توسيع الناتو.. “الكارت الأحمر” ما زال بيد الأتراك

نيويورك – عين اليمن الحر – الحرة

في “لحظة تاريخية” وقّع أعضاء حلف “الناتو” الثلاثون، الثلاثاء، على بروتوكولات انضمام السويد وفنلندا، عقب خطوة كانت أنقرة قد فتحت بابها قبل أيام، بعدما “تبددت مخاوفها” مع هاتين الدولتين، بتوقيع “المذكرة الثلاثية”.

وبموجب تلك المذكرة، تعهدت السويد وفنلندا برفع حظر الأسلحة المفروض على تركيا، فيما ستعملان على دعم الأخيرة في محاربة “حزب العمال الكردستاني”، على أن تعدلا قوانينهما الخاصة بالإرهاب، كما ستسلمان المشتبه بهم، الذين تطالب بهم السلطات التركية، وخاصة أولئك المرتبطين بحركة “فتح الله غولن”.

ورغم أن المذكرة شكّلت محطة أساسية في عملية توسيع الحلف، ومن ثم البدء بالمصادقة “التاريخية”، إلا أن بنودها والضبابية المحيطة بتطبيقها لا تزال تشكّل “حجر عثرة” من شأنها أن تعيد الاعتراض التركي من جديد، وهو ما تهدد به الأوساط السياسية في أنقرة.

وبعد ساعات من الإعلان عن التوقيع قال الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان: “السويد سترسل إلينا 73 إرهابيا. لقد أرسلوا 3-4 منهم الآن، لكنهم ليسوا كافيين. وزارة العدل والشؤون الخارجية ستراقب عن كثب وهناك متابعة مع المخابرات”.

وفي وقت سابق رهن إردوغان موقف بلاده الحالي بشأن انضمام الدولتين بـ”حسن النية” الذي ستبديانه بشأن البنود المتفق عليها، وخاصة عملية تسليم من تصفهم أنقرة بـ”الإرهابيين”، موضحا: “إذا قامتا بواجبهما، سنقدم (مذكرة التفاهم) إلى البرلمان (لإقرارها). وإذا لم تفعلا ذلك، لن نرسلها إلى البرلمان”.

بدوره شدد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الاثنين، “على ضرورة أن تلتزم السويد وفنلندا بمذكرة التفاهم الثلاثية”، محذّرا: “وإلا فإن أنقرة لن تقبل انضمامهما إلى الناتو”.

“كارت أحمر”
ويتعين موافقة جميع الدول الأعضاء على طلبات انضمام دول جديدة للحلف والتصديق عليها من برلماناتها.

وإلى جانب إردوغان وجاويش أوغلو، صرّح نائب رئيس “حزب العدالة والتنمية”، نعمان قرتولموش، أن “أنقرة لن تعطي الضوء الأخضر أبدا لفنلندا والسويد إذا لم يمتثلا لوعودهما”، مضيفا: “البطاقة الحمراء في جيوبنا”.

وتابع المسؤول: “ستستمر تركيا في طريقها باستخدام بطاقة الفيتو بشكل جيد للغاية، إلى أن نحصل على تأكيدات من الدولتين بأنهما لن تدعمان المنظمات الإرهابية بأي شكل من الأشكال في المستقبل”.

وفي رد من جانبه شدّد وزير العدل السويدي، مورغن يوهانسون، الخميس، على أنّ القرارات المتعلّقة بتسليم مطلوبين إلى دول أخرى يُصدرها “قضاء مستقلّ”.

وقال الوزير، في بيان، إنّه “في السويد، القانون السويدي تطبّقه محاكم مستقلّة”، مضيفا: “يمكن تسليم أشخاص غير سويديين إلى دول أخرى بناء على طلبها، لكن حصرا حين يكون هذا الأمر متوافقا مع القانون السويدي والاتفاقية الأوروبية حول عمليات الترحيل”، مذكّرا بتعذّر تسليم أيّ مواطن سويدي.

وبحسب ستوكهولم، فإنّ “المذكرة” التي تم التوقيع عليها لرفع اعتراض تركيا على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي “تنص بوضوح على أننا سنحترم الاتفاقية الأوروبية” فيما يتعلق بعمليات الترحيل.

والسويد وتركيا كلاهما من الدول الموقعة على الاتفاقية الأوروبية لتسليم المجرمين، لكن هناك قواعد ضد تسليم المطلوبين بسبب جرائم عسكرية أو سياسية.

“ولا يمكن طرد أي شخص إذا تعرض للاضطهاد بسبب معتقداته السياسية. كما يمكن استئناف أي قرار أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان”، بحسب ما تنص عليه الاتفاقية.

الكرة في ملعب من؟
وحسب الباحث السياسي التركي، طه عودة أوغلو، فإن موافقة أنقرة على دعوة السويد وفنلندا للانضمام إلى حلف الناتو لم تكن “يعني موافقتها بالضرورة على عضويتهما”، وأن هناك شروطا يتعين عليهما تنفيذها.

ويبدو واضحا من تصريحات إردوغان الأخيرة، التي يمكن وضعها في خانة “الشك”، “بأنه رمى الكرة في ملعب السويد وفنلندا”.

ويضيف عودة أوغلو لموقع “الحرة”: “بدا ذلك عندما قال إردوغان إن الاتفاق يلزم الدولتين بالوفاء بوعودها، لكن إن قرّرتا عدم فعل ذلك، فلن يصادق البرلمان التركي على انضمام الدولتين للحلف، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تعطيل العملية برمّتها”.

وتثير حالة الشك التي يبديها الجانب التركي الكثير من التساؤلات بشأن إذا حصلت تركيا على ما أرادت في قمة مدريد من السويد وفنلندا أم لا.

ويتابع عودة أوغلو: “كما هو معروف فإن النص الذي تم التوقيع عليه ليس إلا مذكرة تفاهم وليس اتفاقية حتى تكون ملزمة قانونيا”.

وذلك ما يشي بأن “مرحلة انضمام السويد وفنلندا ستواجه عراقيل كثيرة خلال المرحلة المقبلة، خصوصا من تركيا إذا لم تحصل الأخيرة على ما تريد”، وفق حديث الباحث.

“التفاف على التصنيف”
وكان واضحا منذ بداية الإعلان عن خطوة تركيا والسويد وفنلندا أن ما تم الاتفاق عليه هو “مذكرة تفاهم” أو “بادرة حسن نية” من أنقرة، حتى تعطي الدولتين “فرصة لإثبات تصريحاتهما، وخصوصا الشق المتعلق باتهامات تركيا لهم بدعم الإرهاب”.

ويشير الدكتور باسل الحاج جاسم، وهو مستشار سياسي وباحث في العلاقات الأوروبية إلى أن “اللغط الذي يحصل في جميع وسائل الإعلام بمختلف مشاربها اليوم هو ما يتعلق بحزب العمال الكردستاني”.

ويوضح لموقع “الحرة” بقوله: “التصنيف الإرهابي له لا يقتصر على تركيا فقط كما تحاول بعض الجهات تمريره، وكأن السويد و فنلندا قدمنا تنازل لتركيا في هذا السياق”.

ويعتبر “حزب العمال الكردستاني” منظمة إرهابية في الناتو والاتحاد الأوروبي ودول إقليمية كثيرة.

لكن الذي جرى، بحسب الحاج جاسم “هو الالتفاف على التصنيف بدعم امتدادت الحزب الإرهابي، ولاسيما في سورية، بل والذهاب أبعد من ذلك من خلال دعم كيانات أنشأها هذا التنظيم داخل الأراضي السورية، في ظل ممارسات وصفتها منظمة العفو الدولية بجرائم حرب نفذها الامتداد السوري لحزب العمال ضد العرب”.

وتعتبر البنود المتعلقة بتسليم المشتبه بهم بـ”الإرهاب”، التي تضعها تركيا في قائمة أولوياتها، أبرز ما أوردته المذكرة.

وفي حين تثار التكهنات بشأن طريقة التعاطي الجديدة، التي ستمضي بها فنلندا والسويد بخصوص “حزب العمال الكردستاني”، وعلى الخصوص “وحدات حماية الشعب” في سوريا التي تعتبرها أنقرة ذراعا له، و”حزب الاتحاد الديمقراطي” (pyd).

ما المتوقع؟
ويوسع انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف الحدود المشتركة بين “الناتو” وروسيا من حوالي 700 كيلومتر إلى أكثر من 1900، لكن وحتى الآن لا توجد مؤشرات حاسمة على المضي بهذه الخطوة حتى النهاية.

وكانت الرئاسة التركية أعلنت أن تركيا “حصلت على ما تريد” بتوقيع المذكرة الثلاثية مع السويد وفنلندا، في وقت وصفت فيه وسائل الإعلام المقربة من الحكومة ما حصل على أنه “انتصار حققه إردوغان في مدريد”.

وبينما أشادت الولايات المتحدة الأميركية بالموقف التركي، ذكر البيت الأبيض أن “تركيا لم تطلب أي تنازلات من واشنطن لقبولها انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو”، وأن “الضوء الأخضر التركي لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي يعطي دفعا قويا للوحدة الغربية”.

ويرجح الباحث باسل الحاج جاسم أن تنفذ فنلندا والسويد جزءا مما التزمت به في المذكرة، و”لاسيما ما يخص رفع حظر الأسلحة إلى تركيا، إلى جانب التعاون الأمني المحدود، نظرا أن بعض من الذين يندرجون في دعم، أو لهم صلات بمنظمات إرهابية، باتوا يحملون جنسيات تلك الدول”.

ويوضح الباحث أن “ثمة قوانين في معظم دول العالم تتعلق بشروط إسقاط الجنسية عن الحاصلين عليها، قبل سنوات، إذا ثبت دعمهم لما يهدد أمن دولة حليفة”.

وبمثل هذه الظروف “ليس أمام أنقرة إلا الانتظار لاختبار صدق نوايا فنلندا والسويد، من خلال أفعال الدولتين قبل تصديق البرلمان التركي على القبول النهائي لعملية الانضمام”.

ويضيف الحاج جاسم: “في هذه الأثناء تستطيع تركيا إزالة وتحقيق جزء من مطالبها بنفسها من خلال عمل عسكري”، ضد “وحدات حماية الشعب” التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا.

ومنذ قرابة شهر يؤكد المسؤولون الأتراك أنهم بصدد تنفيذ عملية عسكرية في شمال وشرق سوريا، ضد “الوحدات”، وذلك في منطقتين رئيسيتين، الأولى هي منبج في ريف حلب الشرقي والثانية “تل رفعت”.

ورغم تأكيدات العملية، سواء عبر التصريحات السياسية أو التحركات في الميدان، إلا أن التوقيت الذي ستكون عليه لا يزال غامضا حتى الآن، وسط ترجيحات استعرضتها صحيفة “حرييت” المقربة من الحكومة سابقا، بأن يكون موعدها بعد عيد الأضحى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى