حرب إسرائيل على غزة ولبنان – معادلة جديده للسلام!

 

أ د / دحان النجار

كما هو معروف بان كل الصراعات الدولية وبالذات المسلحة منها تنتهي بتوقيع اتفاقيات سلام او استسلام ، وهذه الاتفاقيات تعكس في جوهرها وفي بنودها العلنية والسرية ميزان القوى العسكري والسياسي والاقتصادي، فالقوي يفرض ارادته على الضعيف والمنتصر على المهزوم، ولا يوجد هناك استثناء لهذه القاعدة على الإطلاق .
القوي ينتزع أقصى المكاسب المادية والمعنوية ويحاول الحفاظ على نصره باستمرارية ضعف الطرف الاخر والضعيف يحاول الخروج بأقل الخسائر استعدادا لاخذ الثأر واعادة الاعتبار مستقبلا ، والصراع جولات وصولات طال الزمن أم قصر .
الحال في الشرق الأوسط لن يشذ عن هذه القاعدة العامة وإن كان اطراف الصراع لا يريدون الإقرار بها علنا لاسباب عديدة اهمها التمسك بقوة الحق والعقيدة.
بعد قيامها مباشرة دولة إسرائيل في ١٩٤٨م كانت تطالب “بالاعتراف مقابل الارض “وبعد حرب ١٩٦٧ ارتفع سقف مطالبها بعد ان اكتسبت ثقة اكبر وخسر العرب في الحرب “السلام مقابل الارض “وكانت اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربه مع مصر والاردن ثمرة ذلك التوجه وبعد تهاوي النظام العربي ودخول دول عربية عديدة في دوامة العنف والانهيار كان شعار إسرائيل “السلام مقابل السلام “، وتطورت هذه الحالة بعد ضرب حزب الله في لبنان وإبادة غزة وسقوط النظام السوري وانكماش إيران إلى ان رفعت اسرائيل مؤخرا سقفها الى” السلام مقابل عدم التدمير” وهذا هو شعار الشرق الأوسط الجديد بعيون اسرائيلية، هذا الشعار والشعارات من قبله تعكس واقع توازن القوى العسكري والسياسي في المنطقة.
وعليه لا يجب ان يتفائل الفلسطينيون والعرب كثيرا في مبادرة الرئيس دونالد ترامب بشان غزة ولا في مستقبل الدولة الفلسطينية او في جنوب لبنان في ظل توازن القوى العسكري والسياسي المختل لصالح اسرائيل، الحلول التي سيتم إنتاجها لن تلبي حتى الحد الادنى من الحقوق العربية ولكن كما يُقال ” بعض الشر اهون من غيره” على الاقل تستمر المطالب العربية حية وغير منسية ويتم وقف نزيف الدم العربي والترحيل من الارض حتى تتغير موازين القوى محليا واقليميا ودوليا لصالحهم، ما يُقال عن اعترافات بالدولة الفلسطينية وحل الدولتين ليس اكثر من شعار لامتصاص الغضب الشعبي العالمي تجاه الحكومات الفاعلة والمتواطئة مع اسرائيل ولتخدير العرب والفلسطينيين حتى يتكون واقع آخر، لان الاعتراف بدون خطوات عملية عقابية ملزمة ومزمنة ليس له اي فاعلية نحو الحل النهائي.
اضف إلى كل ما سبق من خلل في توازن القوى العسكري والسياسي إقليميا هناك خلل وعدم توازن دولي حيث ان العرب اصبحوا مكشوفين دون حليف دولي قوي بعد سقوط المنظومة الشرقية في تسعينيات القرن الماضي.
المعركة العسكرية غير متكافئة بين اسرائيل وفصائل المقاومة في المنطقة حيث انتقلت المعركة الى عمق العديد من الدول العربية مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن والسودان وليبيا والصومال وربما تشمل دولا أخرى مستقرة حاليا لكن الاحداث بمجملها تظهر مدى الضعف العربي الذي سوف يحدد نتائج اي اتفاق سلام قادم ، الطرف المنتصر والأقوى يملي شروطه التي تناسب غاياته وتحقق اهدافه القريبة والبعيدة المدى.
هناك بعض وسائل الضغط لدى العرب ممكن استخدامها لتحسين شروط التفاوض والمتمثلة بالاستثمارات والتجارة مع الولايات المتحدة الأمريكية بالتحديد التي بيدها مفتاح الحل في الوقت الراهن وتمثل الوسيط القوي الذي يفرض شروطه على الجميع ومع الدول الأوروبية وكذلك الانحياز المدروس والمحسوب بدقة للقوى الناشئة عالميا ومخاطبة الرأي العام العالمي الذي بداء يظهر اهتماما وتفهما كبيرا للقضايا العربية العادلة واهمها جوهر الصراع العربي الاسرائيلي- القضية الفلسطينية، لكن عدم توافق الحكام العرب على الحد الادنى من الإجماع يعيق تفعيل وسائل الضغط المتاحة لهم.
العالم يتغير بسرعة وكما أُشير في مقالات سابقة بان العالم والمنطقة ما بعد ٧ اكتوبر ٢٠٢٣ سيكون مختلفا عما قبله وسوف تتشكل تكتلات وتفاهمات جديدة بالإضافة إلى المتغيرات الناتجة عن الحرب الروسية الاوكرانية وهي متغيرات ايضا تعكس ميزان القوى والتي قد تقود او تكون مقدمات لحرب عالمية ثالثة تعيد تشكيل وجه العالم بشكل مختلف تماما، والشرق الأوسط والمنطقة العربية سيكونا في مركز الحدث .
د/دحان النجار القاهرة ٢٢ اكتوبر ٢٠٢٥م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى