الحرب الروسية الاوكرانية-البعد الاستراتيجي الأمريكي والنرجسية الترامبية:

أ د / دحان النجار
قبيل وبعيد جلوسه على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض كان الرئيس الاميركي دونالد ترامب شديد التفاؤل بوقف الحرب الروسية الاوكرانية خلال ساعات او ايام ضاربا عرض الحائط البعد الاستراتيجي لها الذي تبنته الدولة العميقة وتبناه الحلفاء الأوروبيون الأعضاء في حلف الناتو ومن خارجه.
وبالفعل حاول الضغط على القيادة الاوكرانية ومراضاة القيادة الروسية إلا ان الاولى مدعومة بأوروبا حاولت التملص من الضغط قدر الامكان وخلق ظروف جديدة متوازنة لصالحها والثانية لم تكن على عجلة من امرها في الموافقة المطلقة لانها تريد اكمال سيطرتها على اقليم الدونباس وكذلك تعي بان أوكرانيا ومن خلفها اوروبا لن تقبل اتوماتيكياً بمقترحات الرئيس ترامب النرجسية المتسرعة.
اوروبا غير مستعدة لاهداء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نصرا مؤزرا في أوكرانيا الامر الذي يقود إلى تغوله في القارة “العجوز” كما يسميها البعض وتريد استكمال تحقيق الهدف من هذه الحرب وهو اضعاف روسيا لكنها لن تستطيع اكمال هذه المهمة إذا انسحبت الولايات المتحدة من المشاركة منها، والولايات المتحدة استراتيجيا لا تستطيع التخلي عن أوروبا التي يجمعها بها مصير مشترك
ومصالح استراتيجية دولية مشتركة مهما حاولت جر روسيا الى خارج القطب المنافس الذي يتشكل دوليا بقيادة الصين.
لا الولايات المتحدة الأمريكية متاكدة من احتوى روسيا ومحاصرة الصين والحفاظ على القطبية الواحدة ولا روسيا متاكدة من ان الولايات المتحدة تستطيع إقناع الدول الأوروبية بالتخلي عن أوكرانيا كثمن لتخليها عن التحالف الوثيق مع الصين. اكيد ان الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية لن تتخلى عن سياستها الأوروبية وتضرب عرض الحائط بكل نفوذها ودورها القيادي في القارة .
الاجماع الاوروبي حول أوكرانيا كان لابد له من ان يجد صداه لدى ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب وخاصة في دعم الضمانات الامنية لأوكرانيا والتي تشكل في جوهرها تحالف عسكري وثيق اشبه بالتزامات الحماية لأعضاء حلف الناتو حسب المادة الخامسة من ميثاقة.
امام الاصرار الاوروبي على معاقبة روسيا وعدم مكافأتها في عدوانها على أوكرانيا جعلها تستمر في توطيد علاقتها بالصين وكوريا الشمالية وهو ما بدى واضحا اثناء انعقاد قمة دول تجمع شنغهاي وحضور الرئيس الروسي بوتين العرض العسكري الصيني في بكين والذي مثل رسالة سياسية واستراتيجية واضحة موجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
الرئيس الروسي بوتين صرح بانه لا يمانع من عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي وهي رسالة مساومة للأوروبيين مقابل حياديتها عسكريا إلا انهم مصرون على الضمانات الامنية وبمشاركة أمريكية وهي تعني ليس فقط تزويد أوكرانيا بالسلاح بل وتواجد قوات عسكرية على أراضيها لحمايتها من اي عدوان روسي.
تواجد قوات عسكرية أوروبية وامريكية في أوكرانيا يشكل تهديدا قويا لروسيا التي كانت تشترط في بداية الحرب تجريدها من السلاح القادر على الوصول الى الارض الروسية وسيكون قبولها ان حصل تراجع كبير لكنه ثمن مستحق من اجل الخروج من مستنقع الحرب الحالية.
واضح ان طموحات الرئيس ترامب تجاه روسيا وثرواتها وابعادها عن التحالف القطبي المنافس الذي يتشكل لم يتبخر كليا وفي المقابل يلمح إلى فرض عقوبات جديدة كنوع من الضغط على الرئيس الروسي بوتين من اجل دفعه إلى تقديم تنازلات وتوقيع صفقة سياسية تقود إلى وقف الحرب الحالية مع أوكرانيا من اجل تحقيق وعودة في قدرته الخارقة على وقفها كي يصبح صانع سلام دولي.
ومن ضمن الضغوط الاستراتيجية الموجهة إلى روسيا هو التواجد الأمريكي في جنوب القوقاز في ممر ( زنغزور) بين ازربيدجان وارمينا وهو التواجد الذي يمثل تهديدا اقتصاديا وأمنيا لروسيا في حدودها الجنوبية. ازربيدجان وارمينا مناطق نفوذ روسية وذات اهمية قصوى لها واي تواجد أمريكي او أوروبي هناك لا يقل خطرا عن التواجد في جورجيا الذي رفضته روسيا وخاضت معارك مسلحة من اجل أبعاده وامتناع جورجيا عن عضوية الناتو.
بوتن الذي يرغب بل ومستبشر بمواقف ترامب تجاه وقف هذه الحرب يعي بان اعضاء الناتو لن يتركوا الحبل على الغارب للرئيس ترامب لاخراج روسيا منها دون دفع ثمن غالي ،كيف لا واوروبا تاريخيا تتوجس من روسيا وعلىً ذلك تمت محاصرتها في مناطق عدة ومن اهمها انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو بعد حربها على أوكرانيا. أضف الى ذلك انه في حالة انتخاب رئيس أمريكي جديد بعد انتهاء ولاية ترامب من المؤكد انه سيكون له موقف مغاير لموقفه تجاه روسيا انطلاقا من الخط الاستراتيجي العام للولايات المتحدة الأمريكية حيث تعتبر رئاسة ترامب حالة استثنائية إلا إذا تمكن من تفكيك الدولة العميقة وخلق وضع جديد قد يتغير فيه الدور العالمي لها وهذا مسار شبه مستبعد من وجهة نظري على الاقل في الوقت الراهن لان ترامب نفسه يطمح إلى ممارسة سياسة القوة على المستوى الدولي وإن نادى للسلام فهو يعني تحقيقه من خلال القوة الأمريكية المفرطة وهو يفاخر بذلك ومن اهم الشواهد على طموحه هذا هو تغيير بامر تنفيذي صادر عنه اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب وتأكيداته المستمرة بان الجيش الامريكي هو الاقوى عالميا.
مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ونخبها المؤثرة هي من سيقود توجهات الرئيس دونالد ترامب وليس نرجسيته واي سلام مأمول في أوكرانيا لن يكون خارج هذا الاطار وليس بالضرورة ان يعود بالنفع على أوكرانيا نفسها او اخراج روسيا من مستنقع أوكرانيا.
د.دحان النجار القاهرة ٦ سبتمبر ٢٠٢٥.