حرب إسرائيل على ايران وموقف روسيا والصين منها!

ترامب وبوتين

 

✍️ أ د / دحان النجار

كانت بعض التوقعات تذهب إلى أن إسرائيل منهكة بعد حربها على غزة ولبنان وانها لن تقوم بهجوم وشيك على ايران حتى تستعيد بناء كامل قوتها، وكان اخرون يرون بان الحرب إذا انطلقت من لبنان سوف تشمل سوريا وتنتهي بايران بدون توقف.

بالنسبة للمخططين الاستراتيجيين في اي بلد يحافظ على مصالحة الاقتصادية والسياسية الإستراتيجية فهم يرون ضرورة التقاط اللحظة المناسبة محليا واقليميا ودوليا من اجل تحقيق الاهداف الاستراتيجية باقل الخسائر.
صحيح ان الجيش الاسرائيلي مرهق إلى حدا ما مع حربه ضد غزة ولبنان وخاصة قواته البشرية الراجلة لكنه لا يعتمد على أسلوب الحروب التقليدية في المواجهة وجها لوجه بل يستخدم وسائل التكنولوجيا المتطورة والمعلومات الإستخباراتية الدقيقة والذكاء الاصطناعي لتحقيق أهدافة الكبرى باقل الخسائر البشرية والمادية، والحروب الحالية في زمننا الراهن هي حروب التكنولوجيا الرقمية المتطورة والذكاء الاصطناعي وهذا ما تعتمد عليه الجيوش المتطورة الحديثة ومنها الجيش الامريكي والجيش الاسرائيلي وأكبر مثال على ذلك ما حصل في جنوب لبنان ضد حزب الله والحرب الروسية الاوكرانية والفارق كبير في هذا المجال بين الجيشين الامريكي والاسرائيلي من جهة والجيش الايراني من جهة اخرى.
ايران تراهن على حلفائها روسيا والصين وكوريا الشمالية،فروسيا الدولة الأقرب في التحالف والتي تلقت مساعدات إيرانية عسكرية متطورة في حربها مع أوكرانيا واهمها المسيرات متورطة في حرب أوكرانيا ولم تستطيع الخروج منها ولذلك موقفها محرج امام ايران لانها اخلاقيا لابد من رد الجميل أضف إلى ذلك ان البلدان وقعا مؤخرا اتفاقية دفاع مشترك لذلك بدأت بلعب دور الوسيط بين ايران من جهة وأمريكا واسرائيل من جهة اخرى علها تجد مخرج من الأزمة يحفظ ماء الوجه للجميع لانها تعرف بان وقوفها الداعم مع ايران سيثير غضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي بداء متعاطفا مع روسيا في حربها مع أوكرانيا.
يقال ان الرئيس ترامب رد على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في احدى مكالمات الوساطة الهاتفية” عليك ان تنهي الحرب في اوكرانيا قبل ان تتوسط لإنهاء الحرب مع ايران”.
وامام إصرار اسرائيل على انجاز مهمتها في ايران بدعم أمريكي كامل ما كان على روسيا إلا ان تنتقل من موقف الوساطة الى موقف المحذر لامريكاء من تدخلها المباشر في الحرب ضد ايران وتدمير البنية التحتية لبرنامج ايران النووي السلمي وهذا ما ورد على لسان الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخار وفا اليوم الاربعاء ١٨ مايو حرفيا “حذّرت ماريا زاخاروفا، اليوم الأربعاء، الولايات المتحدة من تقديم مساعدات عسكرية مباشرة لـ”إسرائيل” أو حتى “مجرّد التفكير في الأمر”.
وشددت على ان اي مساعدة عسكرية مباشرة محتملة من امريكا لإسرائيل قد تؤدي الى زعزعة استقرار الوضع في الشرق الأوسط بشكل جذري”.
تصريح كهذا يحمل عدة معاني فمن ناحية كلمة تحذير بحد ذاتها تعتبر تغيير مهم في موقف الوسيط الروسي الذي لم يلقى تجاوبا من قبل اسرائيل والولايات المتحدة في وقف الهجوم على ايران والدخول في محادثات مباشرة من اجل السلام، والتحذير واضح بان اي مشاركة أمريكية مباشرة ستقود إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط فعن اي استقرار تتكلم السيدة زاخاروفا ؟ الشرق الأوسط متفجر من قبل عامين تقريبا ان لم يكن من العام ٢٠٠٣ عند اسقاط النظام العراقي ولا زالت الحرايق فيه مشتعلة وتتسع حيث بدأ هذه المرة من غزة وعبر الحريق الى لبنان ومن بعدها سوريا واليمن والسودان ووصل الآن إلى ايران نفسها ، فهل تقصد دخول دول اخرى في الحرب لا زالت مستقرة مثل مصر وتركيا والسعودية؟
وان كان تلميح إلى دخول روسيا في دعم مباشر لإيران إذا قدمت الولايات دعما مباشرا لإسرائيل فأعتقد انها لم تقراء الاحداث جيدا حيث ان هناك دعما امريكياً مباشرا لوجستيا ومعلوماتيا وبالسلاح قائما منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على ايران والرئيس ترامب يقول ان على ايران إعلان الاستسلام الغير مشروط وهو الذي أعطاها مهلة ستين يوما لقبول مقترحاته المشددة لاتفاق نووي جديد ومنها التفكيك الشبه كامل لبرنامجها النووي او ملاقاة مصير مجهول ، وبالفعل حصل الهجوم الإسرائيلي في اليوم الواحد والستون واشار اليه الرئيس ترامب بهذا المعنى ان المهلة انتهت وهذا هو المصير الموعود ” حرب تدميرية حتى الخضوع التام” ، وهنا موقف الولايات المتحدة داعم ومتناغم مع اسرائيل بشكل مباشر واذا اقتضى الأمر اكمال المهمة مباشرة بواسطة الجيش الامريكي سيتم ذلك بالتاكيد. اليوم الاربعاء الرئيس ترامب في مؤتمر صحفي يقول انه اكد للرئيس الفرنسي اثناء اجتماع قمة ال٧ بانه يريد انتصاراً كاملا وهذا يعني بان الولايات المتحدة تشارك في هذه الحرب.
اعتقد بان هذا التصريح من قبل زاخاروفا سيلحقه تصريح آخر حول موقف روسي داعم مباشرة لايران” ان لم تحرز الدبلوماسية الخفية نجاحا ملموسا” اقله لوجستيا واستخباراتيا حيث تقول بعض المصادر ان التنسيق الاستخباراتي الايراني الروسي قائم فعليا وسيتطور إلى مستويات اعلى. وما تشدد الموقف الايراني إعلاميا وعسكريا في اليومين الأخيرين إلا نتاج تنسيق روسي و صيني من اجل ان لا تلحق بايران هزيمة ساحقة وتنفرط احدى حلقات التحالف الروسي الصيني الكوري الشمالي ويصبح محور الممانعة اضعف بعد ما اصابه من ضعف جراء سقوط نظام الاسد في سوريا.
اما الصين التي تتمتع بالهدؤ والهروب من النزاعات المسلحة حتى بشان استعادة اجزاء من أراضيها لا زالت خارج ادارتها، فهي لن تغامر في حرب مباشرة على ما اعتقد لكنها لن تترك النظام الايراني يسقط ، فقد صرحت رسميا مثلها مثل روسيا ان حرب إسرائيل على ايران غير قانونية وعدوانية وانها بدون مبرر لآن منشاءات ايران النووية تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وليس هناك ما يشير الى انتاج سلاح نووي.
لكن الصين اكيد سوف تقدم دعما لوجستيا واستخباراتيا لايران دون تدخل مباشر يثير غضب الولايات المتحدة الامريكية والتورط في حرب مباشرة تستنزف طاقاتها وتضع عراقيل امام نموها الاقتصادي السريع ، حيث أفادت صحيفة “التلغراف” البريطانية نقلا عن “نوفوستي” بأن الصين ترسل طائرات نقل تختفي عن الرادار عندما تقترب من إيران.
وذكرت الصحيفة ان البيانات أظهرت ان كل طائرة حلقت غربا على طول شمال الصين وعبرت كازاخستان ثم جنوبا الى أوزبكستان وتركمانستان تختفي من على شاشات الرادار عندما تقترب من ايران .
واشارة الصحيفة الى ان الوجهة النهائية كان يعتقد بانها لوكسمبورغ في اوروبا لكنها لم تصل اوروبا اطلاقا.
ويعتقد بان هذه كانت شحنات عسكرية لمساعدة ايران وهذا امر محتمل إلى حد بعيد حيث ان الصين لن تقف مكتوفة الأيدي تماما امام الهجوم الإسرائيلي على الدولة الحليفة- ايران والتي تربطها بها اتفاقية امنية لمدة خمسين عاما.
سقوط النظام الإيراني سوف يشكل خسارة استراتيجية كبيره للصين حيث انها اقتصاديا تخسر وصولها إلى مصادر الطاقة في الشرق الأوسط وتصبح مستقبلا تحت رحمة المنتصر الذي لن يكون صديقا وتخسر سوقا كبيرا لتصريف منتجاتها وتخسرايضا التواصل البري مع بلدان تقع إلى الغرب من ايران كان طريق الحرير يربطها بهم عبر ها.
اما روسيا التي ترزح تحت الاف العقوبات الغربية ان سقط النظام الإيراني فسوف تخسر اقتصاديا لانه سيتم اغلاق منفذ كانت تحتال عبره على العقوبات بالإضافة الى تجارتها مع ايران المزدهرة.
الموقف الدفاعي والهجومي الإيراني في اليومين الأخيرين ظهر متماسكا ومؤثرا وتمكنت ايران من القضاء على العديد من خلايا الموساد التجسسية ونبرة التحدي لديها مرتفعة لكنها تعرف بان الوضع معقد جدا والخروج منه ليس سهلا إلا بتقديم تنازلات للطرف الاخر الذي رفع سقفه جدا اقصاها اسقاط النظام وأقلها الاستسلام الغير مشروط.
اكيد بان هناك محادثات خلف الكواليس بين الدول الكبرى والمؤثرة من اجل تجنب حرب عالمية ثالثة يخسر فيها الجميع لان تدخل روسيا والصين في اي مستوى ومن ثم دول نووية اخرى مثل باكستان دفاعا عن ايران امام تعنت اسرائيل والولايات المتحدة قد تكون تلك الحرب قائمة لا محالة ،وقد بدأنا اليوم نلمس مؤشراتها حيث صرحت كل من المانيا وفرنسا وبريطانيا بان محادثات ستعقد في جنيف الجمعة القادمة بينها وبين ايران من اجل الملف النووي وهذا تراجع ملحوظ عما كان يشترطه الرئيس ترامب بان على ايران قبول مقترحه لاتفاق نووي دون تعديل او مواجهة الحرب وقد تكون خطوة تمويهية تجعل إيران وحلفاءها في حالة تراخي وانتظار غير مستعدين لمواجهة الهجوم الشامل والحرب خدعة. وهذه الدول لن تتحرك بمعزل عن موافقة الولايات المتحدة التي طرحت شروط تعجيزية لاي محادثات مع ايران لكنها الان تشعر بخطر الوضع وتحتاج هي وحلفاء إيران الى وسيط ينقذ الموقف ويكون سببا في تخفيف حدته وسقف الاشتراطات من الجانبين.
ومن اجل الخروج من هذا المأزق هناك خيارين لا ثالث لهما اما المواجهة المسلحة الشاملة التي قد تضر بجميع الأطراف وبقية دول العالم وإما تقديم تنازلات متبادلة تتمثل في الحد من برنامج ايران النووي عبر خيارات تخفف من مخاوف اسرائيل ومن يقف معها وليس القضاء عليه تماما مقابل وقف الحرب عليها وهذا هو الخيار المرجح من وجهة نظري .
ومع ذلك يظل الخيار الاول ليس مستبعدا وخاصة إذا لم تقدم روسيا والصين على تحديد موقف حازم إلى جانب ايران في الاستعدادات والمحادثات وراء الكواليس والاحداث تسير بسرعة جنونية يصعب على المراقبين توقع مآلاتها بالضبط حيث انني لا استبعد حصول تغييرات دراماتيكية قبل ان يجف حبر هذا المقال ونرجو من الله السلامة للجميع .
د.دحان النجار ميشجان ١٨ يونيو ٢٠٢٥.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى