وسيط دولي رابع لليمن: ماذا في جعبة هانس غروندبيرغ؟

 

أ د / عبدالحميد صيام

نيويورك-»القدس العربي»: في السادس من آب/أغسطس الماضي أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن اختياره للدبلوماسي السويدي هانس غروندبيرغ، مبعوثا خاصا لليمن خلفا للانكليزي مارتن غريفيث الذي تم تعيينه وكيلا للأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ. وبهذا يكون غروندبيرغ المبعوث الدولي الرابع لليمن خلال عشر سنوات منذ اندلاع ثورات الربيع العربي التي شملت برياحها العاتية اليمن غير السعيد بعد 33 سنة من حكم الاستبداد الذي مثله علي عبد الله صالح.

لقد واكبت الأمم المتحدة المسألة اليمنية منذ انطلاق ثورة 11 شباط/فبراير 2011 وحتى هذه اللحظة. بدأ دور المنظمة الدولية بتعيين المغربي جمال بنعمر بين عامي 2011 و 2015 ثم الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد بين عامي 2015 و 2018 ثم البريطاني مارتن غريفيث بين عامي 2018 و 2021. والآن جاء دور السويدي.
ورغم تبدل المبعوثين وعدم تحقيق الاختراق السياسي إلا أن المنظمة الدولية حافظت على مساراتها في التعامل مع اليمن: المسار السياسي لحل الأزمة ووقف الحرب والعودة للاستقرار، والمسار الإنساني لإيصال المساعدات إلى نحو 18 مليون يمني، ومسار مراقبة حظر الأسلحة عن طريق فريق الخبراء المستقل، ومسار انتهاكات حقوق الإنسان وخاصة حقوق الأطفال عن طريق الممثل الخاص للأمين العام للأطفال والنزاعات المسلحة. كما توصلت الأمم المتحدة إلى اتفاقية ستوكهولم حول الحديدة في كانون الأول/ديسمبر 2018 وحاولت مع الأطراف المعنية أن تراقب عملية تطبيقها على الأرض عن طريق مراقبين دوليين دون الكثير من التقدم. وأخيرا ملف الخزان العائم «صافر» الذي يحمل مليونا ونصف الميلون من النفط لنحو ست سنوات ويهدد في حالة تسرب النفط بوقوع كارثة بيئية واقتصادية وإنسانية لا مثيل لها. فما هو الجديد الذي يحمله المبعوث السويدي إلى اليمن؟
بطاقة تعريف
يتمتع غروندبيرغ بخبرة تزيد عن 20 عاما في الشؤون الدولية. فهو سفير الاتحاد الأوروبي لدى اليمن منذ عام 2019. وعمل نحو 15 عاما في حل النزاعات والتفاوض والوساطة، مع التركيز على الشرق الأوسط. وقد ترأس سابقا قسم الخليج في وزارة الخارجية السويدية، خلال الفترة التي استضافت فيها السويد المفاوضات التي يسرتها الأمم المتحدة، والتي توجت باتفاق ستوكهولم عام 2018. وتبوأ غروندبيرغ عدة مناصب دبلوماسية في بعثات سويدية أو بعثات الاتحاد الأوروبي في القاهرة والقدس وبروكسل. وترأس مجموعة عمل الشرق الأوسط، قسم الخليج، التابعة للمجلس الأوروبي من خلال الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي عام 2009. إذن هو عليم بالمنطقة، خبير في شؤون اليمن، ساهم في التوصل إلى اتفاقية ستوكهولم. لكن السؤال الذي دائما يطرح: هل مؤهلات المبعوث الشخصية تكفي لنجاح مهمة الوساطة أم أن هناك أمورا أكبر من الوسيط وأعقد من مهاراته وأصعب من حنكته؟
الأمم المتحدة وآلية الوساطة
تلجأ الأمم المتحدة لعدد من الآليات لحل النزاعات بالطرق السلمية، كما نص على ذلك الفصل السادس من ميثاقها. ومن بين هذه الآليات الوساطة، والتحكيم، والتحقيق، واستخدام المساعي الحميدة للأمين العام واللجوء إلى المنظمات الإقليمية واللجوء لمحكمة العدل الدولية وغيرها. فالوساطة واحدة من تلك الآليات التي استخدمتها المنظمة الدولية مرارا وتكرارا لفض النزاعات الدولية. وقد نجحت في نزع فتيل عدد من النزاعات عن طريقة الوساطة ولكنها فشلت في نزاعات أخرى. فقد استطاعت الأمم المتحدة وخاصة بعد نهاية الحرب الباردة (1989-1990) من التوسط بنجاح في عدد من النزاعات مثل تيمور الشرقية والسلفادور ونيكاراغوا وسيراليون وليبيريا وناميبيا وجنوب السودان وجنوب أفريقيا وكمبوديا وماسادونيا وغيرها ولكنها فشلت في حالات أخرى مثل البوسنة ورواندا والصومال والكونغو وأفغانستان والسودان وسوريا واليمن وليبيا وغيرها.
وكي تنجح الوساطة الدولية يجب أن يتوفر شرطان أساسيان: أولا استعداد أطراف النزاع بجد للتعاون مع وسيط الأمم المتحدة، وثانيا أن يكون مجلس الأمن موحدا فعلا، لا قولا، خلف جهود الوسيط الدولي داعما لمهمته وواضعا تحت تصرفه الإمكانات اللازمة. وهذان الشرطان لم يتوفرا لا في سوريا ولا في اليمن ولا في ليبيا، حيث فشلت الوساطة في الدول الثلاث ولا علاقة لذلك بمهارة الوسيط وقدراته. ففي هذه الجبهات الثلاث هناك طرف يعتقد أنه سيحسم المعركة عسكريا ويفاوض فقط لكسب الوقت والإعداد لمعركته الآتية. هذا من جهة ومن جهة ثانية كان هناك انقسام حقيقي بين أعضاء مجلس الأمن حتى ولو صوتوا بالإجماع مع القرارات. فقد اعتمد المجلس ثلاثة قرارات خلال عام 2015 تتعلق كلها بحل النزاعات في هذه البلدان الثلاث: اليمن 2216 (2015) وسوريا 2254 (2015) وليبيا 2259 (2015). لكن القرارات شيء وتنفيذها على الأرض شيء آخر.
لماذا فشلت جهود المبعوثين الثلاثة إلى اليمن؟
حاول جمال بنعمر البدء بعملية انتقالية سياسية ودعمها على النحو الذي أرسته مبادرة مجلس التعاون الخليجي. وتوجت هذه المرحلة بالتوصل إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي استمر تسعة أشهر بمشاركة كافة أطياف الشعب اليمني. لكنه عندما أشرف على اتفاق السلم والشراكة بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في ايبول/سبتمبر 2014 ولم ينتقد أو يدين سيطرة الحوثيين على صنعاء وحجز الرئيس، اتهم من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية بأنه منحاز للجانب الحوثي فانتهت مهمته.
أما المبعوث الثاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد فقد بدأ عمله بعد إنطلاق عملية «عاصفة الحزم» بقيادة السعودية التي حاولت وقف زحف الحوثيين نحو الجنوب وصولا إلى مشارف عدن. ركز ولد الشيخ على إقناع أطراف النزاع بوقف القتال والعودة إلى العملية السياسية، واستطاع أن يجمع الفرقاء أولا في جنيف وثانيا في الكويت لمدة ثلاثة أشهر. كان يؤمن بأن الحوار وجها لوجه هو أفضل طريقة لمحاولة كسر الجمود، إلا أن الحوثيين اتهموه بالانحياز للتحالف الذي تقوده السعودية وذلك لعدم انتقاده الغارات الجوية المتواصلة التي سببت دمارا هائلا واستهدفت المدنيين وخاصة الأطفال فانتهت مهمته. أما المبعوث الثالث غريفيث فحاول تحقيق خطوات صغيرة على طريق التسوية السلمية الشاملة بين أطراف النزاع. كما قدم خطة سلام إلى مجلس الأمن في حزيران/يونيو 2018 تنص على وقف الغارات الجوية للتحالف مقابل وقف إطلاق النار. نجح غريفيث بجمع الأطراف اليمينة في السويد لمدة أسبوعين توصلوا بعدها إلى اتفاق ستوكهولم في كانون الأول/ديمسبر 2018 الخاص بالحديدة وهو أكبر إنجاز حققه في بداية ولايته. ثم استطاع أن يحقق بعض الإنجازات الصغرى كتبادل بعض الأسرى وإرسال عدد من المصابين للعلاج الخارجي من مطار صنعاء وتجميد القتال إلى حد كبير في منطقة الحديدة. لكنه أصيب بالإحباط عندما توسعت رقعة القتال لتشمل مدينة مأرب إضافة للأراضي السعودية، كما حدثت انشقاقات داخل القوى المناهضة للحوثيين حيث دعمت دولة الإمارات الحركة الانفصالية في الجنوب بل وأقامت لها قواعد في جزر يمنية بدون إذن من الحكومة الرسمية. لقد ظل غريفيث يحاول حتى اللحظة الأخيرة لكنه فشل فآثر الخروج.
ما الجديد الذي يحمله غروندبيرغ؟
من المبكر أن نتعرف على ما يحمل الدبلوماسي السويدي في جعبته لليمن. لكن، مثله مثل كل المبعوثين، سيقضي فترة للقاء الأطراف المعنية، طرفي النزاع أساسا، ثم القوى الإقليمية ثم الدول الكبرى المؤثرة في النزاع ثم يعود إلى مجلس الأمن يفصح عن خطته الشاملة للحل. ولكننا نستطيع أن نتلمس بعض النقاط بعد متابعة إحاطته الأولى أمام مجلس الأمن في العاشر من ايلول/سبتمبر الحالي:
– ينوي أولا تقييم الجهود السابقة، بهدف تحديد أفضل طريقة للمضي قدما ثم سيعتمد نهجا شاملا لإنهاء الصراع في اليمن.
– سيستمع إلى أكبر عدد ممكن من الرجال والنساء والشباب اليمنيين ونشطاء المجتمع المدني.
– سيعمل على تشجيع الجهات الخارجية للمساعدة في خفض التصعيد، ويرى أن تحقيق السلام والاستقرار في اليمن ضروري لاستقرار المنطقة بأسرها.
– سيجري مشاورات مع الجهات اليمنية والإقليمية والدولية الفاعلة، وسيقوم بزيارات تبدأ في الرياض وتشمل أبو ظبي ومسقط والكويت وطهران والقاهرة وعواصم أخرى.
– سيقضي معظم وقته داخل اليمن للتشاور باستمرار مع كافة أطياف الشعب اليمني.
– سيحاول الجمع بين الجهات الفاعلة عبر خطوط الصراع، وإشراك اليمنيين من جميع وجهات النظر السياسية والمكونات المجتمعية ومن جميع أنحاء البلاد، للمناقشة تحت رعاية الأمم المتحدة بهدف إيجاد أرضية مشتركة وحل خلافاتهم «دون اللجوء إلى القوة».
– سيعمل على تخفيف القيود على حرية التنقل للأفراد والسلع الأساسية بسبب القتال المستمر ونقاط التفتيش والقيود المفروضة على الطرق والموانئ والمطارات.
– سيعمل على تسهيل حركة الأفراد والسلع من وإلى تعز وفتح مطار صنعاء أمام الطيران التجاري، ورفع القيود المفروضة على استيراد الوقود والسلع عبر ميناء الحديدة.
– سيبذل جهدا كبيرا لإشراك المرأة بشكل حقيقي في كافة مراحل المفاوضات والتسوية.
– سيحاول أن يحقق سلاما مستداما يحمي كافة الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سلاما يضمن الحكم الرشيد ومؤسسات دولة تخدم المواطنين بشكل عادل.
هذه بعض الخطوط العريضة التي ذكرها في أول إحاطة له في مجلس الأمن. مجموعة أفكار وخطط ومبادرات يسعى قريبا لتطويرها لتصبح خريطة طريق متكاملة. فهل سينجح في مساعيه؟ لا أحد يستطيع الجزم بذلك فالنجاح أو الفشل ليس بالضرورة محصورا في قدرة الوسيط الدولي أو مهاراته التفاوضية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى