تصعيد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين

AP

 

نيويورك – هيثم جسار – عين اليمن الحر

في الآونة الأخيرة، شهدت العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين تصعيدًا غير مسبوق، مع تبادل ضربات تجارية تشمل فرض تعريفات جمركية من كلا الجانبين. ولكن في الوقت الذي تدعي فيه الصين أنها تحتفظ بقوة كبيرة في مواجهة الضغوط التجارية، يكشف الواقع عن أن الولايات المتحدة قد تكون في وضع يمكنها من تحقيق مكاسب استراتيجية على المدى الطويل.

الهيمنة الاقتصادية: الأسس التي تدعم الولايات المتحدة

تتمتع الولايات المتحدة بنظام اقتصادي مرن وقوي يسمح لها بتوجيه الضغوط التجارية لصالحها. بما أن الاقتصاد الأمريكي يعتمد على التنوع الكبير في صناعاته، فإن الاضطرابات في تجارة السلع بين الولايات المتحدة والصين لا تضر به بنفس الدرجة التي تضر بالاقتصاد الصيني. إضافة إلى ذلك، فإن الدولار الأمريكي يظل العملة الاحتياطية العالمية، وهو ما يعزز قدرة الولايات المتحدة على التأثير في الأسواق العالمية.

تخضع الصين لقيود أكثر من الولايات المتحدة في هذه الحرب التجارية. اقتصادات الدول الأخرى، مثل الدول الأوروبية، تتأثر بالرسوم الجمركية التي تفرضها الصين على السلع الأمريكية، ولكن هذه الدول تميل إلى دعم سياسة الولايات المتحدة بشأن الصين، خاصة فيما يتعلق بمسائل التجارة وحماية الملكية الفكرية. وهذا يجعل من الصين الطرف الأكثر عرضة للضغط في هذا الصراع.

التطورات الأخيرة في الحرب التجارية

في الوقت الذي قامت فيه الولايات المتحدة بفرض تعريفات جمركية على مجموعة من المنتجات الصينية، أظهرت الصين ردًا بفرض تعريفات على مجموعة متنوعة من السلع الأمريكية. لكن هذا التبادل من الرسوم الجمركية لا يؤدي بالضرورة إلى تعزيز وضع الصين، بل قد يؤدي إلى عواقب سلبية على نموها الاقتصادي. فرض الرسوم قد يعوق صادرات الصين، ويؤدي إلى زيادة التكاليف بالنسبة للمستهلكين والشركات الصينية على حد سواء.

من جهة أخرى، حققت الولايات المتحدة نتائج ملموسة في هذا التصعيد التجاري، حيث ظهرت مؤشرات على تغيير بعض السياسات الصينية التي كانت تُعتبر مجحفة بحق الشركات الأمريكية. في أواخر عام 2024، أُجبرت الصين على إجراء تغييرات في سياساتها الاقتصادية المتعلقة بحماية الملكية الفكرية، وتقييد نقل التكنولوجيا، وهو ما يُعتبر إنجازًا كبيرًا للولايات المتحدة.

الابتكار والتكنولوجيا: عائق أمام الصين

الصين قد تجد نفسها عالقة في مواقف صعبة عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا المتقدمة. الولايات المتحدة تسيطر على العديد من التقنيات الرائدة في العالم، بما في ذلك البرمجيات، وأشباه الموصلات، وأجهزة الاتصالات. على الرغم من أن الصين قد أظهرت تقدمًا كبيرًا في بعض المجالات التكنولوجية، فإن غيابها عن قيادة الابتكار في مجالات أساسية مثل الذكاء الصناعي، والروبوتات، والحوسبة الكمومية، يجعلها في موقف دفاعي.

وبالمقابل، يمكن للولايات المتحدة أن تستخدم هذه التقنيات كأداة قوية في الحرب التجارية. منذ فرض القيود على الشركات الصينية مثل “هواوي”، بدأت الصين في إدراك أن تحكمها على بعض الأسواق التكنولوجية العالمية ليس أمرًا مؤكدًا.

مستقبل العلاقات التجارية: فرص أمريكا في النهاية

بناءً على التطورات الحالية، يبدو أن الولايات المتحدة على وشك تعزيز موقفها في السوق العالمي في حال استمرت هذه الحرب التجارية. ومن خلال تشديد الضغوط على الصين، فإن أمريكا تحقق أكثر من مجرد أهداف تجارية قصيرة المدى. هذه الحرب تتيح للولايات المتحدة إعادة تشكيل النظام التجاري الدولي بما يتناسب مع مصالحها الاقتصادية.

أحد الأبعاد الرئيسية لهذا التصعيد هو رغبة الولايات المتحدة في تقليل اعتمادها على سلاسل التوريد الصينية. إن تنوع مصادر الإمداد، وتوسيع نطاق الشراكات مع الدول الأخرى، قد يساعد في تقليل الهيمنة الصينية في السوق العالمي.

استراتيجية طويلة الأمد

في النهاية، رغم أن هذه الحرب التجارية قد تخلق تحديات قصيرة الأجل لكلا البلدين، إلا أن الولايات المتحدة قد تظهر منتصرة على المدى البعيد. تسعى الولايات المتحدة إلى التأثير في السياسات الصينية بما يخدم مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، وقد يُعتبر هذا التصعيد خطوة نحو تحسين مكانتها على المسرح العالمي

هيثم جسار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى