التدقيق الأوكراني بين مكافحة الفساد وضغوط الاتحاد الأوروبي

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماع مع كبار القادة العسكريين في كييف. 7 نوفمبر 2025 – Reuters

 

نيويورك – زينة بلقاسم – ألأمم المتحدة

تتحرك كييف اليوم في مسارٍ سياسي واقتصادي بالغ الحساسية، بعد أن أعلنت رئيسة الوزراء الأوكرانية “يوليا سفيريدينكو” إطلاق أكبر عملية تدقيق حكومي في تاريخ البلاد تشمل الشركات العامة الكبرى مثل شركة “إنرغوآتوم” للطاقة النووية، في خطوةٍ وصفتها صحيفة ذا غارديان البريطانية بأنها “تحول جذري في معركة أوكرانيا مع الفساد”. يهدف الإعلان الذي جاء في الثالث عشر من نوفمبر إلى إعادة الثقة في المؤسسات الأوكرانية، خصوصاً بعد تزايد الانتقادات الأوروبية بشأن شفافية الإنفاق العام في ظل استمرار الحرب وتدفق المساعدات الغربية.

وتشير التقارير إلى أن هذا القرار جاء بعد سلسلة اجتماعات بين الرئيس “فولوديمير زيلينسكي” والمستشارين الأوروبيين، تزامنت مع اتصال مباشر جمعه بالمستشار الألماني “فريدريش ميرتس”، شدّد خلاله الجانب الألماني على ضرورة الإسراع في تطبيق إصلاحات حوكمة الشركات الحكومية، لضمان استمرار الدعم المالي الأوروبي. اعتبر الاتحاد الأوروبي، الذي يراقب عن كثب أداء كييف المالي والإداري، هذه الخطوة اختباراً عملياً قبل تمرير حزمة جديدة من المساعدات.
لكن هذا المسار لم يمر دون اعتراض، إذ سارعت المجر إلى استغلال الجدل حول الفساد لتطالب بتجميد جزء من الدعم الأوروبي لأوكرانيا، بحجة غياب الضمانات الكافية لحماية الأموال العامة. فأعادت هذه المواقف فتح نقاشٍ أوروبي واسع حول حدود التضامن مع كييف، ومدى قدرة الاتحاد على فرض معايير شفافية موحدة في ظل الانقسام بين دوله الأعضاء.

وتعتبر صحيفة “ذا غارديان”أن ما يجري “ليس مجرد إصلاح إداري، بل معركة على مصداقية الدولة الأوكرانية نفسها”، خاصة بعد أن تزايدت الشكوك في بعض ملفات الصفقات الدفاعية والمشتريات الحكومية خلال العام الماضي.
وتكمن أهمية القرار في توقيته؛ فبينما تخوض أوكرانيا حرب استنزاف طويلة مع روسيا، تجد نفسها مطالبة بإثبات قدرتها على إدارة مؤسساتها باحتراف ومسؤولية. فالاتحاد الأوروبي، الذي ضخّ مليارات الدولارات في الاقتصاد الأوكراني، يربط اليوم كل دفعة دعم جديدة بمدى التزام كييف بالإصلاح المؤسسي. وفي المقابل، تسعى الحكومة الأوكرانية إلى توجيه رسالة مزدوجة تتمثل في: طمأنة المانحين الخارجيين، و الى جانبها طمأنة الشعب الذي بات يطالب بالمحاسبة بعد سنوات من الفساد المزمن.
ويبدو أن رئيسة الوزراء الأوكرانية تراهن على أن تحويل التدقيق إلى حملة علنية سيغيّر صورة البلاد في الغرب، ويعيد رسم علاقتها بالاتحاد الأوروبي على أسس جديدة. غير أن المراقبين يحذرون من أن النجاح في محاربة الفساد لا يتحقق بالتصريحات وحدها، بل بإجراءات عملية تطال الدوائر العليا في السلطة والمؤسسات الاقتصادية الكبرى.
وفي الوقت الذي ينشغل فيه العالم العربي بأزماته الإقليمية الممتدة، مرّت هذه التطورات في أوكرانيا دون اهتمام يُذكر في الإعلام الشرق أوسطي، رغم أن أبعادها تتقاطع مع قضايا الحوكمة، والشفافية، وربط الدعم المالي بالإصلاح السياسي، وهي دروسٌ تتجاوز الجغرافيا وتلامس جوهر العلاقة بين الثقة والاستقرار.
ففي نهاية المطاف، ليست أوكرانيا وحدها التي تواجه اختبار المصداقية، بل العالم بأسره، حيث أصبح معيار “النزاهة والحوكمة” مفتاح الشرعية السياسية الجديدة في زمن الأزمات المتعددة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى