الحرب الروسية الاوكرانية – زيلينسكي يقبل الهدنةعلى مضض؛

زيلينسكي حل بالسعودية والتقى ولي عهدها قبل المباحثات مع المسؤولين الأميركيين
أ د / دخان النجار
كانت أحد النقاط الرئيسية الخلافية مع البيت الأبيض اثناء زيارته الأخيرة الرئيس الاوكراني زيلينسكي هي هدنة كاملة لإطلاق النار التي تعمل من اجلها الادارة الأمريكية الجديدة حيث كان يطالب بضمانات امنية قبل القبول باي هدنة .
من الواضح ان معنويات القوات الأوكرانية بدأت بالهبوط بعد تراجع الدعم الأمريكي وبعد ان خسرت كثير من المواقع في اقليم كورسك الروسي وربما تخسره كاملا في الايام القريبة ولذلك سعى زيلينسكي مؤخرا للقبول بالهدنة متى ما ارادت روسيا او وافقت عليها.
الضغوط المتعددة على زيلينيكي من قبل الادارة الامريكية ومن قبل القوات الروسية المهاجمة جعلته في موقف صعب ، حيث يُقال على سبيل المثال بان قوة من وحدات خاصة روسية قوامها ٦٠٠ جندي عبرت انفاق الأنابيب إلى خلف دفاعات الاوكران في مدينة سودجا في اقليم كورسك وفاجئتهم من الخلف وأجبرتهم على الانسحاب من مناطق شاسعة ووقع العديد منهم أسرى. الأمريكان كانوا قد اوقفوا امداد القوات الاوكرانية بالمعلومات الاستخباراتية المهمة تعبيرا عن غضبهم من عدم قبول زيلنسكي للهدنة الشاملة حيث كان فقط يوافق على هدنة في الجو والبحر وهو الأمر الذي رفضه الجانب الأمريكي قبل ان يتراجع زيلينسكي عن فكرته هذه.
بعد ١٢ يوم منذ لقاء البيت الأبيض العاصف بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي ،الأخير غيّر موقفه بشكل مفاجىء واصبح مستعد لوقف إطلاق نار كامل وتخلى عن فكرته التي كانت تقول بان الهدنة تعني “الاستسلام” وأنها “فرصة لروسيا لاستعادة قوتها”، إلخ. وأكثر ما ستكون كييف مستعدة له هو “هدنة بحرية جوية”.
من الواضح أن مستشار الامن القومي الأمريكي ميخائيل والتز ووزير الخارجية ماركو روبيو كانت لديهما حجج قوية لطرحها على يرماك مدير مكتب زيلينسكي أثناء مفاوضاتهما في جدة. من الواضح أن الأمريكيين قالوا إن “الهدنة الجوية البحرية” لن تكون كافية لاستئناف المساعدات الأمريكية.
ومع ذلك، قد يوافق زيلينسكي على الهدنة على أمل أن يرفض بوتين قبولها. وفي هذه الحالة، ستستمر أوكرانيا في القتال، لكن بمساعدة أمريكية. علاوة على ذلك، هناك احتمال أنه إذا رفض بوتين، فإن ترامب سيحاول زيادة الضغط بالعقوبات على الاتحاد الروسي.
اضف إلى ذلك أن روسيا قالت عدة مرات انها لن تقابل المفاوضات مع رئيس أوكراني غير شرعي كما تصفه “زيلينسكي” ويجب إجراء انتخابات وانبثاق شرعية دستورية تتحاور معها.
ويمكن ايجاز آخر التطورات الأخيرة بالاتي ؛
أوكرانيا تعلن عن استعدادها لقبول الاقتراح الأمريكي لوقف إطلاق النار المؤقت لمدة 30 يوماً والذي يمكن تمديده باتفاق متبادل بين الأطراف.
أوكرانيا قبلت فقط لأنها خسرت سياسيا وعسكريا حيث بدأت قواتها في التراجع من اقليم كورسك والآن السؤال هو: هل سيقبل الجانب المنتصر بوتين أم لا؟
الولايات المتحدة ستقوم فوراً برفع التوقف عن مشاركة المعلومات الاستخباراتية واستئناف المساعدات الأمنية لأوكرانيا اذ قبلت بالهدنة؛
اتضح أن الولايات المتحدة فرضت وقف إطلاق النار باستخدام مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الجانب الاوكراني .
أوكرانيا قبلت الدخول في هدنة، والخطوة الاهم الآن هي عرض هذا على الروس ، والولايات المتحدة تقول ان قبولهم سيمثل لفتة حسن نية.
ليس من المصادفة أن توافق أوكرانيا على وقف إطلاق النار فوراً بعد بدء الجيش الأوكراني في التراجع في منطقة كورسك؛
زيلينسكي يقول انه يجب على الولايات المتحدة إقناع روسيا بالقيام بتلك الهدنة لمدة 30 يوماً. وإذا وافق الروس، فستبدأ الهدنة في نفس اللحظة التي يوافقون بها.
الرئيس ترامب يقول “أوكرانيا وافقت للتو على وقف إطلاق النار “منذ فترة قصيرة. الآن علينا التوجه إلى روسيا ونأمل أن يوافق الرئيس بوتين على ذلك أيضاً ويمكننا البدء في تنفيذ ذلك… نريد إنهاء هذه الحرب.”
طبعا هناك الكثير من التفاصيل حول ما يدور في العلن وفي الكواليس حول الهدنة المقترحة وانهاء الحرب لا يتسع المقام هنا لشرحها والخلاصة ان الطرفان اقرب من اي وقت مضى للموافقة على الهدنة ولولا الضغط الامريكي على أوكرانيا لما حصل هذا التقارب.
اكيد ان الولايات المتحدة تريد وقف هذه الحرب دون تغيير في الحدود الجديدة القائمة بين أوكرانيا وروسيا وهو ما لم تكن اوكرانيا وبدعم من الادارة الأمريكية السابقة واوروبا تقبل به في الماضي لكن تغيير الموقف الأمريكي في ظل الادارة الجديدة جعلها تقبل على مضض.
سنشهد في الايام القادمة المزيد من التقارب بين الأطراف وتثبيت هدنة كاملة تكون الولايات المتحدة قد أعطت الجانب الاوكراني بعض التطمينات الامنية والسياسية بما يحفظ للرئيس زيلينسكي بعض من ماء الوجه لقاء تجاوبه مع المطالب المقدمة اليه بما في ذلك ما يخص التعويضات واستغلال المعادن النادرة.
اكيد ان هناك تفاهمات أمريكية روسية في الملف الاوكراني وغيره من الملفات الاقليمية والدولية الاخرى مثل الملف السوري والملف الإيراني وملف جرينلاند وغيرها من الملفات الامر الذي يجعل تاثير هذه الملفات على بعضها مرتبط بارادة الدولتين-الُولايات المتحدة وروسيا إلى حد بعيد ودائما المصالح هي المحرك الرئيسي لاي عملية عسكرية و سياسية.
اتوقع ان تقبل روسيا بالهدنة حتى وان ماطلت بعض الوقت حتى تستطيع الاستيلاء على كامل اقليم دونيتسك واستعادة المناطق المحتلة من قبل الاوكران في اقليم كورسك كاملة وقد تشترط تخفيف العقوبات الغربية عليها.
الوضع النهائي للهدنة الكاملة ليس مرهون ١٠٠٪ بموقف الولايات المتحدة وروسيا بل هناك أوروبا التي قدمت الكثير لأوكرانيا ولا زالت بغية وقف التمدد الروسي غربا والذي بدأ من أوكرانيا ويحتمل ان يتكرر في بلدان اخرى، واوروبا تحاول التأثير على الحليف الأمريكي في اي مستوى من اجل ان يكون لموقفها نسبة من القبول وألا تخرج خاسرة من الملف الاوكراني الذي قد يقود إلى انقسامها حوله واضعاف وحدتها الداخلية.
وفي كل الحالات بالرغم من ان الهدنة اصبحت في حكم المؤكد إلا ان ذلك ليس نصرا مؤزرا لروسيا التي تئن تحت وطأة العقوبات الشاملة وخسارتها لسوق الخامات والطاقة المهمة في أوروبا والتي لن تُستعاد إلا بتحقيق بعض المكاسب الأوروبية في النزاع الروسي الاوكراني.
د. دحان النجار شفيلد المملكة المتحدة ١٣ مارس ٢٠٢٥.