مقترحات عملية لحل الأزمة اليمنية ..

✍️ منير الماوري

الحديث عن المستقبل هو أفضل من الحديث عن الحاضر المخزي أو الماضي المختلف عليه بين اليمنيين.
دعونا نقدم حلولا بدلا من الإغراق والاستغراق في تشخيص المشكلات دون تقديم وصفات للعلاج قابل للنقاش إن لم نقل قابلة للتطبيق العملي.
وجهة نظري في هذا السياق تتلخص في تحويل السبب الرئيسي الذي أدى للحرب الداخلية والعدوان الخارجي إلى مسار مختلف يؤدي إلى حل مقبول ليس لوقف الحرب فقط وإنهاء الحصار على اليمن ولكن أيضا سيؤدي بالضرورة إلى تسوية سلمية للأزمة اليمنية قائمة على مبدأ “وداوها بالتي كانت هي الداء.”
مهما طالت الحرب ومهما استمر الصراع سيحتكم اليمنيون في نهاية الأمر لوثيقة الحوار الوطني المتوافق عليها بين القوى السياسية اليمنية الرئيسية التي شاركت في صياغة الوثيقة.
ومن الخفايا التي لا يعرفها إلا قلة قليلة من اليمنيين هناك جزئية بسيطة في وثيقة الحل مختلف عليها حتى الآن وكانت بمثابة الشرارة التي أشعلت الحرب وتسببت باقتحام صنعاء ثم اندلاع عاصفة الحزم بعد ذلك بستة شهور.
هذه الجزئية تتعلق بخارطة الأقاليم التي يتألف منها اليمن الاتحادي الجديد.
في تقديري الشخصي أن الأطراف السياسية الرئيسية والمؤثرة في الساحة توافقت على الحرب بعد الحوار من أجل الهروب من تطبيق نظام الأقاليم رغم أن كل طرف يطرح مبررات مختلفة عن الطرف الآخر في تفسيره لأسباب الحرب اليمنية الداخلية والعدوان الخارجي.
وفي تقديري أيضا أن أنصار الله لم يعترضوا على نظام الأقاليم بحد ذاته من حيث المبدأ ولكن اعتراضهم كان على خارطة تقسيم الأقاليم وعددها.

الدور الخفي لعلي محسن في إفشال نظام الأقاليم:
تتلخص مطالب أنصار الله في تلك الفترة حسب فهمنا لها بتغيير خارطة اقليم آزال التي رسمها اللواء علي محسن الأحمر بنفسه لتكون سببا لاستفزاز الحوثيين واندلاع الحرب حيث أنه والله على ما أقول شهيد لم يكن مقتنعا أصلا بنظام الأقاليم لا هو ولا ابن عمه الراحل علي عبدالله صالح، وكانا يراهنان كل منهما على حده على أحداث وتطورات سوف تجهض تطبيق ما يسمى بالأقلمة.
وأقولها شهادة للتاريخ أن المبعوث الدولي جمال بن عمر استدعاني إلى جناحه في فندق موفمبيك قبل إعلان التقسيم المقترح خلال الأسابيع الأخيرة من مؤتمر الحوار الوطني وطلب مشورتي ورأيي في الخارطة المقترحة فقلت له على الفور هذه “وصفة حرب”، وكررت له بأن حرمان اقليم آزال من ثروات الجوف ومن ميناء على ساحل البحر الأحمر لن يقبل به الحوثيون (حسب تقديري وقتها وطبقا لما استشفيته من ممثلي أنصار الله في الحوار الوطني)، كما لن يقبل بها حتى علي محسن وعلي عبدالله صالح لأنهما أيضا ينتميان إلى هذا الإقليم، وردا على ذلك فاجأني الدكتور بن عمر حينها بأن الخارطة بالشكل التي هي عليه تم الاتفاق عليها بالتشاور مع علي محسن بل وبإصرار منه وأن عدد الاقاليم المقترحة كانت خمسة وأصر علي محسن الأحمر الذي كان له نفوذ قوي على الرئيس هادي وعلى أمين عام الحوار أحمد عوض بن مبارك وعلى بعض قيادات أحزاب اللقاء المشترك، أصر على زيادة عدد الأقاليم إلى ستة من أجل تصغير حجم إقليم آزال وجعله على امتداد طولي من صعدة إلى عمران ثم صنعاء حتى ذمار. كان تعليقي وقتها بأن علي محسن بهذا الإجراء يريد افشال المقترح برمته ويريد أن يستفز الحوثيين الذين يطمحون لحكم اقليم آزال، بل إن جمال بن عمر اعتقد وقتها أني ابالغ في التخويف من المقترح عندما قلت له: لا استبعد أن يدفع هذ التقسيم الحوثيين إلى اقتحام صنعاء والاستيلاء على السلطة بالقوة. وللأسف الشديد حدث ما توقعته وكان بالإمكان تلافيه عن طريق الانصات لمخاوف الحوثيين ولأسباب إصرارهم على إعادة رسم الخارطة، وللأمانة فإنهم كانوا وقتها يطرحون خيار اقليمين اثنين فقط شمالي وجنوبي وليس خمسة ولا ستة أقاليم.
الحل الوسط وقتها الذي اقترحته على بن عمر كان تأجيل البت في عدد الأقاليم وترك الخيار لكل محافظتين أو أكثر في تشكيل اقليم مستقل من أجل رمي الكرة إلى ملعب أنصار الله وملعب الحراك الجنوبي.
الحراك الجنوبي كان وقتها يصر على أن يكون الجنوب اقليما واحدا رافضا رفضا قاطعا تقسيم الجنوب إلى اقليمين اثنين، وكان اقتراحي سيحل المشكلة عن طريق ترك الأمر للجنوبيين أنفسهم. تريدون اقليما واحدا.. تفضلوا .. اعملوا على اقناع أبناء حضرموت بعدم تشكيل اقليم خاص بهم مع محافظة المهرة. الحكومة المركزية لن تفرض عليكم عدد الاقاليم ولكن ستقبل بأي اقليم تتوافق على انشائه محافظتان أو أكثر.
وينطبق هذا الأمر على أنصار الله. أنتم مصرون على ميناء وجزء من الثروة الغازية والبترولية الواعدة في محافظة الجوف.. من حقكم ذلك ولكن يتوجب عليكم العمل على إقناع أبناء محافظة الجوف أو بعض مديرياتها على الأقل وكذلك محافظة حجة أو بعض مديرياتها لتكون ضمن اقليم آزال.
بهذه الطريقة كنا سنعطي الأمل لمكونين مهمين من مكونات الشعب اليمني يعتبران من أهم المكونات المشاركة في الحوار الوطني وهما أنصار الله والحراك الجنوبي بأن طموحاتهما يمكن أن تتحقق بقليل من الاجتهاد والاقناع وليس بفرض رؤيتهما بقوة السلاح.
لماذا أتحدث عن الماضي القريب الذي يفترض أننا قد تجاوزناه؟ الغرض هو إيجاد حل يرضي الحد الأدنى من مطالب كل طرف سياسي أو مكون من مكونات الشعب اليمني كون المشكلة لا تزال قائمة ولم يتم تسويتها بعد.

دواعي تعديل خارطة الأقاليم:
وأعتقد أن تجربة أنصار الله خلال الخمس السنوات الماضية أثبتت لهم بأن بسط حكمهم على جميع أنحاء اليمن شبه مستحيل، وأن حاضنتهم الشعبية ومخزونهم البشري الداعم لهم ينحصر تقريبا في المحافظات التي يتألف منها اقليم آزال. ولهذا السبب بإمكانهم ـ إن احتكموا للعقل ـ القبول بتسوية قائمة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني بعد تعديل خارطة الأقاليم بطريقة يكون الهدف منها حفظ مصالح الجميع وليس استفزاز أي طرف. أسلوب الاستفزاز الذي لجأ إليه اللواء في ذلك الوقت والفريق حاليا علي محسن لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد الصراع بلا جدوى ناهيك عن أنه أسلوب تمخض عنه خسائر شخصية عظمى للفريق محسن حيث دفع ثمنا غاليا لهذا الأسلوب القائم على الخداع والتحايل والحذلقة، ولم تكن الخسارة شخصية فقط بل شملت جميع أبناء اليمن ومواطنيه الذين أجهضت أحلامهم في تأسيس دولة مدنية حديثة قائمة على حكم محلي كامل الصلاحيات على مستوى المحافظات وحكم ذاتيا واسع الصلاحيات على مستوى الأقاليم، على أن تقتصر مسؤولية الحكومة المركزية على الشأن الخارجي والدفاع.
ورغم أن الحرب تسببت في تأجيل أحلام اليمنيين إلى حين لكنها لم تهدر عليهم فرصة تطبيق مضامين وثيقة الحوار الوطني حيث أن الفرصة لا تزال سانحة وقابلة لتطبيق جميع المخرجات بما فيها نظام الأقاليم في حال توفرت الإرادة السياسية وتم كبح جماح كبار المعرقلين المستفيدين من استمرار الحرب.
وليعلم الجميع بأن تقسيم اليمن إلى دويلات مرفوض دوليا وربما اقليميا ومحليا ولن ينجح أبدا، كما أن فرض هيمنة جماعة واحدة تحمل فكرا خاصا بها على بقية اليمنيين لم يعد ممكنا. بإمكان أنصار الله تطبيق وجهة نظرهم في نظام الحكم الذي يستهويهم في اقليم آزال وبطريقة ديمقراطية تستند إلى رضا سكان الإقليم مع ترك الشؤون الخارجية للحكومة الاتحادية. وعلى الجميع أن يعلم أيضا أن أبناء حضرموت والمهرة لم يعد لديهم أي استعداد لقبول أحد غيرهم لإدارة شؤونهم المحلية سواء كان هذا الآخر قادم من خولان بن عامر أو حرف سفيان أو سنحان أو يافع أو أبين أو الضالع.
نظام الأقاليم سوف يعطي لكل اقليم بل ولكل ولاية ومديرية استقلالية وحكما ذاتيا كما سيخلق نوعا من التنافس بين الأقاليم لتقديم التجربة والنموذج الأمثل الذي يمكن أن يتفاخر به الإقليم على بقية الأقاليم. وعلاوة على ذلك سيكون نظام الأقاليم وسيلة مناسبة لتوزيع ثروات اليمن بعدالة بين الأقاليم، كما سيرضي طموحات الطامحين بمعنى أن من لم يجد فرصته للعمل في الحكومة الاتحادية بإمكانه ترشيح نفسه لبرلمان الإقليم الذي ينتمي إليه أو الحكومة المحلية في الولاية أو المديرية وصولا إلى أصغر مركز محلي. وفضلا عن ذلك سوف يكون من السهل الركون إلى عملية المحاسبة والمساءلة بصورة دقيقة وشفافة لأن ابناء كل اقليم وكل ولاية يعرفون بعضهم أكثر وبإمكانهم فرض رقابة إدارية ومالية صارمة على بعضهم البعض داخل كل اقليم على حده وكذلك على مستوى المحافظات والمديريات.

علاجات ناجعة للسلالية والمناطقية:
أما ما يتعلق بالتهم التي تلطخت بها حكومة الإنقاذ وقيادات الحكومة الشرعية على حد سواء، خصوصا ما يتعلق بالتعيينات والقرارات الموغلة في الأسرية والمناطقية والعنصرية فإن آلية اختيار كبار المسؤولين المنصوص عليها في وثيقة الحوار الوطني تقدم حلولا متكاملة لمنع كل تلك الممارسات من الحدوث وكبح جماح المحسوبية والمزاجية في اتخاذ القرار، لأن رئيس الجمهورية أو حاكم الإقليم أو المسؤول الأول في كل ولاية لن يكون من ضمن صلاحياته سوى ترشيح الأشخاص المناسبين لأي موقع ثم تتولى المجالس النيابية واللجان المتخصصة المصادقة على الترشيح أو رفضه كما يحدث في الولايات المتحدة بالضبط. وبموجب هذا النظام المحكم قد يكون بإمكان رئيس الدولة ترشيح أخيه أو ابنه أو من يريد من ذويه أو أحبابه لأي موقع غير عسكري ولكن إحدى غرف البرلمان الاتحادي أو لجانه المتخصصة سوف تتولى دراسة الترشيح قبل المصادقة على تعيين من يرشحهم رئيس الجمهورية وقد ينتهي الترشيح بالرفض إذا اتضح أن المرشح غير مناسب لشغل الوظيفة التي تم اختياره لها أو ثبت فشله أثناء جلسات الاستجواب.
وعلى مستوى الأقاليم يتولى مجلس النواب المحلي في كل إقليم على حده المصادقة على ترشيحات حاكم الإقليم أو رفضها قبل إصدار القرار، إذا ما كان هناك أدنى شك في وجود محاباة أو محسوبية في الاختيار. وبسبب حق الفيتو هذا (رفض القرار) سوف يضطر حاكم الإقليم المعني أو رئيس الجمهورية عند تقديم أسماء المرشحين لشغل المواقع العليا في الحكومة الاتحادية بمن فيهم الوزراء والسفراء إلى اختيار الأنسب والأكثر تأهيلا خشية من الفضيحة التي قد تنجم أثناء مثول مرشحيه للاستجواب العلني في البرلمان بما يشبه الامتحان الشفوي للمرشحين من قبل نواب الشعب. وهذه هي إجراءات مهمة للتأكد من قدرة المرشح على أداء العمل الموكل إليه.
هذه الحلول ليست مجرد مقترحات يقدمها شخص نكرة اسمه منير الماوري لا حزب له ولا تنظيم ولا أي قوة سياسية داخلية تتبنى مقترحه. إن هذه الحلول من حسن الحظ قد تم التوافق عليها فعليا بين مختلف القوى السياسية اليمنية وأصبح منصوص عليها بالتفصيل في وثيقة الحوار الوطني وبصورة مجملة في مسودة مشروع الدستور الاتحادي لليمن.

والأهم من ذلك كله هو أن مسودة الدستور أصبحت جاهزة للاستفتاء عليها إذا تم التوافق على عدد الأقاليم، كونها النقطة الوحيدة التي لا تزال محل خلاف، وهي التي أدت إلى اختطاف أمين عام الحوار الوطني أحمد عوض مبارك في صنعاء عام 2014 من قبل مسلحين تابعين لحركة أنصار الله أثناء ترتيبه لإقرار خارطة الأقاليم الستة في اجتماع (كان من المتوقع أن يوصف بالتاريخي) لأعضاء الهيئة العليا للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني (كاتب المقال أحد أعضاء الهيئة البالغ عددهم ثمانون عضوا ويرأسهم المشير عبدربه منصور هادي). ورغم أن الإفراج عن أمين عام الحوار قد تم بعد أيام قليلة بوساطة قبلية قادها الشيخ عوض الوزير أحد أبرز رموز محافظة شبوة التي ينتمي إليها بن مبارك، إلا أن الاختطاف في حد ذاته كان قد أسفر عن إجهاض إجراءات المصادقة على نظام الأقاليم بالصورة المنصوص عليها في مشروع الدستور الاتحادي. ومن التبعات الجانبية التي نجمت عن الاختطاف وقوع الهاتف الشخصي لبن مبارك بأيدي محققي أنصار الله الذين اكتشفوا أن بن مبارك كان يعمد إلى تسجيل الرئيس هادي لصالح جهة ما.
لم يتردد أنصار الله في بث بعض التسجيلات التي عكست صورة أكثر من قبيحة عن الرئيس هادي ومساعديه بسبب الألفاظ السوقية والعنصرية التي وردت في التسجيلات وتضمنت كذلك إساءات وكلمات نابية ضد شخصيات ومكونات سياسية يمنية جنوبية وشمالية. ويبدو أن تلك الفضيحة قد ساعدت في دعم وجهة نظر أنصار الله القائلة بأن قيادات مثل هذه ليست في المستوى المطلوب لتكون مؤتمنة على رسم مستقبل اليمن ورسم خارطته المستقبلية. كما أسفرت الفضيحة عن تفتيت مشروع الشرعية الاتحادي إلى مشاريع شخصية صغيرة وأهداف ذاتية تمحورت في السعي الدؤوب للإثراء غير المشروع وتأمين مستقبل الأبناء والأحفاد بما يتناقض مع المصلحة العامة للشعب اليمني، والتخلي عن تحقيق المشروع الشامل لإعادة بناء الدولة.
ورغم أن مشروع اليمن الاتحادي قد تم وضعه على الرف إلى حين، إلا أن وثيقة الحوار الوطني الضامنة للمشروع لا تزال هي المرجعية الأولى والثابتة المتوافق عليها بين الجميع، والتي يتوجب الرجوع إليها لتكون أساس أي تسوية سياسة مقبلة لتقرير مصير اليمن. وبما أن الوثيقة تتضمن حلولا تفصيلية لكل القضايا الرئيسية والفرعية فإن هذا سوف يساعد كثيرا على تسهيل جهود التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في حال توفرت الإرادة السياسية لتحقيق ذلك.

حل الأحزاب وإلغاء الحزبية:
المقترح الوحيد الذي يمكن طرحه من خارج مضامين وثيقة الحوار الوطني هو أن تتضمن التسوية السياسية المقبلة حل (إلغاء) جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية وتجريم العمل الحزبي لفترة لا تقل عن خمس سنوات ميلادية ولا تتجاوز عشر سنوات من تاريخ التوصل إلى التسوية وذلك لضمان تنفيذ بنود التسوية بسلاسة بعيدا عن الصراعات الحزبية المقيتة وبمعزل عن التكالب على المصالح المحدودة والموارد الشحيحة أو احتكارها لحزب أو تيار سياسي واحد. ومن المبررات الإضافية لمثل هذا الإجراء أن الخارطة الحزبية في اليمن قد تبدلت في سنوات الحرب رأسا على عقب وأصبحت بحاجة إلى إعادة هيكلة شاملة. لقد أصبحت موازين القوى سياسيا وعسكريا مختلفة تماما عما كانت عليه قبل بدء الحرب فضلا عن اختلاف التركيبة الخاصة بكل تنظيم سياسي على حده. وعلى سبيل المثال، لقد أصبح المؤتمر الشعبي عدة مؤتمرات، وأصبح حزب الإصلاح منقسم إلى جناحين رئيسيين يدار أحدهما من داخل الأراضي القطرية في حين أن الآخر لا يزال يحاول إظهار الولاء للسعودية. أما التيار الناصري فله تاريخ طويل في الانقسام آخر فصوله انقسام غير معلن للتنظيم الوحدوي، أكبر الأحزاب الناصرية إلى قسمين، الأول يضم الموجودين داخل اليمن فيما يضم الثاني الرموز المرتبطة ماليا وسياسيا بالرياض ومقيمة فعليا بالقاهرة. وهذا هو حال معظم بقية الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية رغم أن هناك من يزعم أن هذا الانقسام السائد بين قيادات الداخل وقيادات الخارج في غالبية الأحزاب ليس إلا انقساما مفتعلا من أجل توزيع الأدوار للاستفادة من كل الجهات، تأسيا بحزب الإصلاح الذي كان التنظيم الوحيد في المنطقة العربية يجمع بين قطر والسعودية في تمويل خزائنه رغم الخلاف العميق بين الدولتين. وفيما يتعلق بالأحزاب اليمنية الأخرى لا يوجد ما يؤكد الزعم القائل بأن الانشقاقات الواقعة داخلها ما هي إلا توزيعا للأدوار، ولكن حتى لو افترضنا صحة ذلك فإنه لم يعد مهما لأن حل الأحزاب سوف يشمل الجميع (المنشقين والمنشق عنهم) بدون استثناء، وسوف يسري على تجريم الحزبية على جميع السياسيين سواء كانوا موجودين داخل اليمن أو في المنافي الخارجية، إذا تم قبول المقترح.

