الجهود الأممية في اليمن قد تحقق الاختراق بعد فشل الخيارات العسكرية

 

 

أ د / عبد الحميد صيام

نيويورك ـ (الأمم المتحدة) ـ «القدس العربي»: في الأول من نيسان/أبريل الجاري أعلن مبعوث الأمين العام الخاص لليمن، هانس غروندبيرغ، أن أطراف النزاع اليمني استجابوا للمبادرة التي تقدم بها باسم الأمم المتحدة والتي تقوم على إعلان هدنة لمدة شهرين تدخل حيّز التنفيذ السبت، الثاني من نيسان/أبريل الساعة 19:00 بالتوقيت المحلي ويمكن تجديدها بعد انقضاء فترة الشهرين بموافقة الأطراف الرئيسية. وقال غروندبيرغ في بيانه إن الأطراف جميعها اتفقت على وقف جميع العمليات العسكرية الجوية والبرية والبحرية الهجومية داخل اليمن وعبر حدوده؛ كما وافقت على دخول سفن الوقود إلى موانئ الحديدة وتشغيل الرحلات التجارية داخل مطار صنعاء وخارجه إلى وجهات محددة سلفا في المنطقة؛ ووافقت على الاجتماع تحت رعايته لفتح الطرق في تعز والمحافظات الأخرى في اليمن.

وبالفعل دخلت الهدنة حيز التنفيذ في موعدها المحدد وصمتت المدافع وتوقف إطلاق الصواريخ والمسيّرات الباحثة عن منشآت نفطية ومطارات وغابت وحوش الجو التي تستطيب قصف المدن والأسواق والمدارس والمستشفيات. تنفس اليمنيون هواء نقيا في أول أيام رمضان ليس مخلوطا برائحة البارود، وذهبوا للسوق وهم واثقون أنهم سيعودون سالمين ولن يتركوا وراءهم أشلاء من أجسادهم وأجساد أطفالهم.
لقد رحب المبعوث الخاص للأمين العام غروندبرغ، بردود الفعل الإيجابية التي جاءت من كافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية. فهناك الآن أجواء من التفاؤل داخل الأمم المتحدة بسبب توفر ظروف حقيقية تخدم جهود المبعوث الأممي وتعزز من إمكانية حدوث الاختراق. فقد هلل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لهذا الاتفاق واعتبره خطوة «تفتح الباب أمام تلبية الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية الملحة لليمن وتخلق فرصة حقيقية لإعادة بدء العملية السياسية في اليمن. يجب أن تكون هذه الهدنة خطوة أولى لإنهاء حرب اليمن المدمرة». أما مجلس الأمن الدولي فقد وقف متحدا، وهذا الاتحاد لا يحدث كثيرا، في الثناء على هذه الجهود التي قادها المبعوث الخاص واستطاع أن يتوصل مع جميع الأطراف إلى هذه الهدنة. وأعرب الأعضاء عن دعمهم الكامل للجهود المتعلقة بالمشاورات السياسية التي يبذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة، وكرروا التأكيد على الضرورة الملحة لعملية شاملة بقيادة وملكية يمنية، تحت رعاية الأمم المتحدة، وشددوا على أهمية مشاركة النساء بنسبة 30 في المئة على الأقل، بما يتماشى مع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، على النحو المشار إليه في القرار 2624 (2022).
لقد أكد المبعوث الخاص أن «نجاح هذه المبادرة يعتمد على التزام الأطراف المتحاربة المستمر بتنفيذ اتفاق الهدنة بما يتضمن الإجراءات الإنسانية المصاحبة وترجمة حسن النوايا الذي عبرت عنه كافة الأطراف علنا في صورة خفض للتصعيد الإعلامي والحد من خطاب الكراهية». والأهم من هذا أن الشعب اليمني الأصيل قد فرح في أول أيام رمضان بهذه الفرصة كما قال لي ديفيد غريسيلي منسق الشؤون الإنسانية في اليمن: «لقد رحب اليمنيون بالهدنة بعد سبع سنوات من الحرب. ما يريده اليمنيون هو نهاية الحرب وهذا أول خيوط الأمل التي يشاهدونها منذ زمن بعيد، وآمل أن الفرقاء السياسيين سيلتقطون خيط الأمل هذا ويسيرون به نحو التسوية السلمية».

فرص نجاح الهدنة

لقد توصل الطرفان الرئيسيان للصراع إلى نتيجة واحدة وهي أن الحسم العسكري غير وارد وأن فرض الإرادة بالقوة المسلحة لن تؤدي إلا إلى مزيد من الكوارث الإنسانية والاقتصادية والسياسية. كل طرف مرّ في فترة أصيب بها بالغرور وظن أنه قادر على حسم المعركة ليكتشف بعدها أنه غير قادر أن يحمي أمنه الداخلي عداك عن فرض إرادته على الآخر. لذلك نقول إن الفرصة الآن سانحة وهناك مؤشرات عديدة تدعونا للتفاؤل الحذر على الأقل على المدى المنظور بانتظار تماسك الهدنة واستغلال هذه الفرصة لتعميم خطاب السلام والمصالحة بدل إعادة تنظيم القوات العسكرية وتعزيز قدراتها التسليحية.
– لا شك أن الحرب الدائرة في أوكرانيا قد غيرت كثيرا من الأولويات الدولية وبات الاهتمام الأمريكي مكرسا لتلك الحرب والعمل على تهدئة بؤر الصراع الأخرى سواء في اليمن أو ليبيا أو سوريا وحتى كوريا الشمالية. أمريكا تعرف أن خروج روسيا من هذه الحرب منتصرة قد يقوي من شوكة حلفائها وشركائها مثل الصين وإيران وكوريا الشمالية وفنزيلا وكوبا وغيرها. لقد جرّت هذه الحرب في ذيولها أزمتين كبيرتين على مستوى العالم: أزمة الطاقة وأزمة المواد الغذائية المرتبطة بارتفاع أسعار القمح. لقد باتت الدول المانحة مترددة أكثر في الوفاء بالتزاماتها أمام هذين التحديين خوفا من إطالة زمن الحرب وقطع إمدادات الغاز والبترول من جهة وارتفاع أسعار القمح من جهة أخرى وهو ما قد ينذر بأزمة عالمية قد تؤدي إلى انهيار بعض الدول الفقيرة والأقل نموا. فعندما تصيب صواريخ ومسيرات أنصار الله الحوثية منشآت النفط السعودية في وقت تحاول البلاد أن تسد بعض النقص في السوق العالمي فإن هذه رسالة خطيرة للسعودية لا تستطيع أن تتعامى عنها لا هي ولا حليفتها الأساسية. وهذا ينطبق على دولة الإمارات التي هي الأخرى تلقت رشقة من صواريخ الحوثي قرب عاصمتها أبو ظبي. كان الرد بقصف صنعاء وإسقاط عدد كبير من الضحايا المدنيين ما زاد حدة الانتقاد للتحالف عالميا ووضعه في مأزق. لقد استضافت السعودية سلسلة حوارات عميقة بين الأطراف اليمنية شارك فيها ممثل الأمين العام الخاص غروندبيرغ أدت إلى مثل هذا الاختراق لأنه مصلحة سعودية.
– كل المؤشرات تشير إلى اقتراب التوصل للتفاهم حول العودة إلى اتفاقية 2015 بين الولايات المتحدة وإيران ومسألة التوقيع على مذكرة التفاهم الجديدة تمر الآن في مراحلها الأخيرة وتشمل إطلاق جزء من الأموال الإيرانية المجمدة ورفع اسم الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، رغم معارضة دول الخليج وإسرائيل. فأمريكا تعرف جيدا أنه بدون موافقة الحرس الثوري لن يكون هناك اتفاق جديد ولا عودة إلى الاتفاق القديم، وهي التي بحاجة إلى تهدئة الثغرة الإيرانية، فهناك ما هو أهم منها بكثير خاصة في ظل الحرب الأوكرانية والتقارب الروسي الصيني. مقابل ذلك قد تقدم إيران نوعا من مذكرة التفاهم تلتزم فيها بتخفيض التوتر في المنطقة والعمل بجد مع الشركاء الإقليميين على القضايا العالقة ذات الصلة ومن بينها الحرب اليمينة.
– لقد بلغت الأزمة الإنسانية في اليمن أقصى مداها وتركت أكثر من 60 في المئة من الشعب اليمني يعيش على المساعدات الخارجية. وقد أظهر مؤتمر الدول المانحة في منتصف آذار/مارس الماضي، الذي كان يأمل بجمع 4.3 مليار دولار، نوعا من الإنهاك والعزوف عن التبرعات السخية وكل التعهدات التي أطلقت في المؤتمر لم تصل إلا إلى 1.3 مليار دولار تداركت السعودية الموقف بعد تشكيل المجلس الرئاسي بالتبرع بـ 300 مليون دولار إضافية. لكن هناك 23.4 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات من بينهم 19 مليون إنسان قد يجوعون فعلا في الأشهر القليلة المقبلة، وهو ارتفاع بنسة 20 في المئة عن السنة الماضية. جزء أساسي من هؤلاء يقعون تحت إدارة «أنصار الله الحوثية» ويتحملون مسؤولية تأمين الغذاء لهم. فإلى متى سيبقى الشعب اليمني يعاني من حرب لم يخترها بل فرضت عليه فرضا من كل الأطراف الداخلية والخارجية؟
– نعتقد أن إنهاء دور الرئيس عبد ربه منصور هادي وتسليم كافة صلاحياته فجر الخميس لمجلس قيادة رئاسي بقيادة رشاد العليمي بالإضافة إلى سبع شخصيات يمنية جامعة شاملة لأطياف الشعب اليمني المعارضة للتمدد الحوثي، جاءت كخطوة ضرورية استعدادا للمرحلة المقبلة من المفاوضات مع الحوثيين. ولا نشك أن السعودية والولايات المتحدة وراء هذا التغيير بعد أن أصبح هادي عبئا على الشعب اليمني وجزءا من المشكلة لا جزءا من الحل وهو قابع في فندق في الرياض. لقد لقيت هذه الخطوة ترحيبا من الأمم المتحدة إضافة إلى السعودية والولايات المتحدة، ما يعني أن قطار المفاوضات بعد توقف دام أكثر من خمس سنوات قد يعود إلى استئناف السير على سكة جديدة انطلاقا من محطته الأخيرة في الكويت أو من محطته الجديدة في عُمان أو غيرهما.
لقد تبدل على اليمن أربعة مبعوثين خاصين هم المغربي جمال بنعمر والموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد والبريطاني مارك غريفيثس والآن السويدي هانز غروندبيرغ. خرج الثلاثة وسطاء الأول بنتائج محدودة لأن كل طرف من طرفي النزاع الأساسيين كان يعتقد أنه سيحسم المعركة لصالحه وبسرعة. وها هي الحرب المدمرة استمرت سبع سنوات بدون حسم، لعل صوت العقل والمتغيرات على الأرض ومهارة المبعوث الخاص المدعوم دوليا، كل هذه العوامل مجتمعة، تقود إلى انبلاج فجر جديد لليمن السعيد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى