حرب إسرائيل على غزة-هل تمارس الولايات المتحدة الأمريكية سياسة العصاء والجزرة؟

أ د / دحان النجار

الثابت في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل كدولة هو الحفاظ ليس فقط على امنها بل وتفوقها الاستراتيجي على كل جيرانها وهو ما يجب ان لا يغيب عن ذاكرة أعداءً وأصدقاء إسرائيل في نفس الوقت.

ماذا يعني ضمان تفوق إسرائيل؟ هذا يعني ان لا تتركها تخسر اي معركة مع خصومها حتى وان كانت معركة عادله ضد الاحتلال الاسرائيلي كما هو الحال في معركة الفلسطينيين. لا يجب ان يتوهم احد بان تاتي ادارة أمريكية إلى الحكم سواء كانت ديمقراطية ام جمهورية تتنازل عن هذا المبدأ اطلاقا ومن يعتقد ذلك فهو خارج اطار الفهم والإدراك الواقعي لطبيعة المصالح والسياسة الأمريكية تجاه اسرائيل ويعيش في دائرة من الوهم والأمنيات.
استطلاعات الرأي العام بداية هذا الاسبوع الذي اجرته مؤسسة جالوب اظهر ان هناك 55% من الأمريكيين يعارضون الحرب في غزه في حين يؤيدها 36% وهذه النسبة ترتفع عند الديمقراطيين المعارضين لهذه الحرب و التي وصلت إلى 75% تقريبا والمؤيدبن 18% وبينما يؤيد تصرفات إسرائيل في غزه 64%من الجمهوريين بينما كانت 71% في نوفمبر الماضي وهي نسبة تتناقص مع استمرار الحرب لكن اللافت هنا هو ان المعارضة او الاتفاق مع تصرفات إسرئيل في حربها ضد قطاع غزه موجهة حول هذا الحدث بعينه وليست معارضة لاسرائيل استراتيجيا كدولة خارجة عن القانون وعدوانية ترتكب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين الأمر الذي يجب ان يفهمه الجميع حتى وان كان هناك تعاطف آني مع سكان غزه وما يتعرضون له من إبادة جماعية وتجويع فإن اسرائيل تظل الحليف الاستراتيجي في الذاكرة الجمعية الأمريكية.
الرأي المعارض لسياسة اسرائيل كدولة في الولايات المتحدة بداء في التنامي حتى من قبل يهود امريكيين لكنه يظل بنسبة غير كافيه لاحداث تغيير جوهري في السياسة الامريكي الداعمه لها.
في ظل الاتجاه المتنامي ضد سياسة اسرائيل في غزه في الأوساط الشعبيه والرسمية في المجتمع الأمريكي وفي المؤسسات الدولية الحقوقية والإنسانية وفي العالم كان لابد للولايات المتحده ان تتخذ بعض الاجراءات من اجل الحفاظ على سمعتها ومكانتها الدولية كقوة عظمى تضع نفسها كراعي لحقوق الانسان والامن والسلام الدوليين يجب ان تحافظ على الجانب الاخلاقي في سياستها الخارجية فقد اتجهت إلى الضغط على اسرائيل من اجل اجرى تعديلات غير جوهرية في اهدافها من حرب غزه تتمثل في ادخال المساعدات الانسانية وكذلك عدم اجتياح رفح بدون خطة بديله وآمنه لنقل المدنيين من هناك وكذلك إقرار هدنه مؤقته قد تقود إلى هدنه اطول ولكن ليس وقف العدوان على الاقل في القريب المنظور وايضا تقديم بعض التنازلات في ملف الاسرى من اجل اطلاق المختطفين لدى حماس. ومن اوجه الضغوط الواضحة كان عدم استخدام حق النقض الفيتو ضد قرار مجلس الامن الدولي ٢٧٢٨ وإصدار عقوبات بحق بعض المستوطنين المتطرفين في الصفه الغربية والتهديد بحجب المساعدات والتحذيرات لإسرائيل بشان طلب تقارير حول استخدام الأسلحة الأمريكية وكذلك تحذيرها بان صورتها الدولية تتهشم وعزلها من قبل المجتمع الدولي ينمو وعليه لابد من اتخاذ بعض الاجراءات التي تحد من تهور نيتانياهو وحكومته اليمينية المتطرفه في حربه في غزه وفي موقفه من قيام الدوله الفلسطينية التي تكررت في وعود الإدارات الأمريكية المتعاقبة من اجل امتصاص غضب العرب والمسلمين عند كل حدث اقليمي وفي نفس الوقت تؤيد سياسة إسرائيل في الظلم والترحيل.
وهناك عوامل اخرى خلف تليين الموقف الأمريكي ومن ثم الاسرائيلي تجاه اجتثاث حماس واعادة السيطره على غزه وايجاد أداره بديله مرتبطه باسرائيل ومنها المقاومة الشرسه للفلسطينيين في القطاع التي تلحق خسائر فادحة بالجيش الاسرائيلي وفي الاقتصاد والعلاقات الدوليه وكذلك موقف محور المقاومة الداعم لغزه في جنوب البحر الاحمر وفي الشمال وغيره الذي اصبح عامل تهديد لكل حلفاء إسرائيل الدوليين وتسبب في الحاق الاذى الاقتصادي والسياسي والأمني وينذر بتطورات اكثر خطوره قد لا تستطيع اسرائيل ولا الولايات المتحدة وحلفائها التحكم في مآلاتها ونتائجها.
من الواضح ان الضغوط الخجوله الموجهة إلى إسرائيل من اجل تعديل مواقفها في دخول رفح وتجاه المساعدات الانسانية وتليين الموقف تجاه قضية الاسرى هي ضغوط موجهة ضد قيادة اسرائيل الحالية من اجل أنقاذها من ذاتها قبل ان تحل بها كارثة اكبر وتفشل في عمليتها العسكرية في غزة بإهدافها المستحيله، وهذه الضغوط الخجوله تمثل العصاء الأمريكية وتقابلها الجزرة المتمثله بتصدير اشد انواع الأسلحة فتكا من طائرات اف 35 والقنابل المدمره ذات الأوزان الكبيره وبقية انواع الذخائر التي نفذت من مستودعات الجيش الاسرائيلي في حربه ضد غزه.
الجيش الاسرائيلي من الواضح انه اصبح عاجز عن حسم المعركة في قطاع غزه نهائيا ومن الصعب عليه ان يخوض معركة في الشمال او في البحر الأحمر ولذلك لابد من إنقاذ سمعته بهذه الاجراءات وجعله يتطاول في ضربات اقليمية كما حصل الامس في حلب وقد تتكرر ضربات شبيهه مثلها في اماكن اخرى تعبير عن قوة الجيش الاسرائيلي واعادة ترميم صورته في الداخل والخارج والحقيقة انها رقصات الطير المذبوح الذي يضرب بأجنحته يسارا ويمينا قبل لفظ انفاسه الاخيره.
طبعا لا يُفهم هنا بان الجيش الاسرائيلي وصل إلى نقطة الضعف التي معها يستسلم وينهزم امام خصومه ومن يعتقد ذلك فهو غلطان لان الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لن يسمحوا بذلك حتى لو ادى الأمر إلى ان يتدخلوا هم بشكل مباشر بواسطة جيوشهم البرية والبحرية والجوية وليس فقط تزويده بالأسلحة الفتاكة والمتطورة التي تطمن تفوقه الاستراتيجي.
وتظل هناك حقيقه ثابته لا يمكن ان ينكرها لا حلفاء اسرائيل ولا خصومها وهي ان صورة الجيش الذي لا يقهر قد تهشمت ولن تعود إلى ما كانت عليه وان المقامة الفلسطينية قد حققت انجازات تجاه تحقيق هدفها في قيام دولة فلسطين المستقله بعد ان اخذت قضيتها بيدها وبدون الوصاية العربية الإسلامية الغير جاده المتناقضة والمتآمرة احيانا وبدون وهم الحل الدولي المُستجدى عبر الامم المتحدة ومجلس امنها وغيرها من الفعاليات الدولية. كل الشعوب المحتلة عبر التاريخ لن تاخذ حقها في الاستقلال إلا عبر المقاومة التي تنتزع الحل ولا تستجديه وللمقاومة أشكال مختلفه سلمية ومسلحة تفرضها ظروف الزمان والمكان ونوعية المحتل وسياساته.
وسوف تظل إسرائيل تحت عناية الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها استراتيجيا بغض النظر عمن يصل الى سدة الحكم في تل ابيب ولا تجب المراهنة على تغيير هذه الاستراتيجية مهما حصل من بعض التباينات في المواقف التكتيكية بينهم ولن تتغير إلا بتغيير توجهات السياسة والمصالح الدولية الراهنة وموازين القوى.
د.دحان النجار ميشجان ٢٩ مارس ٢٠٢٤م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى