الحوثيون.. طريق التحشيد إلى الحدود وتحطيم المشروع الإيراني بقبضة أمريكية”

نيويورك – هيثم جسار –
تتحرك جماعة الحوثي، في الأسابيع الأخيرة، بخطاب تعبوي محموم يعكس حالة ارتباك داخلي وسعي محموم لتعويض خسائر بشرية هائلة. فالجماعة، التي فقدت قدرتها على الإقناع داخل مناطق سيطرتها، عادت إلى أسلوبها القديم: التحشيد القسري ونقل المقاتلين نحو الجبهات الحدودية، في محاولة لإحياء مشروع إيراني بدأ يتآكل بفعل الضربات الإقليمية والدولية.
ففي محافظة صعدة – المعقل الأول للحوثيين – تعمل لجان التعبئة بقيادة مشرفين بارزين على تفريغ القرى من الشباب، وإرسال الدفعات الجديدة نحو مديريات حدودية مثل منبّه والمناطق المتاخمة للجوف. هذه الدفعات لا تخضع لتدريبات نظامية بقدر ما تتلقى دورات طائفية مكثفة تُصوَّر فيها الحرب على أنها “معركة وجود”، بينما في الحقيقة تتحول تلك الدورات إلى أداة إيرانية تعبث بعقول الشباب اليمني وتزج بهم في معارك لا علاقة لها بمصلحة اليمن ولا مستقبله.
وتعتمد الجماعة في حملات التجنيد الحالية على التخويف، قطع المساعدات، وابتزاز الأسر، في مشهد يعكس هشاشتها واعتمادها الكلي على القوة القسرية لا القناعة الشعبية. ومع ذلك، ورغم كل هذا الضغط، لم تعد الحشود البشرية تتدفق كما كانت في السنوات الأولى، وهو ما يؤكد أن المجتمع اليمني بدأ يدرك حجم الكارثة التي تقوده إليها مليشيا مرتهنة لطهران.
في المقابل، يبدو أن المشروع الإيراني في اليمن يتعرض لضربة استراتيجية كبيرة. فالهجمات الأمريكية على قدرات الحوثيين البحرية والصاروخية لم تكن مجرد ردع عابر، بل كانت جزءاً من مخطط أكبر لقطع الذراع الإيرانية في البحر الأحمر والخليج. ففي كل مرة تحاول فيها طهران استخدام الحوثيين كأداة ضغط ضد الملاحة الدولية، تتلقى ضربات أمريكية دقيقة تعيدها إلى حجمها وتمنعها من تحويل اليمن إلى منصة تهديد عالمية.
ومع توسّع الدور الأمريكي، لم يعد بإمكان إيران استخدام الحوثيين بالطاقة التي كانت تعتمد عليها سابقاً. فقد فُككت منصات إطلاق، وضُربت مخازن، وتلاشت قواعد كانت طهران تعتمد عليها لإدارة سلوك الحوثيين. وهذا جعل الجماعة تعود للتعويض عبر تكثيف التجنيد الداخلي، كأنها تحاول سدّ فجوة هزيمة سياسية وعسكرية بدماء يمنيين لا علاقة لهم بمشاريع إيران ولا بصراعاتها.
إن اليمنيين اليوم يقفون أمام معادلة واضحة:
• الحوثيون يجرون البلاد إلى معارك إيرانية
• والولايات المتحدة تمنع طهران من تحويل اليمن إلى كوريا شمالية جديدة
وبين هذا وذاك يقف المواطن اليمني البسيط، الذي لا يريد سوى دولة طبيعية، وسلام حقيقي، ومستقبل بعيد عن “مشاريع الوكلاء” وحروب القوى الكبرى.
ما يجري اليوم على الحدود ليس بطولات ولا معارك تحرير، بل محاولات يائسة من جماعة مهزوزة لإثبات وجودها بعدما تكسرت أظافرها في البحر وعلى اليابسة، وفقدت القدرة على إدارة حربها بدون دعم طهران المباشر الذي تقلّص بشكل كبير.
إن تحشيد الحوثيين اليوم هو مجرد دليل إضافي على أن الجماعة تستنزف آخر ما تبقى لديها من قوة بشرية… بينما تتعرض قوتها العسكرية لضربات تُعيد رسم التوازنات في الإقليم، وتدفع المشروع الإيراني للتراجع خطوة بعد خطوة.




