متى بدأت قطر في الوساطة بين أمريكا وفنزويلا؟ منذ نحو عامين، بهدف إلى إنهاء القطيعة بين البلدين.

عين اليمن الحر – الخليج اونلاين
ما أبرز الوساطات التي قادتها مؤخراً؟
الوساطة بين “إسرائيل وحماس”، ولمّ شمل أطفال أوكرانيين لدى روسيا.
ما أبرز وساطاتها السابقة؟
بين طالبان وواشنطن وانسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان، وتبادل رهائن أمريكيين وإيرانيين.
خلال السنوات الأخيرة، لعبت قطر دوراً بارزاً في دعم وتسهيل عمليات الوساطة في مناطق متعددة، تجاوزت الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، ووصلت إلى مناطق أبعد وأصعب في ملفاتها.
وحفل سجل الوساطات القطرية بنجاحات متعددة، سواء على مستوى الصراعات بين دول متنازعة، أو جماعات ومجموعات سياسية أو جماعات مسلحة أو قوى معارضة.
وتعد دبلوماسية الوساطة جزءاً أساسياً من السياسة الخارجية لقطر، حيث تلعب دوراً مهماً في تحقيق السلام وحل النزاعات، وهو ما مثلته قطر أخيراً بنجاحها في حل أزمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا، فضلاً عن خوضها نقاشات ووساطة دبلوماسية مستمرة في ما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة.
بين أمريكا وفنزويلا
على مدار عقود مضت، كان أكثرها تصعيداً منذ نحو 8 أعوام، مرت الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا بأزمة كبيرة، دفعت واشنطن إلى فرض عقوبات وحصار على كراكاس، ولم تتمكن جهود مختلفة من حل الأزمة بين الجانبين أو التقريب بينهما.
لكن قطر وعبر وساطتها الناجحة في دول مختلفة، تمكنت أخيراً من حلحلة الأزمة، والتوصل لتبادل عدد من السجناء بين البلدين، في إطار جهد دبلوماسي يهدف إلى إبرام مصالحة شاملة بين البلدين وتطبيع العلاقات بينهما.
وقالت وسائل إعلام (20 ديسمبر 2023)، إن 10 أمريكيين أفرجت عنهم حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، في صفقة تبادل سجناء مع الولايات المتحدة، وصلوا إلى قاعدة عسكرية في سان أنطونيو بولاية تكساس، مقابل إفراج الولايات المتحدة عن حليف مادورو، رجل الأعمال الكولومبي أليكس صعب، الذي حصل على عفو من الرئيس الأمريكي جو بايدن.
كما وافق مادورو على إطلاق سراح ما لا يقل عن 20 شخصاً على صلة بالمعارضة من السجون، حيث أكد وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي، أن هذه الخطوة جزء من وساطة أشمل لمعالجة القضايا العالقة بين البلدين.
وأكد أن بلاده تشكر الولايات المتحدة وفنزويلا على تعاونهما في إنجاح عملية تبادل السجناء وتجاوبهما مع جهود الوساطة القطرية، وأشادت الإدارة الأمريكية بدور دولة قطر في الوساطة، وقالت: “ممتنون لجهود قطر التي سهّلت المحادثات بين السلطات الفنزويلية والمسؤولين الأمريكيين”.
وجاء الاتفاق نتيجة مفاوضات استمرت منذ نحو عامين، حيث استضافت في العام الحالي لقاءً سرياً بين خوان غونزاليس، مستشار بايدن لشؤون أمريكا اللاتينية، وخورخي رودريغيز الذراع اليمنى لمادورو، بهدف إنشاء قناة اتصال مباشرة بين البلدين في المستقبل، واستكشاف سبل إزالة التوتر بين البلدين.
وتعود الأزمة السياسية بين البلدين إلى عهد الرئيس الراحل هوغو تشافير (نهاية تسعينيات القرن الماضي)، واستفحلت مع وصول خليفته نيكولاس مادورو إلى السلطة، إذ تفرض واشنطن عقوبات وحصاراً على بلاده منذ عام 2015.
نجاحات أخيرة
ونجاح الوساطة القطرية محطة جديدة في سياق سلسلة من الأدوار المماثلة التي شملت دولاً عدة، ومنها الحوار الأمريكي مع “طالبان” حول أفغانستان، وإعادة الأطفال الأوكرانيين إلى ذويهم من روسيا، والملف الإيراني ـ الأمريكي.
وكان أبرزها مؤخراً حينما نجحت جهود دولة قطر، بالشراكة مع مصر والولايات المتحدة، في الوساطة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، حيث جرى التوصل إلى اتفاق على هدنة إنسانية في قطاع غزة استمرت أسبوعاً (أواخر نوفمبر 2023)، تم خلالها تبادل أسرى ومحتجزين وإدخال مساعدات ووقف الحرب، قبل أن يعاود الاحتلال عدوانه مجدداً.
ولم تكن جهود وساطة قطر سهلة، فقد تعثرت قبل ذلك في أكثر من مرة، نتيجة التعنت الإسرائيلي قبل أن تتم ثم تعاود الحرب مرة أخرى، لكن مع إصرار الدوحة ومرونة حماس لا تزال الدوحة على أمل أن يكون هناك اتفاق أشمل في قادم الأيام ينهي العدوان الصهيوني على غزة ويتحرر بمقتضاه الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية.
وبالتزامن مع حراكها الدبلوماسي في غزة، كانت قطر تخوض حراكاً مماثلاً بأوكرانيا، وتمكنت في الـ5 من ديسمبر الماضي، في إنجاح ثاني عملية لم شمل أطفال أوكرانيين مع عائلاتهم، ضمن جهود وساطتها المستمرة لجمع الأسر المشتتة بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية.
وأعلنت الخارجية القطرية، أنه “تمت استضافة 6 أطفال وعائلاتهم بمقر سفارة دولة قطر في موسكو، ومن ثم تم نقلهم إلى وجهاتهم النهائية لضمان سلامتهم وراحتهم والتأكد من احتياجاتهم”، بعدما كانت أعلنت منتصف أكتوبر الماضي، نجاح وساطة لمّ شمل 4 قاصرين مع عائلاتهم في أوكرانيا، بناءً على طلب تقدمت به كييف للدوحة.
نجاحات قطرية
يؤكد المحلل السياسي محمود علوش، أن “قطر أصبحت بمثابة قناة تواصل مهمة بين الولايات المتحدة وخصومها على غرار فنزويلا وإيران وجماعات كطالبان”، مؤكداً أن هذ الأمر “منحها هامشاً كبيراً من الحركة في مجال دبلوماسية القنوات الخلفية.
“وبقدر ما إن هذه الدبلوماسية ضرورة لواشنطن عندما تقتضي الحاجة للحد من التوترات مع خصومها أو لمحاولة التوصل إلى بعض الترتيبات المعينة” بحسب علوش، إلا أنه يرى أن تلك الدبلوماسية “تحولت إلى أداة أساسية للسياسة الخارجية القطرية لتعظيم أهميتها الجيوسياسية”.
ويعتقد في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن “شبكة العلاقات المعقدة التي بنتها قطر خلال العقدين الماضيين، على مستوى الدول والجماعات، فضلاً عن تحفيز الولايات المتحدة لها لإقامة هذه الشبكة، ساعدا الدوحة في التحول إلى فاعل دولي مهم في دبلوماسية الوساطات والقنوات الخلفية”.
وأضاف: “كما أن السياسات الخارجية لقطر، والتي تميل في الغالب إلى الحياد في القضايا والنزاعات الدولية، ساعدتها في إتقان هذه الدبلوماسية”.
وإلى جانب ذلك، فإنه يرى أن هذه الدبلوماسية “ساعدت قطر إلى حدٍّ معقول في الحد من ارتدادات الأزمات والصراعات الإقليمية والدولية عليها”.
ويلفت إلى أن الجهود التي تقوم بها قطر بين “إسرائيل وحماس” في هذه الحرب، “مثال واضح على الكيفية المُعقدة التي تستطيع فيها دولة ليست لديها علاقات مع إسرائيل وتحتضن المكتب السياسي لحماس، أن تُقدم نفسها كطرف يحتاج الجميع له في الأوقات الحرجة”.
ويصف ذلك بأنه “أشبه بالسير في حقل مليء بالألغام ويتطلب براعة دبلوماسية. ولطالما نجحت قطر في ذلك”.
وساطات منذ سنوات
لم تمر سوى أيام قليلة على خطف قطر الأنظار بنجاحها في الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران لإتمام صفقة تبادل محتجزين لدى الطرفين (سبتمبر 2023)، حتى كشفت عن انخراطها في وساطات بثلاث دول، في إطار سياستها المبنية على حل الخلافات بمعظم دول العالم.
وقال مستشار رئيس الوزراء والمتحدث الرسمي باسم الخارجية القطرية د. ماجد الأنصاري (سبتمبر 2023)، إن بلاده تعمل في وساطات بملفات مختلفة، من بينها أزمة لبنان ورواندا وأفغانستان.
وكانت قطر أعلنت نجاح وساطة لها بالإفراج عن 5 إيرانيين كانت تحتجزهم الولايات المتحدة، وتحويل 6 مليارات دولار من أموال طهران، مقابل الإفراج عن 5 أمريكيين ومزدوجي الجنسية.
كما كان لقطر دور كبير في حل قضايا مختلفة، فبين عامَي 2007 و2008، توسطت الدوحة بين الحوثيين اليمنيين وحكومة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، في حين احتضنت توقيع الاتفاق السياسي اللبناني عام 2008، والذي أسفر عن انتخاب رئيس للبلاد.
واستضافت عام 2012، المصالحة الفلسطينية بين حركتي حماس وفتح، ثم بعد 3 أعوام وتحديداً في 2015، رعت اتفاق سلام بين قبائل التبو والطوارق في ليبيا، ثم توسطت لإنهاء الصراع بين الخرطوم وحركة “جيش تحرير السودان” المسلحة عام 2017.
وأدت الدوحة أيضاً دوراً في التوصل إلى اتفاق “جوبا” للسلام، الذي وقعته السلطة الحاكمة في السودان عام 2020 مع عدد من الحركات المحلية المسلحة، والذي أنهى عقوداً من الحرب.
وأواخر فبراير 2020، أبرمت أمريكا و”طالبان” الأفغانية اتفاق الدوحة للسلام، الذي وضع حداً نهائياً للحرب في أفغانستان، وتُوّج لاحقاً بانسحاب أمريكي كامل.
ونجحت الدوحة، في 2021، في إنهاء الخلاف الذي اندلع بين كينيا والصومال بعد 6 أشهر من القطيعة، في حين نجحت في إيجاد حل للخلاف بين المجلس العسكري التشادي والمعارضة خلال العام الماضي (2022).
وفي (يناير 2022)، استحدثت دولة قطر منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الإقليمية الذي يتولاه منذ ذلك الحين المحامي محمد الخليفي، وهو منصب يقول خبراء إنه يهدف إلى تعزيز الدور الدبلوماسي للدوحة بالمنطقة بعد نجاحها في عدد من الملفات المهمة وفي مقدمتها الملف الأفغاني.




