حرب إسرائيل على غزة ولبنان-الهجوم على ايران والحفاظ على ماء وجه حكومة نتانياهو :

✍️أ د / دحان النجار
بدأ الهجوم الإسرائيلي على ايران في الساعة الثانية صباحا بتوقيت مكة المكرمة يوم السبت الموافق ٢٦ اكتوبر ٢٠٢٤م وكان الجميع ينتظر نتائج هذا الهجوم الشرس والخاطف المفاجىء والمدمر كما عبر عنه نتانياهو ووزير دفاعه عدت مران وفي مناسبات مختلفة ردا على هجوم الوعد الصادق رقم ٢ الذي شنته ايران على اسرائيل وكان هجوما تحذيريا مؤلماً لم تتوقعه القيادة الإسرائيلية.
اسرائيل تريد ان تظهر نفسها بانها قوة عظمى في المنطقة وبان يدها طولى تصل إلى اي مكان تريده بل وتدمره وانها بذلك تهدف إلى إعادة ترتيب أوراق المنطقة الأمنية والسياسية والاقتصادية والعسكرية كما يحلو لها.
اسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة تع بان الحرب مع ايران ليست كما هي الحرب مع اذرعها لان ايران لديها من وسائل الدفاع ومن الحلفاء ما يكفي للدفاع عنها او اشعال المنطقة في وجه الجميع وسوف يخسر العالم كله والعالم كله ليس مع ان يعرض مصالحه الاستراتيجية والأمنية بسبب رغبات اسرائيل او بالاصح رغبات نتانياهو وحكومته المتطرفة بما في ذلك اكبر داعم لها وهي الولايات المتحدة الأمريكية الضامنة لأمنها وتفوقها على جيرانها بل وفرض قيادتها في المنطقة بحجة التطبيع والدمج.
الولايات المتحدة الأمريكية وايران منذ بداية الحرب على غزة كانتا تدركا ن بان نتانياهو يريد جرهما إلى صدام مباشر ويخرج هو الكاسب الأكبر من هذا الصدام لان امريكاء سوف تدخل في الحرب مباشره وبقوتها العسكرية الجبارة ستكون قادرة على تدمير ايران بما في ذلك برنامجها التسليحي والنووي وإعادتها الى مستوى دولة ضعيفه هزيلة كما هو الحال في العراق . التوافق الإيراني الأمريكي حول تجنب التفجير الشامل في المنطقة ليس مبني على تحالف بين الطرفين ولا حتى تفاهم مباشر لكنه تفاهم في حدود احترام قواعد الاشتباك وعدم الانجرار الى حرب كارثية تؤلم الطرفين . نتانياهو ايضا كان يدرك بان ايران في ردها الأولي سوف تقصف القواعد العسكرية في المنطقة في حالة الهجوم عليها وهو ما يجعل الولايات المتحدة غارقة في الحرب لا محالة وستحارب بكل جبروتها نيابة عن إسرائيل وتحقق لها هدفها الاستراتيجي بإخراج ايران من معادلة الردع في المنطقة كما خرج العراق من قبلها. ايضاً نتانياهو يدرك ان دول منطقة الخليج العربي ستكون في قلب الاحداث وان ايران التي سيتم ضرب منشآتها المدنية والعسكرية من قواعد أمريكية في هذه الدول وسيتم استخدام مجالها الجوي وفيها مصالح أمريكية متعددة سوف تقوم بضرب هذه الدول وتدمير منشآتها النفطية خصيصا وهي عصب حياة اقتصادها بالإضافة الى تعطيل المراكز المالية مثل دبي والبحرين وغيرها الأمر الذي سيقود إلى اضعاف هذه الدول وهدم التنمية فيها وتمزيقها وما تبقى منها سيكون خانعا اكثر مما هو عليه الحال وستقوم الدولة اليهودية بتوسيع نفوذها ومساحتها على حساب جيرانها بقيام دولة إسرائيل من الفرات الى النيل وما تبقى من أراض عربية حولها تكون مناطق نفوذ امني واقتصادي لها وتصبح هي قائدة العالم العربي بدون منازع.
الولايات المتحدة الأمريكية ادركت خطورة سياسة نتنياهو المتهورة وحاولت لجمه بكل الطرق والوسائل بما فيها الاغراء مقابل ان لا يفجر معركة شاملة في الشرق الأوسط ويجر ها اليها في الزمان والمكان الذي اختاره هو بما لا يتلائم والتوقيت الأمريكي المناسب وفرضت عليه عدم ضرب المنشآت النووية والنفطية والبنية التحتية الإيرانية وبذلك تكون اسرائيل قد نفذت وعدها وردت على هجوم الوعد الصادق رقم ٢ واثبتت قوتها بانه بامكانها ان تصل إلى اي مكان في ايران وان يدها هي الطولى وتكون هذه الهجمة بمثابة بروفة لاي هجوم أمريكي اسرائيلي كاسح مستقبلا عندما يكونا المكان والزمان ملائمين له.
في المقابل اسرائيل حققت مكاسب كبيره من إصغائها للإدارة الأمريكية تمثلت بحصولها على منظومة ثاد المتطورة للدفاع الجوي علها تعوض عيوب منظومات القبة الحديدية ومقلاع سليمان وحيتس للدفاع الجوي التي عرتها هذه الحرب واظهرت نقاط ضعفها بعدما كانت قد أوهمت اسرائيل وكثير من دول العالم بدقتها وقوتها الخارقة التي لا مثيل لها في العالم ،ايضا حصلت اسرائيل على ضمانات امنية جديدة من الولايات المتحدة ووعود بدعم مالي وعسكري وذخائر وأسلحة متطورة لم يسبق لها ان حصلت عليها من قبل بالاضافة إلى تشديد وتعميق التعاون الامني والاستخباراتي مستقبلا وارسال ثلاثة أسراب من الطائرات الأمريكية الهجومية إلى المنطقة لحماية اسرائيل والقواعد الأمريكية فيها . وباعتقاد ي بان اسرائيل وافقت على الضربة المحدودة بعد الضغوطات والإغراءات ولكنها قد تستفيد من المغريات وتعود قبل نهاية العام إلى تاجيج الوضع مع ايران وخاصة إذا خسرت المعركة في جنوب لبنان لان نتانياهو لا يحترم الاتفاقيات ولا يفي بالوعود.
ويضاف إلى الاسباب التي دفعت الادارة الأمريكية إلى كبح جماح نتانياهو في توسيع دائرة المعركة الى ايران عدم رغبتها في حدوثها قبيل الانتخابات الرئاسية التي تفصلنا عنها مدة أسبوعان فقط . من الواضح ان الولايات المتحدة الأمريكية بذلت جهودا متعددة في سبيل عدم انفجار الوضع الاقليمي وتواصلت مع ايران بواسطة طرف ثالث من المحتمل ان تكون قطر وربما غيرها بالإضافة الى الرسائل المتبادلة بطرق اخرى والتي تصب جميعها في تجنب الحرب الشاملة ليس حبا بايران بل بما تقتضيه المصلحة الاستراتيجية العليا للدولة.
عودة الى مهاجمة اسرائيل لايران صباح اليوم السبت ، من الواضح ان العملية تمت بشبه توافق حيث قامت اسرائيل بعملية تمويهية وذلك بضر الرادارات في سوريا والعراق كي تعفي الجهات المعنية في البلدين من الحرج واتجهت إلى الحدود الشرقية والجنوبية للعراق ومن هناك أطلقت صواريخها بعيدة المدى على ٢٠ موقعا عسكريا في ثلاث موجات من الطلعات الاولى لضرب الرادارات والدفاعات الجوية والثانية والثالثة لتنفيذ مهام تدمير الاهداف وبعدها اعلنت القيادة العسكرية الاسرائيلية انتهاء العملية. ايران تعلن مقتل جنديين وجرح عدد وان الهجوم لم يتسبب بأضرار نوعية ونفس الشيء أعلنت إسرائيل عند تلقيها ضربات عملية الوعد الصادق الثانية إلا أن العلومات تسربت بعدها بايام واتضح انها تسببت في اضرار كبيرة في القواعد العسكرية المستهدفة وما المانع ان تعلن ايران اضرار اكبر لاحقا . كانت اسرائيل قد أعلنت حينها ان العملية تسببت في اضرار مختلفه واستهدفت المدنيين لكن الحقيقة ان ايران لم تستهدف اي موقع مدني اطلاقا وهكذا عملت اسرائيل اليوم وهي معاملة بالمثل اي انها لم تقصف اي اهداف مدنية. بحسب كثير من المصادر بما فيها إسرائيلية انه تم اشعار ايران مسبقا بالضربة وطُلب منها عدم الرد وذلك لتفادي التصعيد اللاحق وباعتقادي بان ايران سوف تمتص الضربة الشكلية تجنبا لتوسيع نطاق المعركة.
الإشراف الأمريكي على العملية كان متناهي الدقة كي لا تنزلق الأوضاع إلى الاسواء وتم التواصل مع ايران وتطمينها بحدود الضربة وبالرغم من توفير وسائل المساعدة غير المباشرة للطيران الإسرائيلي وتسليط اجهزة التشويش على الدفاعات الجوية الإيرانية إلا ان روسيا بواسطة الأقمار الصناعية كانت قد ارسلت نظام تشويش مضاد وهو الأمر الذي يثبت بان المعركة الشاملة مع ايران لو حدثت كانت ستأخذ ابعاد دولية لا تعرف نهايتها.
من وجهة نظري سيطرت الحكمة مرة اخرى وتغلبت على العاطفة وتمكنتا الولايات المتحدة الأمريكية وايران من عدم انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة قد يكتوي فيها العالم اجمع وتم منح إسرائيل الحفاظ على ماء الوجه بعد التهديد والوعيد الذي اطلقه قادتها ضد ايران وكان من الصعب عليهم التراجع دون عمل اي شي يحافظ على مكانتهم وكبريائهم داخليا وخارجيا، اما ايران فقد قدمت التنازل بعدم الرد وان ردت سيكون رد اجوف شبيه بالرد الاسرائيلي او اقل منه وهي تعي ما تعمل وليست المرة الاولى التي تقدم فيها تنازلات من اجل ان لا تعطي الخصم فرصة يجرها إلى مربع الصراع الذي يفرضه هو مثل ما حصل عند اغتيال قائد حماس الشيخ إسماعيل هنيه في أراضيها وكذلك اغتيال عدد من علمائها والهجوم على قنصليتها في دمشق وقتل عدد من القادة والخبراء العسكريين الإيرانيين.
والخلاصة ان إسرائيلي الخاسر الأكبر من رد باهت كهذا اظهر اولا بان عنتريات نتانياهو لها حدود وانه ليس من يقرر مصير العالم وان لجم تهوره ممكن وان الولايات المتحدة هي من يتحكم بالقرار النهائي بشان الحرب والسلام في المنطقة. ايضا ايران اصبحت قوة اقليمية كبرى من الصعب مهاجمتها باي زمان ومكان بل اي عمل كهذا لابد ان يتم التفكير فيه الف مرة قبل القيام به لما لديها من قوة عسكرية ونفوذ في المنطقة وتحالفات دولية.
د.دحان النجار ولاية تنسي الامريكية ٢٦ اكتوبر ٢٠٢٤.