سيكون هناك بالطبع من يعترض بشدة على مقترح حل وتفكيك الأحزاب اليمنية تحت مبرر التساؤل عن هوية من سيوقع على التسوية السياسية في اليمن إذا تم حل الأحزاب مسبقا؟
أما إذا تم تأجيل إلغاء الحزبية إلى ما بعد التوقيع على التسوية السياسية الشاملة، فكيف يمكن إقناع قادة الأحزاب بالتوقيع على تسوية تتضمن إلغاء أحزابهم بما لا يتماشى مع رغباتهم ومصالحهم السياسية والشخصية.
الإجابة على ذلك هي أن التوقيع على أي تسوية قادمة يجب أن يتم بين طرفين اثنين فقط:
الطرف الأول: هو حكومة “الشرعية” المقيمة في الرياض ويدخل في إطارها ممثلين عن جميع المليشيات المحسوبة عليها أو الممولة من قبل التحالف العربي الداعم للشرعية، ومن ضمنها قوات اللواء عيدروس الزبيدي في الجنوب، وقوات العميد طارق صالح في الساحل الغربي وقوات الفريق صغير عزيز في مأرب والفريق محمد المقدشي وعلي محسن في شبوة وأبين وحضرموت . ويستحسن إشراك هؤلاء القادة في الوفد التفاوضي لما يسمى بالشرعية بالإضافة إلى إشراكهم في التوقيع على التسوية السياسية ضمانا لتنفيذها من الجميع وإلزاما للأطراف العسكرية بالتسوية أمام المجتمع الدولي.
الطرف الثاني: هو حكومة “الإنقاذ الوطني” القائمة في صنعاء ويدخل في إطارها ممثلين عن جميع القوات التابعة لها بما فيها قوات الجيش اليمني ومليشيات اللجان الشعبية وكل من تعتبرهم سلطة الأمر الواقع القائمة في صنعاء من حلفائها الفاعلين وتود إشراكهم ضمن الوفد التفاوضي الذي يمثلها وكذلك في التوقيع على التسوية المأمولة.
وأعتقد أننا بدون أن نشرك قادة القوات الفاعلية على الأرض وإقناع القوى الخارجية الداعمة أو الممولة لها بأن الحلول المطروحة لا تشكل خطرا على أمن تلك الدول ومصالحها (المشروعة)، فإن أي اتفاق على أي تسوية سياسية لن يشق طريقه إلى مرحلة التنفيذ بل سيفتح المجال لجولة جديدة من الصراع العبثي، إلى أن يحدث التغيير الوشيك في الرياض أو المحتمل في طهران، أو أن يتمكن أحد أطراف الصراع في الداخل من قلب الطاولة على الجميع وتغيير الموازين جذريا لصالحه.

إشهار مرتقب لإقليم سبأ
وفي حال استمر توازن الضعف القائم حاليا إلى ما بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا العالمية فإني أتوقع أن يبادر اليمنيون إلى تطبيق مخرجات الحوار الوطني بأنفسهم، حيث ستظهر قوى جديدة تتجاوز القيادات القديمة الفاشلة وتعلن من الميدان تأسيس الأقاليم بموافقة أطراف الصراع أو بمعزل عنهم. وأعتقد أن اللجنة التحضيرية التي تشكلت مؤخرا لتأسيس إقليم سبأ، ستتخذ الخطوة الأولى في هذا الطريق بدعم محلي ودولي تم التفاهم عليه مسبقا. ومن غير المستبعد أن يتبع ذلك عدة خطوات على طريق اعلان بقية الأقاليم وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني بمعزل عن دعاة الحرب والمتاجرين بالدماء.
أعتقد أن إعلان إقليم سبأ سيحسم تماما الصراع الدائر حاليا في مأرب والجوف والبيضاء بإرادة شعبية ودولية ذات تأثير لا يستهان به ولمصلحة أبناء الإقليم وقبائله المسلحة تسليحا جيدا إلى جانب مصلحة الوطن اليمني ككل بما يخدم الأمن والسلام في العالم ويزيل مخاطر الإرهاب ومخاوف الدول العظمى من استمرار تمركز التنظيمات الإرهابية في إقليم سبأ اليمني.
بعد إشهار إقليم سبأ رسميا سوف يطلب من الأطراف المتصارعة أن تغادر أراضي الإقليم وتسحب جميع مسلحيها منه خلال مهلة زمنية قصيرة سيتم تحديدها في بيان الإشهار. وفي حال حدوث اعتراض أو مماطلة في تنفيذ الطلب من جانب أحد الطرفين المتصارعين (حكومتي الشرعية والإنقاذ) فسوف يكون ذلك بمثابة دافع لعقد تحالف مع الطرف الأكثر تعاونا مع مطالب قادة إقليم سبأ، ولن يكون هناك مناص من التنسيق مع الطرف المتعاون لدحر الطرف الرافض تماما وإلحاق الهزيمة بالمليشيات الدخيلة تمهيدا لطردها من أراضي الإقليم.
وليس هذا فحسب بل سيتم التنسيق مع الطرف المتعاون مع إقليم سبأ لتشكيل حكومة اتحادية مؤقتة أو انتقالية يوكل إليها الإشراف على مؤسسات الدولة الاتحادية والبدء في تنفيذ بقية مخرجات الحوار الوطني ومساعدة بقية الأقاليم على تشكيل لجان تحضيرية واجتماعات تشاورية لإعلان المزيد الأقاليم واحدا بعد آخر حتى لو اقتصر الإقليم الواحد على محافظتين اثنتين. وعلى الأرجح سيقتدي كل إقليم يتم تأسيسه ذاتيا بإقليم سبأ فيما يتعلق بالانخراط في الحكومة الاتحادية، وفي التعامل الصارم مع الطرف المعرقل لمشروع الدولة الاتحادية ومصالح الإقليم المعني سواء كان هذا الطرف من المنطوين في إطار القوى المحسوبة على ما يسمى بالحكومة الشرعية المقيمة في الرياض، أو في إطار سلطة الأمر الواقع القائمة في صنعاء المسماة ” حكومة الإنقاذ”.
وهناك أفكار أخرى لاتزال في إطار التبلور ولم يحن الوقت للإفصاح عنها، ولكن المشاركة في نقاش ما هو مطروح حاليا من مقترحات خارج نطاق ما هو متفق عليه في الحوار الوطني سوف يساعد على إثراء الجهود الساعية لإيجاد تسوية عادلة للمشكلة اليمنية عن طريق توفير الحلول الخلاقة القابلة للتنفيذ والتي يمكن القبول بها محليا وإقليميا ودوليا، بما لا يتناقض مع مرجعيات التسوية المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن، والله ولي التوفيق.

منير الماوري
عضو الهيئة العليا
للحوار الوطني اليمني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى