خليجي 25.. “رسالة عراقية واضحة” لدول الجوار

عين اليمن الحر –

تشكل إقامة بطولة “خليجي 25” لكرة القدم في البصرة حدثا رياضيا استثنائيا في العراق الذي غاب عن تنظيم البطولات الكبرى منذ عدة عقود، كما أنها يمكن أن تكون “مفتاحا” لنجاحات مماثلة على المستويين السياسي والاقتصادي للعراق مع محيطه العربي والخليجي، وفقا لمراقبين.

وهذه هي المرة الأولى منذ العام 1979 التي يستضيف فيها العراق بطولة كأس الخليج، والتي تتبارى فيها بالإضافة إلى العراق، فرق السعودية وقطر والإمارات واليمن والبحرين والكويت وعمان.

تقام البطولة التي انطلقت الجمعة الماضية في مدينة البصرة، مرة كل عامين تحت مسمّى رسمي هو “كأس الخليج العربي”.

وتسود شوارع البصرة أجواء احتفالية وتمتلئ بالمشجعين المتحمسين لمشاهدة مباريات البطولة في وقت ترفرف فيه أعلام السعودية وقطر والدول الخليجية الأخرى المشاركة على كورنيش البصرة، في تجربة تشكل تحديا حقيقيا لبلد أنهكته الحروب وأثقله الفساد.

كان يفترض أن ينظم العراق هذه البطولة في العام 2014، لكنها نقلت لاحقا إلى السعودية بسبب مخاوف أمنية، حيث كان تنظيم الدولة الاسلامية يحتل مساحة واسعة من الأراضي العراقية، بينها مدينة الموصل، أكبر مدن شمال البلاد.

وبعدها استمرت عمليات نقل البطولة لدول غير العراق، حتى جاءت اللحظة الحاسمة في 2023 وانطلقت البطولة وسط حفل افتتاحي أبهر الحاضرين.

يعتقد المحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي أن إقامة هذه التظاهرة الرياضية في البصرة من شأنه أن “يعضد” التقارب العراقي الخليجي ويسهم في التعجيل بإعادة العراق لمحيطه العربي.

يقول آل عاتي لموقع “الحرة” إنه “على الرغم من أنها تظاهرة رياضية، لكن بدا واضحا تفاعل الجماهير الخليجية وتوجهها للعراق للحضور وما قابلها من احتفاء كبير من قبل الشعب العراقي بأشقائه”.

ويضيف آل عاتي أن هذه المعطيات “أعطت رسالة واضحة أن العراق لا يزال يحتفظ بعلاقاته القوية والعميقة مع محيطه العربي، وبعث برسالة لدول الجوار بأن العراق لا يزال قويا مترابطا مع أشقائه”، مبينا أن “كل الاحداث التي جرت سابقا ستكون عابرة وسيسجل التاريخ من جديد عودة العراق لمحيطه العربي”.

أما على الصعيد السياسي فيعتقد آل عاتي أن حل “هذه القضايا يحتاج لمزيد من الوقت والجهد من أجل حل الخلافات والمسائل العالقة”، مضيفا أن هناك خلافات بين العراق ومحيطه الإقليمي مع النظامين الإيراني والتركي وهناك تفاهمات مع أشقائه الخليجيين تحتاج للمزيد من الوقت”.

يتفق الناشط السياسي الكويتي ساجد العبدلي مع آل عاتي في أن “نجاح العراق بإقامة البطولة هو بحد ذاته انجاز إيجابي سيسهم بالتأكيد في تعزيز ثقة الشعب العراقي أولا بأن بلده قادر على تنظيم نشاطات على مستوى دولي”.

ويضيف العبدلي لموقع “الحرة” أن الأجواء التي ترافقت مع البطولة ستسهم في “استعادة الثقة بأن العراق آمن إلى حد ما، وأن دخول الخليجيين بات أمرا طبيعيا”.

على الصعيد السياسي يعتقد العبدلى أن إقامة “خليجي 25” في البصرة من شأنه أن يؤدي لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع العراق ودول الجوار.

“ستكون بابا وفاتحة خير لما سيليها، سابقا كان العراق يتحدث فقط عن التعهدات اليوم أثبت أنه قادر على تنفيذ هذه التعهدات والقيام بمسؤوليات كبيرة”، يتابع العبدلي.

ويضيف أن “اقبال الجماهير الخليجية على الذهاب للعراق سيفتح أبواب جديدة للسياحة وللاستثمار ويؤدي لانتعاش اقتصادي واسع في هذا البلد”.

قالت هيئة المنافذ الحدودية في العراق يوم السبت الماضي إن نحو 34 ألف زائر وصلوا البصرة عبر مطار البصرة الدولي ومعبر سفوان الحدودي البري لحضور فعاليات دورة كأس الخليج “خليجي 25”.

وقبل ساعات من المباراة الأولى التي تقابل فيها العراق مع عمان، اكتظت مدينة البصرة الواقعة على مقربة من الحدود مع إيران والكويت، بنحو 10 آلاف مشجع قادمين من دول الخليج، وفق مصدر محلي.

في مقال تحليلي نشرته وكالة بلومبرغ، الجمعة، تحدث الكاتب الأميركي بوب غوش عن وجود فرصة حقيقية أمام العراق لاستغلال إقامة البطولة الخليجية على أرضه.

يقول غوش في مقاله إن “الحكومة العراقية تعول على كأس الخليج العربي لإرسال رسالة مفادها أن العراق قد عاد، بعد ثلاثة عقود من العزلة والحرب والانقسام الطائفي والصراع السياسي”.

ويضيف غوش أن “الجمهور الزائر اندهش من ملاعب البصرة الرائعة ومطاعمها ومراكزها التجارية وكورنيشها الخلاب المطل على شط العرب، والأهم من ذلك كله توفر الأمن”.

يرى غوش أنه بالنسبة للعراقيين، سواء رفع فريقهم الكأس في ختام البطولة أم لا، فإن هذه الأجواء “تعد لحظة نادرة للغاية للفخر الوطني”.

ويشير الكاتب الأميركي إلى أن الحكومة العراقية تأمل أن يلاحظ المستثمرون في كل مكان بالعالم ما يجري في البصرة.

لكن الكاتب مع ذلك تحدث أيضا عن نقاط يجب توفرها من أجل استغلال هذه الأجواء والتغلب على المشاكل التي تواجه الحكومة الحالية، والمتمثلة بالبطالة والفساد وتراجع الخدمات، مبينا: “سيتطلب عكس هذه الاتجاهات حكومة قوية وفعالة ونظيفة”.

بالمقابل يرى المحلل السياسي العراقي غالب الدعمي أن الكثيرين لم “يلحظوا قيام أي حكومة عراقية سابقة باستغلال مثل هكذا فرص واستثمار مثل هكذا مواقف لصالحها، سواء على الصعيد العربي والإقليمي أو الدولي”.

يقول الدعمي لموقع “الحرة” أن “ما حصل في البصرة عزز من موقف العراق عالميا على مستوى الشعوب وقربه كثيرا من شعوب الخليج، وأنتج رأيا عاما عراقيا جديدا مفاده: أننا عراقيون وعرب، وأن العراق قريب من حاضنته العربية”.

على مستوى التنظيم، يبين الدعمي أن “العراق يمكن أن يكون محطة لتنظيم مباريات ونشاطات وفعاليات سياسية واجتماعية مختلفة، وهذ بدوره نقل صورة مهمة جدا، على الحكومة أن تستثرها بالشكل الصحيح، وهي ان العراق آمن وليس كما يشاع عنه بالإعلام”.

لكن السؤال الأبرز وفقا للدعمي يتمثل بمدى قدرة “السلطات على استغلال الدبلوماسية الكبيرة التي مارسها الشعب العراقي من أجل جذب الشركات الأجنبية للعمل والاستثمار في العراق”.

ويضيف الدعمي أن “هذا الأمر يحتاج إلى الأمن وهو متوفر، ويحتاج أيضا لرغبة حكومية وهي أيضا متوفرة، لكن المشكلة الأبرز تتمثل في الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة”.

“هنا على الحكومة أن ترسل رسائل للعالم أنها جادة في محاربة الفساد ولجم المافيات التابعة لقوى سياسية وحزبية لوقف ابتزاز الشركات الاستثمارية”، وفقا للدعمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى