الحرب الروسية الاوكرانية- العملية العنكبوتية غيرة المعادلة في الحرب وما بعدها ليس كما قبلها:

✍️ أ د / دحان النجار
العملية العنكبوتية الاوكرانية داخل روسيا غيرة الكثير من قواعد اللعبة في الحرب الروسية الاوكرانية وعلى مستوى التوازن الاستراتيجي الدفاعي بين روسيا وحلف الناتو، حيث انها كشفت مدى قدرات أوكرانيا بمساعدة الحلف في الوصول إلى العمق الروسي وضرب اهداف دفاعية وهجومية استراتيجية متمثلة باضعاف ثالوث الردع النووي عسكريا وعملياتيا من خلال اخرج جزء منه من الخدمة مثل الطائرات الاستراتيجية الهجومية التي تحمل رؤوس نووية كانت روسيا تتفوق بها على خصومها لكن الاهم من ذلك كله هو ضرب معنويات الجيش والشعب الروسي وزرع بذور الشك بقدرة الرئيس بوتين في تحقيق النصر في الحرب مع أوكرانيا وفي حماية البلاد من الاختراق الداخلي وهو الأمر الذي يشجع مناوئيه داخليا في اوساط الجيش والشعب والذين قد يقدمون على الإطاحة به .
الضغط الخارجي على روسيا من دول الناتو باستثنا الولايات المتحدة على الاقل في الوقت الراهن يضع روسيا امام خيارات صعبة إما مواجهة الجميع وهذا لا يمكن ان يتم إلا باستعمال قوة الردع النووي وهي عملية انتحارية يقف ضدها حلفاء روسيا قبل خصومها وإما ان تستمر في حرب استنزاف تقليدية في وجه حلف قوي ومصمم على الحاق الهزيمة بها وضم أوكرانيا اليه وهي الحرب التي قد يخسرها بوتين في الأخير.
في اجتماع ٥٠ من وزراء دفاع اعضاء الناتو واصدقائم اليوم الخميس في بروكسل باستثناء وزير الدفاع الأمريكي الذي لم يحضر وبرر ذلك في عدم الموعد مع مهامه الاخرى والدي عُقد من اجل ” خطة تعزيز دعم أوكرانيا” وافق الناتو على اكبر خطة لتطوير قدراته العسكرية منذ الحرب الباردة لمواجهة ” التهديد الروسي” يتمثل في تعزيز الأسلحة بعيدة المدى والقوات البرية ورفع ميزانية الأعضاء إلى ٥٪ من الناتج الإجمالي القومي لكل دولة ورفع القدرات الدفاعية للحلف ٣٠٪ حيث كان مجموع انفاق دول الناتو قبل الحرب الاوكرانية الروسية يصل إلى ثلاثمئة وخمسين مليار دولار(٣٥٠مليار $) وارتفع ليصبح الان ستمائة مليار دولار (٦٠٠مليار$)وهذا من اجل تعزيز قوة الردع النووية والتقليدية ووسائل الحروب الذكية والليزرية ،
وفي الاجتماع اكد الامين العام للحلف “مارك روته” ان أوكرانيا تعتبر فعليا في الناتو ولا رجعة عن ذلك من اجل تحقيق السلام الدائم والعادل وان عضويتها فيه هي الضمانة الحقيقية والوحيدة لتحقيق ذلك السلام ، وكانت بريطانيا قد أعلنت عن تخصيص ٢٠ مليار دولار لتعزيز ترسانتها النوبية وعن تقديم ١٠٠ الف مسيرة و١٤٠ طلقة ذخيرة مدفعية وربع مليون دولار من اجل تدريب القوات الاوكرانية داخل الأراضي الاوكرانية إلى أوكرانيا خلال العام المالي الحالي الذي ينتهي في مارس ٢٠٢٦ واعلنت هولندا عن تقديم ٤٠٠ مليون دولار و١٠٠ قطعة بحرية متعددة الأغراض والاستخدام كدعم لاوكرانيا ، وألمانيا اعلنت عن تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة خمسة مليار دولار واكدت ان السلام لا يمكن ان يكون على حساب سيادة أوكرانيا بل وطالبت اعضاء الناتو بتصنيف روسيا ” التهديد الأكبر”.
هناك العديد من دول الناتو الفاعلة مثل فرنسا وإيطاليا والسويد وغيرها لم تفصح عن مساعداتها القادمة لأوكرانيا وربما انها تنتظر انعقاد القمة في لاهاي هولندى من ٢٤ إلى ٢٥ يونيو الحالي لتقول كلمتها في حينه مع العلم ان كثير من الخطط العسكرية تظل سرية ولا يُعلن عنها.
نبرة اعضاء حلف الناتو تجاه روسيا بدت اكثر تشدد وهي لن تكون كذلك إلا مستندة للحقائق على الارض بعد ان تكدوا ان روسيا ليست بتلك القوة والمتانة داخليا وعلى جبهات القتال التقليدية وان الضغط السياسي والاقتصادي والعسكري عليها سياتي بنتائجه وتحقيق نصر استراتيجي ضدها في ” الحرب الباردة الجديدة” مشابها لذلك النصر الذي تحقق ضد الاتحاد السوفيتي في نهاية القرن الماضي عبر ” الحرب الباردة القديمة”.
أوكرانيا بدت اكثر ثقة بنفسها وبحلفائها وارتفعت نبرتها تجاه روسيا بعد تحقيق “النصر العنكبوتي ” المهين للجيش والاستخبارات الروسية ولا يُستبعد ان هناك عمليات مشابهه او اكثر تطورا يتم الاعداد لها وهو الامر الذي إن حدث اتوقع ان لا ينجو نظام الرئيس بوتن من السقوط.
أوكرانيا الان في موقف تفاوضي اقوى من الناحية الاستراتيجية حتى وان خسرت بعض بلداتها في الايام الاخيرة في مقاطعات سومي وخاركيف وتشيرنيهوف امام الهجوم الانتقامي الروسي وتكبدها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد ومنها كما أُشيع يوم امس محاصرة الروس لقوة عسكرية من الجيش الاوكراني يترواح قوامها بين خمسة وعشرة الاف جندي مصيرهم الموت او الاستسلام.
روسيا امام خيارات صعبة ومكلفة فلا هي قابلة لتحمل هذا الاختراق الكارثي ولا يمكن لها ان تلجاء إلى الردع النووي الانتحاري حيث ان الناتو قرر مواجهتها واستنزافها اقتصاديا وعسكريا وسياسيا كما اشرنا سابقا لكن لا اعتقد انه سيعطيها المبرر لاستخدام قوة الردع النووي التي ان حصلت وفجرة حرب عالمية ثالثة قد تبيد العالم باكمله .
الرئيس بوتن في اتصاله يوم امس مع الرئيس ترامب اكد ان الجيش الروسي سوف يرد على الهجمة العنكبوتية لكن مجرد اتصاله هذا يعني انها ستكون ضربه محدودة لا تستفز الًولايات المتحدة الأمريكية ومغزاها رد الاعتبار فقط وليس تفجير حرب شاملة.
اكيد ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيعود إلى الداخل لتامين وتحصين الجبهة الداخلية وسوف يتشاور مع حلفائه الاقرب الصين وكوريا الشمالية وايران حول عملية الرد وحول تهديدات الناتو ولا يُستبعد ان يزوّدوه باسلحة ذكية وتقليدية من اجل الاستمرار في المعركة وربما تصل الى ارسال وحدات من الجيوش لمساندة الجيش الروسي في جبهات القتال الذي يتحمل اعباء حرب طويلة الامد يُقال بانه ضحى باكثر من ٤٠٠ الف من أفراده في هذه الحرب وذلك من اجل ان لا يقدم على استخدام قوة الردع النووي التي قد تطيح بالجميع وهم لا يرغبون بذلك.
إذا استمر هذا الوضع المتفجر بالتطور وشعر حلفاء روسيا بقرب هزيمتها سوف يتأكدون بان الدور قادم عليهم وليس أماهم من خيار آخر غير خيار المواجهة مع حلف الناتو وأذرعه وحلفائه وهي المواجهة الكارثية التي لا بتقي ولاتذر ويحاول الجميع تجنبها.
منذ بداية الحرب الروسية الاوكرانية ونحن نؤكد بانها حرب استنزاف وقد تكون الشرارة الاولى لحرب عالمية ثالثة لكن الإنتحار الجماعي لا يرغب به احدا وان تحقيق النصر لاي طرف بدون حصول الكارثة النووية التدميرية يتمثل في تفكيك وهزيمة احدهما من الداخل والمرشح الاول لهذا الامر هو الجانب الروسي لكن الحروب فيها المفاجآت والحرب خدعة من يدري قد تكون روسيا قادرة على اختراق الطرف الاخر وترجيح الكفة لصالحها بمساعدة حلفائها وهذا احتمال ضعيف من وجهة نظري الشخصية.
العالم بطرفيه يستشعر خطورة الوضع وربما تحدث هناك مبادرات دبلوماسية تنهي هذه الحرب الكارثية باتفاق سياسي مرض للطرفين بحسب توازن القوى لكن ان لم يحقق الرئيس بوتين اهدافه من الحرب واهمها منع انضمام أوكرانيا الى الناتو فقد يكون وضعه الداخلي على المحك .
الوضع العالمي خطير جدا بسبب الحرب الروسية الاوكرانية التي أعادة العالم الىً حقبة المنتصف الثاني من القرن الماضي ايام” الحرب الباردة الاولى” وغيرت العالم وما بعدها ليس كما قبلها هذا ان تجاوز العالم خطر الانفجار النووي الشامل .
د.دحان النجار ميشجان ٥ يونيو ٢٠٢٥