الحرب الروسية الاوكرانية-الحسابات الاستراتيجية تتغلب على العواطف.

أ د / دحان  النجار

كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على ثقة من انه في علاقاته الشخصية الجيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيتمكن من وضع حد للحرب الروسية الاوكرانية بمجرد وصوله إلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض.

وبالفعل حاول وضغط على الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي لكن الأخير قاوم الضغوط واستعان بالدول الأوروبية التي اتخذت موقفا متشددا تجاه روسيا وعملت على إقناع الرئيس ترامب بعدم التماهي معها وخطوة خطوة بداء الموقف الأمريكي يتغير لصالح أوكرانيا .
كان الرئيس ترامب يامل في عزل روسيا عن الصين والوصول الى ثرواتها الطبيعية المهمة وسوقها لكن على ما يبدو بان روسيا بوتين حددت خيارها بعدم التفريط بتحالفها مع الصين لان ترامب ظاهرة مؤقته لا تستحق ان يكون ثمنها فك او اضعاف الارتباط مع الصين لانه بمجرد خروجه من البيت الأبيض اكيد ستعود الدولة العميقة إلى ممارسة سياستها الاستراتيجية نحو أوروبا والعالم.
الرئيس ترامب منذ دخوله البيت الأبيض وهو يؤكد على ضرورة مواجهة الصين المنافس المحتمل بقوة وهذا الأمر لا يروق لروسيا التي وجدت في الصين حليفا سياسيا واقتصاديا وعسكريامهما ، فالصين اصبحت اكبر مستورد للطاقة من روسيا بعد ان قاطعتها أوروبا واغلقت اسواقها بل وفرضت عقوبات اقتصادية وسياسية ضدها لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث.
بعد قمة شنغهاي التي انعقدت في النصف الاول من شهر سبتمبر الجاري وحضور الرئيس الروسي بوتين احتفالات الصين بيوم النصر والعرض العسكري الغير مسبوق كان واضحا ان روسيا ترغب في تعزيز تحالفها مع الصين وهو الأمر الذي لايروق للرئيس ترامب.
واضح ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حدد خيارة الاصطفاف مع الصين وكوريا الشمالية ومن اليها لانه ربما يعتبر ضاهرة الرئيس الاميركي ترامب مؤقته وان عقيدة حلف الناتو موجهة ضد بلاده ولذلك لابد له من التقارب مع الدول المتضررة من هيمنة الحلف وهو لا يخفي رغبته بتعدد القطبية العالمية واعادة التوازن الاستراتيجي إلى العلاقات الدولية كضمان للاستقرار في المستقبل.
وبعد تلكؤ بوتين في التقاط الفرصة حسب مبادرة الرئيس ترامب بوقف الأعمال العسكرية في أوكرانيا والاحتفاظ بما لديه من الارض او ربما تحصل بعض التعديلات والتنازلات المتبادلة ومع تشدد الموقف الاوكراني المدعوم اوروبيا استمر بوتين بمهاجمة أوكرانيا بشدة كي تجنح للسلام بشروطه هو، وهذا الامر لا يروق للرئيس ترامب الذي بدأ يصرح علنا بان الرئيس بوتين خذله ولم يتجاوب تماما مع مبادرته بهذا الشأن.
وأوروبا لن تطمئن يوما ما للنفوذ الروسي ومحاولات التدخل في شرقها بل وربما الاعتداء عليهاولذلك لابد من اتخاذ موقف صارم وبمساندة أمريكية.
الدول الأوروبية ومنها بولندا واستونيا ورومانيا وهي اعضاء في حلف الناتو تدعي بان روسيا اخترقت اجوائها وهو ما يمثل تهديدا مباشرا لأمنها ومؤشرا كما تقول على شراهة الرئيس بوتين ورغبته في مهاجمتها فيما لو خرج منتصرا من حربه ضد أوكرانيا.
مندوب الرئيس ترامب الى اوكرانيا كيث كيلوغ صرح بان بوتين لا يريد السلام وانه لا يجب التهاون معه ولابد من ضمان امن أوكرانيا وان لا احد غير الأوكرانيين له الحق في اتخاذ القرار بشان تنازلهم من عدمه باراضيهم المحتلة وهذا الموقف يشكل تراجعا كبير ا عما كان يطرحه الرئيس ترامب حول هذه الأراضي.
طالما وبوتين يعزز تحالفه مع الصين فلابد من إعادة النظر في سياسة ترامب تجاهه وتشديد العقوبات ضده وهنا بدأت الولايات المتحدة وعلى لسان الرئيس ترامب نفسه تدعو دول أوروبا خاصة والعالم عامة الى عدم شراء النفط والغاز الروسيين ومن يفعل ذلك سوف تفرض علي صادراته إلى الولايات المتحدة رسوم جمركية عالية وهكذا تتغير المفاهيم والمواقف عندما تكون المصالح الاستراتيجية هي المحرك الفعلي لسياسة الدول وليس العواطف .
الرئيس ترامب يريد محاصرة الصين وحلفائها ولاجل ذلك بدأ الضغط على افغانستان من اجل العودة إلى قاعدة “باغرام” الاستراتيجية القريبة من المواقع الصينية الهامة وخط التصعيد هذا آخذ في التصاعد وسوف نشهد مزيدا من الاجراءات بحق روسيا ان لم تحصل بعض التفاهمات المؤقتة مع الرئيس ترامب.
أوروبا سوف تعمل ما بوسعها لعرقلة اي تقارب أمريكي روسي ولكنها سوف تدفع ثمنا لموقفها هذا بمزيد من التنازل وتنفيذ الطلبات الأمريكية منها.
الامل بوقف الحرب الروسية الاوكرانية يتبدد يوما عن يوم وهناك احتمال ضعيف ان تلعب الدبلوماسية الخفية بين الرئيسين ترامب وبوتين دورها في وقفها حسب تطلعات الأخير في بداية عهده الرئاسي ولأنه يتطلع أيضا إلى جائزة نوبل للسلام. المفاجأة دائما تطبخ على نار هادئة خلف الكواليس لكنها لا تتجاوز المصالح الاستراتيجية للدول.
د/دحان النجار القاهرة ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى