رئيس “إعمار” محمد العبار … من أبراج دبي إلى مفاتيح أزمة الإسكان الأمريكية

 

 

نيويورك – زينة بلقاسم –

في لحظةٍ بدت فيها الأسواق العقارية العالمية متوترة ومتشظية، صعد مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة إعمار العقارية الإماراتية، “محمد العبار”، إلى منصة قمة رويترز نكست 2025 في أبو ظبي ليُطلق تصريحاً غير مسبوق، يُعيد ترتيب المشهد الاقتصادي الدولي: “أنا مستعد لجمع 400 مليار دولار لحل أزمة الإسكان في الولايات المتحدة، وسأجمعها خلال أسبوع واحد
كانت العبارة كافية لتحدث صدىً واسعاً في أسواق المال والإسكان حول العالم. فأن يُعلن أحد أكبر رجال الأعمال في الشرق الأوسط عن استعداده لجمع اربعمائة مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل تقريباً ربع الناتج المحلي لدولة مثل السعودية، بهدف دعم سوق عقاراتٍ أميركي يعاني من اختناقٍ سكني، هو ليس خبراً عادياً، بل تحوّلٌ في طريقة تفكير رأس المال الخليجي وتوجهه نحو الغرب.
تحدث العبار، الذي أسس “شركة إعمار” وصنع بواسطتها معالم دبي الحديثة، من برج خليفة إلى “دبي مول”، بلغة الواثق من الأرقام. قال إن النقص في المعروض السكني في الولايات المتحدة بلغ مستوى “كارثياً”، وأنّ المشكلة لا تكمن في غياب الأموال، بل في غياب التخطيط والرؤية. وأضاف: “يمكننا الحديث عن السيارات الذاتية القيادة وعن الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، لكن الناس بحاجة إلى منازل أولاً.”
من وجهة نظره، فإن الحل في جمع التمويلات من تحالف مستثمرين محليين ودوليين، بهدف تمويل مشاريع إسكان ميسّرة تُعيد التوازن إلى السوق الأميركية. لا يتحدث ” محمد العبار” عن عملٍ خيري، بل عن صفقةٍ استثمارية ضخمة بعوائد اقتصادية وإنسانية متوازنة.
ويقول إن معالجة أزمة الإسكان يمكن أن تُسهم في خفض معدلات التضخم الأميركية إلى النصف، وخلق ما لا يقل عن عشرين مليون فرصة عمل جديدة، بينما يمكن للحكومة الأميركية أن تحصّل ما يعادل اثنين ونصف تريليون دولار أمريكي كعوائد ضريبية إضافية خلال عقد واحد، “إذا ما تمت الأمور كما يجب.”
رغم الطابع الإنساني للحديث، فإن العبار ظلّ واضحاً في حدود التزامه، فقال في إجابته عن سؤال حول المشاركة في إعادة إعمار غزة بعد الحرب: “من تسبب في الدمار عليه أن يتحمّل مسؤولية إعادة الإعمار. فلسفتي بسيطة: كل طرف عليه تنظيف فوضاه بنفسه.”
بهذا الموقف، رسم العبار خطاً فاصلاً بين عمل الشركات التجارية الكبرى والمشروعات ذات البعد السياسي أو الإنساني. فـ”إعمار”، كما يقول، تركز على تحقيق الأرباح لمساهميها وتوجيه استثماراتها في مشاريع ذات مردود مستدام. وهو يرى أن المسؤولية الأخلاقية لا تعني المقامرة بالاستقرار المالي.
كشف العبار خلال حديثه عن مشاريع إعمار الحالية والمستقبلية، مشيراً إلى أن الشركة تنفذ مشروع “مراسي البحر الأحمر” في مصر باستثمارات تصل إلى سبعة عشر مليار دولار بالشراكة مع مستثمرين سعوديين ومصريين، إضافة إلى توسعات في الهند التي وصفها بأنها “اقتصاد واعد ينمو بثبات رغم التحديات”، بينما تواصل شركة إعمار دراسة فرصٍ جديدة في الصين، معتبراً أن “السوق الصينية تمر بمرحلة صعبة، ولكنها قابلة للتعافي.”
وفيما يخص دبي، طمأن الأسواق قائلاً إن المعروض العقاري خلال عامي ألفين وستة وعشرين وألفين وسبعة وعشرين سيعيد التوازن إلى الأسعار، مؤكداً أن السوق “لن تشهد فقاعة، بل استقراراً صحياً بعد مرحلة نمو متسارع.” تجاوزت تصريحات العبار كونها مجرد مبادرة اقتصادية. فقد حملت في مضمونها رسالة سياسية واقتصادية ناعمة مفادها أن رأس المال الخليجي لم يعد مجرد متلقٍ للفرص العالمية، بل أصبح قادراً على تقديم حلول لاقتصادات كبرى مثل الولايات المتحدة.
تُظهر فكرة جمع 400 مليار دولار، حتى وإن كانت في طور الرؤية، ثقة المستثمرين الخليجيين بأنفسهم، وبأن نموذجهم في إدارة العقارات والتمويل يمكن أن يُحتذى عالميًا. لكن وبينما يرى البعض أن الرقم مبالغٌ فيه، فإن آخرين يعتبرونه رمزاً لطموحٍ عربيٍّ جديد يسعى للخروج من الإقليمية إلى القيادة الاقتصادية العابرة للقارات. فالإمارات، التي تحولت إلى مركز مالي وعقاري عالمي خلال العقدين الأخيرين، تمتلك اليوم شركات قادرة على التفكير بحجم القارات لا المدن فقط.
وما وراء الاقتصاد يرى كثيرون في قراءتهم لمبادرة سيد العقار الإماراتي لحظة نضج لرجل وأمة معا، حيث قرأوا في حديثه ملامح نضج جديدة في مسيرة رجلٍ صنع نفسه من الصفر، وصنع مدينته من الرمال إلى السماء. فمن برج خليفة إلى مشروع مراسي البحر الأحمر، ومن الهند إلى أميركا، يُعيد الرجل تعريف معنى “العقارات” بوصفها صناعة تُحرّك التنمية لا مجرد تجارة تُدرّ الأرباح.
يرى بعض المحللين أن العبار يسعى لتوسيع نفوذ إعمار في أسواقٍ جديدة، ويراه آخرون أنه يُحاول رسم خريطة جديدة للنفوذ الاقتصادي العربي في الغرب، عبر بوابة الاستثمار المدني والتنموي. وهو بذلك يعبّر عن مدرسة جديدة في التفكير الخليجي، ترى أن “الاقتصاد هو اللغة الدبلوماسية الجديدة” وأنّ المال قد يحقق ما تعجز عنه السياسة.
لكن رغم الحماسة، لا تزال الأسئلة قائمة لتمييز آلية المبادرة بين من يعتبرها واقعا وآخر يرى أنها لا تتجاوز كونها مجرد رؤية، حيث تتبادر هذه الأسئلة الى أذهان من يتابعها: كيف سيتم جمع هذا التمويل الضخم؟ ومن سيضمن تنفيذه؟ وهل ستفتح الولايات المتحدة أبوابها فعلاً أمام تحالف استثماري بهذا الحجم قادم من الشرق الأوسط؟ لم يُفصح العبار بعد عن تفاصيل الخطة أو المدن المستهدفة، لكن المؤشرات الأولية تُظهر أن اهتمامه يتركز على ولايات ذات فجوات إسكانية حادة مثل كاليفورنيا، تكساس، وفلوريدا. وبينما يشكك بعض الخبراء في قدرة أي كيان على تعبئة 400 مليار دولار في فترة وجيزة، إلا أن التاريخ يثبت أن العبار رجل الأرقام المستحيلة، فمن كان يصدق أن برج خليفة سيرتفع في قلب الصحراء؟ أو أن دبي ستتحول إلى عاصمة عالمية في غضون عقدين؟
وبذلك تكون الرسالة الأعمق: أن الاقتصاد هو عبارة عن جسر يربط بين الشعوب، أي أن مبادرة العبار قد تكون أكثر من مجرد مشروع مالي. إنها دعوة لفهم جديد للعلاقات الاقتصادية بين الجنوب والشمال، حيث لا تكون الاستثمارات العربية مجرد رؤوس أموال تبحث عن الأرباح، بل أدوات مشاركة في حل الأزمات العالمية الكبرى، من المناخ إلى السكن إلى الأمن الغذائي.
اختار سيد العقارات في دبي محمد العبارالولايات المتحدة، لا لكونها أكبر سوق فقط، بل لأنها تواجه أزمة حقيقية تحتاج إلى من يمدّ لها يد الحل.
وهذا ما يجعل خطوته رمزية، ورسالة بأن العالم العربي لم يعد متفرجاً على تحولات الاقتصاد الدولي، بل فاعلاً يسهم في إعادة بنائه.
في نهاية المطاف، يمكن القول إن حديث محمد العبار لم يكن عن المال بقدر ما كان عن الثقة، ثقة بقدرة المستثمر العربي على التفكير بمقياس عالمي، وثقة بأن الحلول الكبرى يمكن أن تأتي من الشرق كما تأتي من الغرب.
ومثلما غيّر العبار مشهد دبي العقاري، قد يُسهم يوماً ما في تغيير معادلة الإسكان الأميركية، لتصبح قصة نجاحٍ إماراتية جديدة تُروى في نيويورك بعد أن بدأت من دبي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى