الحرب الروسية الاوكرانية- هل تذعن القيادة الاوكرانية للأمر الواقع؟

✍️ أ د / دحان النجار
بدأ الرئيس الاوكراني فلاديمير زلينسكي في سبتمبر الماضي الترويج لخطته التي سماها ” خطة النصر” وعرضها على برلمان بلاده ومن ثم حاول ان يقنع بها الادارة الأمريكية وحلف الناتو وهي الخطة التي يأمل من وراءها في حالة قبول الحلفاء بها إلى اجبار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للموافقة على الحل الدبلوماسي للنزاع بين روسيا واوكرانيا. هذه الخطة المكونة من خمس نقاط تشمل التكامل بشكل أفضل مع حلف الناتو والدعوة لبلاده من اجل الانظمام اليه الآن مشيرا إلى أن موسكو تقوّض أمن أوروبا منذ عقود، نظرا إلى أن كييف ليست طرفا في الحلف العسكري.
ودعا الرئيس الأوكراني حلفاء بلاده الغربيين الى رفع القيود على استخدام بلاده الأسلحة بعيدة المدى التي بامكانها استهداف المواقع العسكرية الروسية في عمق روسيا وداخل الأراضي الاوكرانية التي وقعت تحت سيطرة موسكو، وطالب مده بالمزيد منها .وتشمل الخطة إلزام موسكو بالعودة إلى الحدود الدولية بين البلدين والمعترف بها دوليا ، ويقال بأن لا الادارة الأمريكية ولا الناتو أعطيا وعدا جازما بتزويد أوكرانيا باسلحة بعيدة المدى و بضمها إلى الحلف حاليا الأمر الذي اقلق الرئيس فلاديمير زلينسكي وجعله يفكر بمخارج اخرى استباقا للمتغيرات التي قد تحدث في البيت الأبيض بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.
ومن الملاحظ ان القيادة الأوكرانية بدأت تيأس من مواصلة حرب تحرير الأراضي التي بسطت روسيا يدها عليها وضمتها للاتحاد الروسي بعد ان تحولت الحرب بين الطرفين إلى حرب استنزاف لا نهاية لها تلوح في الأفق قريبا، في الوقت الذي بدأت امكانياتها العسكرية من ذخائر وأسلحة تتلاشا وعدم كفاية العنصر البشري في الجيش في الوقت الذي فيه روسيا تشدد من هجماتها وتقدمها حيث سيطرت مؤخرا على بعض البلدات في اقليم دونيتسك وخاركيف وتشدد الخناق على القوات الاوكرانية في اقليم كورسك الروسي.
بالرغم من الدعم الغربي لأوكرانيا إلا ان المواجهة مع امبراطورية عنيدة تعودت امتصاص الهزائم والوثب من جديد وهي الإمبراطورية الروسية فان هذا الدعم لن يقود إلى انتصار حاسم بل يعرض ما تبقى من البلاد الى مزيد من الضياع والاقتطاع وسفك الدماء وتبديد مقدراتها.
التطرف القومي في أوكرانيا وعدم مراعات المحيط الامني للجارة الكبرى روسيا قاد إلى ضياع اجزاء من البلاد وسوف يستمر الأمر كذلك والمراهنة على العامل الخارجي ليست ناجعة دائما بل الحسابات الدقيقة والعقلانية لمصالح كل الأطراف هي التي تقود الى الاستقرار والتنمية ولو بالحد الادنى . نظريا لكل بلد ولكل شعب ان يختار شكل نظامه السياسي وحلفائه محض ارادته دون وصاية او فرض ارادة عليه من الخارج لكن عمليا لابد من مراعاة مصالح المحيط وتوازناته.
القيادة القومية الاوكرانية والتي كان يجدر بها ان تتعامل مع الجار الروسي بنوع من العقلانية وهي التي تعرفه حق المعرفة بعنادة وبطموحه ونظرته إلى جيرانه ناهيك عن نظرته لمن كان يعتبرهم جزء من مكونه التاريخي والثقافي والاجتماعي وان لا تنزلق إلى موقف التحدي والتنكر للتاريخ والجغرافيا.
اليوم القيادة الاوكرانية بدات تشعر بقرب خسارتها المعركة على الارض بعد ان تم استنزافها ماديا وبشريا ورفض الغرب وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية تزويدها بصواريخ توماهوك من اجل ضرب العمق الروسي وقرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي يحتمل ان يفوز بها الرئيس السابق دونالد ترامب الذي تربطه علاقات إيجابية بالرئيس الروسي بوتين كما يُشاع وغير مهتم بهذه الحرب يُقال بانها بدأت تفكر باتخاذ خطوات وقائية من اجل وقف اطلاق النار بين الطرفين بما فيها التنازل المؤقت عن الأراضي التي احتلتها روسيا والحصول على ضمانات امنية من حلف الناتو وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك ضمان انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الاوروبي.
روسيا هي الأخرى ليست باحسن حال من أوكرانيا من حيث العنصر البشري في الجيش والاستنزاف الاقتصادي والعسكري إلا انها اكثر قدرة على الصمود اقتصاديا وعسكريا حتى لو كانت النجاحات على الأرض بطيئة جدا إلا انها تحقق بعض منها وكان اخرها الاستيلاء على مدينة سيليدوفا ومحاصرة بعض البلدات في اقليم دونيتسك التي يتوقع سقوطها بيد قواتها قريبا.
من غير المتوقع ان يتراجع الناتو عن دعم أوكرانيا عسكريا واقتصاديا ولكن قد تحصل تفاهمات اشبه بتفاهمات مينسك عام ٢٠١٤م والتي أبقت الحال كما هو عليه في اقليمي لوغانسك ودونيتسك كل طرف تمسك بالأراضي التي تحت يده حتى اشعار آخر مع ان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد استبق الاحداث وصرح بان لا مكان لمينسك اخرى.
كما تمت الاشارة في مواضيع اخرى هذه الحرب ليست حرب روسيا واوكرانيا منفردتين بل هي حرب بين حلفين دوليين حلف الناتو القائم منذ الحرب العالمية الثانية وحلف جديد طور التشكل بين روسيا والصين وكوريا الشمالية وايران والحلول لن تكون بعيدة عن ارادة هذين الحلفين وعليه فان استمرار الحرب إلى اجل غير مسمى حاليا هو تحصيل حاصل ومع استمرارها يستمر نزيف البلدين روسيا واوكرانيا.
د.دحان النجار ولاية كنتاكي ٣١ نوفمبر ٢٠٢٤م