حرب إسرائيل على غزة ولبنان-بداية المهمة في غزة ونهايتها في طهران؟

 

أ د / دخان النجار

ايران هي الداعم الرئيسي لحركة حماس في غزة باعتبار ذلك واجبا دينيا يتمثل في تحرير القدس وفلسطين تبنته الثروة الإسلامية منذ انطلاقتها عام ١٩٧٩م وكانت ايران اول الداعمين للحركات الشيعية اللبنانية المقاومة حركة امل وحزب الله ومن ثم التحالف مع سوريا التي وجدت نفسها وحيدة في المواجهة مع اسرائيل بعد سقوط الاتحاد السوفيتي الحليف الرئيسي وكانت ايران طوق النجاة لها وتم تشكيل محور المقاومة او الممانعة كما يسمي نفسه وحلفائه والذي سماه بعض القادة العرب الهلال الشيعي الممتد من ايران عبر العراق فسوريا ولبنان.

من المفارقة ان حركة حماس السنية تلقت الدعم من ايران وحزب الله وسوريا ولم تتلقاه من الأنظمة العربية والإسلامية السنية التي صنفها البعض منهم حركة ارهابية وهو الأمر الذي يجعل مهمة ايران مهمة فوق الطائفية والمذهبية مهما اختلف البعض حول هذا الدعم والتحالف.
ايران شكلت فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني – قوات النخبة المرتبطة بالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية تعكس بذلك هدفها الإسلامي الأعلى في تحرير ثالث المقدسات الإسلامية “المسجد الأقصى” وجعلت من هذا الأمر شعارا وهدفا اسلاميا لتثبيت مشروعيتها على مستوى الداخل الإيراني والمستوى الإسلامي.
ويعتبر السياسيون حماس احد اذرع ايران في المنطقة مثلها مثل حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق وانصار الله الحوثيون في اليمن وان هذه القوات تمثل وسيلة ضغط بيد الحكومة الإيرانية تقابل بها الضغوطات الغربية والاسرائيلية الساعية الى تغيير نظامها السياسي ومنعها من الوصول إلى صناعة السلاح النووي وتغيير قواعد اللعبة في المنطقة لغير صالح إسرائيل الخصم الاهم لها في المعادلة الاقليمية .
كانت حرب غزة التي بدأت في السابع من اكتوبر ٢٠٢٥ هي بداية المواجهة الفعلية بين اسرائيل وايران لان غزة كان ولابد ان تجر اليها اطراف المقاومة لمساندتها وهم حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق والحوثيون انصار الله في اليمن وطبعا سوريا حلقة الوصل والإمداد لحزب الله في لبنان. اسرائيل أتجهت لتصفية الحساب مع نصر الله اولا وحزبه في جنوب لبنان كونه كان السهم الأخطر الموجه اليها عن قرب بما يمتلكة من ترسانة صاروخية ومسيرات ومقاتلين عقائديين مدربين أشداء قادرين على اختراق الشمال الاسرائيلي لكنها وبعمل استخباراتي دقيق ومعقد أعد في سنين تمكنت من الحاق الهزيمة به وكانت هنا الخسارة الكبرى لمحور المقاومة او الممانعة او المحور الإيراني كما يصفه البعض.
خلال وقت قصير جدا من اخراج حزب الله من المعادلة وبتعاون اطراف دولية واقليمية تم اسقاط نظام الاسد في سوريا وهنا رجحت الكفة لصالح اسرائيل التي صالت وجالت في الجولان السوري المحتل ووسعة نطاق سيطرتها الجغرافية فيه وتخلت عن اتفاق الفصل او فك الاشتباك بين القوات السورية والاسرائيلية في مايو ١٩٧٤ بل ووسعة نفوذها في الجنوب السوري ودمرت الأسلحة والمقدرات العسكرية السورية التي احتفظ بها النظام السابق وبدل ان كانت سوريا تمثل الجسر الواصل إلى الحدود الاسرائيلية اصبحت الان جسر عبور إلى الحدود الإيرانية ومثل سقوط نظام الاسد خسارة استراتيجية كبرى لايران وحلفائها.
انصار الله في اليمن كانوا ولا زالوا يشكلون مصدر ضغط واقلاق لإسرائيل وحلفائها وبالرغم من الضربات المتبادلة بينهم وبين اسرائيل ودول تحالف “حارس الازدهار ” إلا أن اسرائل اختطت طريقها عبر سوريا والعراق لمهاجمة ايران بشكل مباشر بعد ان تم تحذير الحشد الشعبي في العراق من مغبة اي تحرك مضاد.
اسرائيل كانت تخطط من قبل فترة طويلة لمهاجمة ايران وتدمير برنامجها النووي وتغيير النظام لكن الطريق لم يكن سهلا قبل خروج حزب الله وسوريا من المعادلة وعندما تم لها ذلك اتجهت وهاجمت ايران بشكل مباشر وكان ما كان في حرب الـ ١٢ يوما بينها وبين ايران والتي انتهى أحد فصولها بتدخل الولايات المتحدة الأمريكية لاكمال المهمة التي استعصت على اسرائيل وذلك بضرب المراكز النووية المحصنة في كل من فوردو ونطنز واصفهان وليأتي الرئيس ترامب في ٢٤ يونيو الحالي ليعلن وقف إطلاق النار بشكل مفاجىء وسريع خارج توقعات المراقبين الذين كانوا يرون استمرار الهجمات المتبادلة عن بعد بين ايران واسرائيل لفترة زمنية قادمة.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد ضربه المنشاءات النووية المحصنة وتفوق اسرائيل الجوي وقبل انكشاف وضعها الداخلي ومنظومات دفاعاتها الجوية اراد اعلان وقف اطلاق النار وإعلان النصر لإسرائيل في المعركة من جهة ومن جهة اخرى وضع حد لهذه الحرب التي تدخلت فيها بلاده وهي التي لن تترك اسرائيل يوما ما تهزم في اي معركة حتى لو بدأتها دون الإذن من الولايات المتحدة اراد وقفها عند هذا الحد قبل ان تتحول إلى حرب استنزاف وتفرض على بلاده التدخل على الارض وهو ما يريده له خصومة من اجل استنزافها بشكل مباشر.
اسرائيل حققت تفوق جوي واستباحة الاجواء الإيرانية ما جعلها تصول وتجول بشبه حرية تامة بالإضافة الى الاختراقات الامنية الخطيرة التي أعد لها مسبقا وكانت كفيلة باسقاط النظام الإيراني من الداخل إلا ان النظام صمد وتمكن من توجيه ضربات صاروخية وبالمسيران الى اسرائيل لم تعهدها من قبل وكانت نوعية ولم يظهر منها على الإعلام إلا النسبة الضئيلة بسبب الحجب الإعلامي المفروض من قبل اسرائيل وسوف تظهر نتائجه مع الايام إلا ان الواضح انها تضررت كثيرا وكان مزيدا من الوقت للحرب مزيدا من الخسائر المادية والبشرية ومزيدا من انكشاف ضعف الدفاعات الجوية الاسرائيلية المهولة في اسقاط جميع الصواريخ الأيرانية الفرط صوتية والتي كانت تظهر بأجيال متطورة متدرجة تلحق اضرارا بإسرائيل وتقلق سكانها الذين بدأ الكثير منهم في الفرار الى خارج الدولة.
مهاجمة اسرائيل لايران لم تكن فكرة وليدة اللحظة بل كانت خطة محكمة مسبقة حان وقتها وحان ضرب او كما يسمونها في القاموس السياسي عملية قطع رأس الافعى وهكذا فعلت ولكنها أدمت الافعى ولم تقطع راسها .
عمق وخطورة الاختراق الداخلي المركز والمتزامن مع توجيه الضربة الجوية المكثفة من الخارج كان كفيلا بإثارة
الفوضى والشغب في الشارع الإيراني وجر النظام الى مرحلة التهاوي إلا ان ذلك لم يتحقق ولكن معركة الإسقاط من الداخل لم ولن تتوقف والنظام الإيراني امام خيارات صعبه وخطيرة إذا لم يستطيع تطهير جبهته الداخلية وتحصينهاوسوف تتضح بعض مؤشرات إحكام السيطرة على الوضع الداخل او انفلاته في المرحلة القريبة القادمة.
عناصر الاختراقات الامنية المدربة تدريبا جيدا وبمساعدة معارضين تمكنت من الاستعداد عسكريا داخل ايران بشكل غير متوقع حتى انها وصلت إلى مرحلة تصنيع المسيرات داخليا ونقلها الى مواقع بالقرب من الدفاعات الجوية والمؤسسات الحكومية والعسكرية الهامة ومساكن الخبراء النوويين والقادة العسكريين والسياسين الكبار وتوجيهها بدقة عالية واعطاء الاحداثيات الدقيقة للعمليات الحربية من الخارج في خطة محكمة كانت كفيلة بالتهيئة لحدث حاسم يحددمصير النظام الإيراني برمته.
اما اسرائيل التي توج إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف إطلاق النار نصرها في المعركة فهي بالفعل قد اصبحت القوة الأكبر في المنطقة واصبح نتنياهو إمبراطور الشرق الأوسط الغير معلن بالرغم من الضربات المؤلمة التي تلقتها لان الحروب تقاس بما حققته من اهداف بغض النظر عن الخسائر المادية والبشرية .
الوضع في غزة الان قابل لوقف اطلاق النار بطريقة او بأخرى لان نتنياهو قد امتلك المبرر بعد حربه ضد ايران وإضعافها وتدمير جزء كبير من مقدراتها العسكرية وبالذات في برنامجها النووي ولم تعد قادرة على دعم وتحريك كما يسمونها أجنحتها من اجل ايذاء إسرائيل واصبحت المعركة معها مباشرة في عمقها وفي عاصمتها طهران.
لذلك من المتوقع في اقرب فرصة اعلان وقف اطلاق النار في قطاع غزة لان نتنياهو ايضا يعاني من ضغط الشارع الإسرائيلي الطامح إلى اعادة الاسرى والحفاظ على الجنود الذي يقتلون يوميا هناك بعد ان زال الخطر الأكبر الذي كان يهدد اسرائيل وجوديا المتمثل بحزب الله وسوريا الاسد واخيراً اضعاف ايران نفسها التي تمثل رأس المحور الذي يمده بالمال والسلاح والعزيمة وضربها في عقر دارها.
والخلاصة ان اسرائيل حققت نجاحات استراتيجية في المنطقة لكنها ستظل نصرا مؤقتا إذا لم تُحل القضايا الرئيسية التي من اجلها تدور كل هذه المعارك والحروب وفي مقدمتها القضية الفلسطينية لانها قضية إنسانية عقدية لا تهم الفلسطينيين فقط بل كل شعوب المنطقة.
اما ايران فقد تضررت كثيرا والمعركة كانت غير متكافئة من حيث القوة النارية والحلفاء الداعمين ماديا ومعنويا بل وعسكريا لكنها صمدت ونجا نظامها من السقوط هذه المرة والأمر يتوقف على ادائه الداخلي والخارجي مستقبلا .
المنطقة بعد السابع من اكتوبر ٢٠٢٣ تغيرت ولم تعد كما كانت وسوف نشهد المزيد من التغيرات لان نتائج الحروب تظهر بعد توقف معاركها المسلحة وارتدادتها تصبح اكثر وضوحا بعد حين إلا ان الثابت الوحيد هو ان المنتصر يملي شروطه وإرادته حتى جولة اخرى السجال.
د. دحان النجار ولاية تنسي ٢٨ يونيو ٢٠٢٥

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى