بين البروتوكول والحسابات: قراءة ميكافيلية للقاء محمد بن سلمان –ترامب

بقلم: أحمد فتحي
ميكافيلية
واشنطن العاصمة – نيويورك: في الليلة التي تسبق وصول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، تبدو واشنطن في حالة يقظة غير معتادة. فالجميع هنا يدرك أن زيارة الغد تتجاوز الجانب البروتوكولي. إنها مواجهة محسوبة بين زعيمين يعرف كل منهما وزن التوقيت، وحدود النفوذ، وإملاءات الضرورة السياسية. المشهد دبلوماسي في ظاهره، لكنه في عمقه يحمل ملامح تفاوض ميكافيلية واضحة.
يقول مسؤولو البيت الأبيض إن برنامج 18 نوفمبر سيشمل مراسم استقبال، واجتماعاً خاصاً في المكتب البيضاوي، وتوقيع عدد من الاتفاقيات في مجالات الدفاع والتكنولوجيا والاستثمار (رويترز). وتمثل هذه الزيارة أهم حضور لولي العهد في واشنطن منذ عام 2018، عندما أدى مقتل الصحفي جمال خاشقجي إلى تجميد العلاقات وشكل صدمة عالمية (رويترز). ورغم أن الطرفين لا يرغبان في إحياء تلك اللحظة، إلا أن ظلالها ما زالت حاضرة. م
الدفاع والضمانات الاستراتيجية
يدخل السعوديون المفاوضات بهدف واضح: الحصول على ضمانات أمنية أمريكية أقوى، والوصول إلى أنظمة تسليح أكثر تطوراً. ويرى محللون أن الطرفين يعتبران الزيارة فرصة نادرة لإعادة رسم العلاقة الدفاعية التي شهدت تقلبات في السنوات الأخيرة (military.com). ومع ذلك، ليست المناقشات سهلة؛ فواشنطن ما تزال حذرة من تسلل التكنولوجيا الصينية إلى منظومات الخليج، ومن أي خطوة قد تمس التفوق العسكري الإسرائيلي.
الاستثمار والتكنولوجيا ورؤية 2030
وإذا كان الدفاع هو العمود الفقري للزيارة، فإن الاقتصاد هو وجهها العلني. تستعد الرياض لطرح حزمة من المبادرات ضمن رؤية 2030—تشمل شراكات في الذكاء الاصطناعي، واستثمارات في مراكز البيانات، وتعاوناً تكنولوجياً واسعاً (Global Affairs). ويأتي انعقاد قمة استثمار مشتركة بالتزامن مع الزيارة لتأكيد أن الهدف هو إبرام صفقات حقيقية، لا مجرد إعلانات.
إسرائيل، فلسطين، والدبلوماسية الإقليمية
من المتوقع أن يدفع الرئيس ترامب بقوة نحو مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل. إلا أن الموقف السعودي يبقى ثابتاً: أي اختراق يتطلب تقدماً ملموساً نحو قيام دولة فلسطينية (military.com). وبعد تداعيات حرب غزة، يصل ولي العهد إلى واشنطن وهو يحمل إحدى أهم أوراق التأثير في دبلوماسية الشرق الأوسط.
حقوق الإنسان والظل السردي
دعت منظمات حقوقية البيت الأبيض إلى إثارة ملف الاعتقالات وأحكام الإعدام والقيود على حرية التعبير داخل المملكة (HRW). ورغم أن هذه القضايا قد لا تتصدر اجتماعات الغد، إلا أنها تبقى جزءاً من المناخ السياسي الذي يحيط بالزيارة—وتذكيراً بتعقيدات العلاقة القائمة على المصالح الاستراتيجية.
تيار ميكافيلي تحت السطح
ما يميز هذه الزيارة هو الحضور الخفي لفلسفة ميكافيلي في تفاصيلها. فكلا الزعيمين يدركان أهمية الصورة، وحسابات القوة، وقيمة التعامل البراغماتي حتى مع الشركاء الذين يثيرون الجدل. وكما كتب ميكافيلي، فإن الاستقرار يحتاج أحياناً إلى قرارات صعبة—وزيارة الغد تعكس ذلك بوضوح.
بالنسبة لواشنطن، الأولوية هي استعادة نفوذها في شرق أوسط تتنافس فيه قوى إقليمية ودولية. أما الرياض، فتركّز على تعزيز الشرعية، وتأمين الحماية، وترسيخ موقعها في قلب مستقبل المنطقة السياسي والتكنولوجي. وكل طرف يعرف تماماً ما يريده الآخر، ويعرف أيضاً ما يمكن أن يحصل عليه في المقابل.
وبهذا المعنى، فإن الزيارة ليست مسرحاً دبلوماسياً وحسب، بل تذكير بأن فن الحكم الحديث يعيش دائماً بين ما يُعلن وما يُخفى. كان ميكافيلي ليتعرّف بسهولة على هذا المشهد: زعيمان يتحركان بحذر، تقودهما المصالح، ويحسبان المخاطر، ويصوغان نتائج ستتجاوز مراسم الاستقبال.
ستخرج الغد الصور والتصريحات الرسمية، كما هو متوقع. لكن الأثر الحقيقي للقاء—وفق المنطق الميكافيلي—سيظهر في كيفية تطور العلاقة بين البلدين خلال الأشهر والسنوات المقبلة.



