهديد او التحذير الحلفاء المحتملين مثل قبرص التي تجري فيها القوات الاسرائيلية مناورات عسكرية تحاكي طبيعة الجغرافيا اللبنانية الجبلية ومن المحتمل ان يستخدم الطيران العسكري الاسرائيلي مطاراتها ومطارات القواعد العسكرية الغربية فيها لمهاجمة لبنان الذي يتوقع انه سوف يشل حركة المطارات العسكرية الاسرائيلية في الأراضي المحتلة اثناء الحرب الشاملة.
التصعيد هذه المرة في جبهة الشمال جدي لكن الولايات المتحدة تحاول تفادي ذلك حيث ارسلت مندوبها إلى الأطراف المعنية من اجل عدم تفجير الوضع اقليميا وبالتأكيد ان هناك اتصالات سريه بينها وبين ايران من اجل الغرض نفسه.
الجيش الاسرائيلي بعد حرب غزه لم يعد تلك القوة التدميرية المتماسكة حتى وانً امتلك اسلحة فتاكة فالعنصر البشري يعاني من شبه هزيمة معنوية نتيجة لاشتراك العديد من مكوناته في معارك غزه واي جيش يخوض معركة طويلة الامد لن يكن مستعد لخوض معركة اخرى في وقت قصير جدا ووحداته بحاجة إلى اعادة تاهيل معنوي ونفسي واعادة تاهيل في العتاد والسلاح . الألوية الاسرائيلية التي لم تشترك في حرب غزه وظلت مرابطه في الشمال استعدادا لبدء الحرب هناك لم تعد كافية لتغطية احتياجات الجبهة واي مغامرة قد تنعكس سلبا حتى وان استخدم الجيش الاسرائيلي اسلحة فتاكة وتدميرية تسبب خراب ودمار وضحايا غير مسبوقه.
والاهم من ذلك هل الحليف الرئيسي والضامن الاول لأمن إسرائيل وتفوقها في المنطقة سيقف على الحياد في حال انفجار الوضع الاقليمي ابتداء من جنوب لبنان؟ لا اعتقد ذلك فمن المحتمل بل والمؤكد ان تتدخل الولايات المتحدة عسكريا ومعها بعض الحلفاء وهذا ما تريده حكومة نتانياهو لكن باعتقادي ان الولايات المتحدة سوف تحاول تجنب ذلك وخاصة في الوقت الراهن مع قدوم الانتخابات الرئاسية الامريكية والتهاب الأوضاع في شرق أوروبا وتدهور العلاقات حول تايوان لكن ليس هناك شيء مستبعد ١٠٠٪؜ .
هل تنجح أمريكا ومعها ايران في عدم الانجرار إلى حرب اقليمية شاملة كما يريدها نتانياهو؟
من وجهة نظري نعم سوف يتم تطويقها لكنني لا استبعد حدوثها مطلقا.
د.دحان النجار ميشجان ١٩ يونيو ٢٠٢٤م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى