الاعتداءات على الحرم الشريف والموقف الدولي

 

أ د /  عبد الحميد صيام

نيويورك-(الأمم المتحدة) ـ

هذه ليست المرة الأولى التي تخطف أحداث القدس الانتباه العالمي وتجبر كثيرا من وسائط الإعلام الدولية التحول من مناطق الجذب الأخرى، وآخرها أوكرانيا، والتوجه إلى شوارع القدس العتيقة وبوابات سورها العظيم الذي رممه آخر مرة سليمان القانوني قبل مولد بلفور بثلاثمئة سنة، لتصل إلى أبواب وساحات الحرم الشريف التي تضم الأقصى ومصلياته العديدة وقبة الصخرة المشرفة وبقية الملاحق والمرافق، لتنقل بالصوت والصورة ما يجري من مواجهات بين الشعب الفلسطيني الأصلاني وقطعان المستوطنين.

من قبل أيام بدأ المستوطنون يستعدون لاقتحامات متواصلة بما في ذلك مسيرة الأعلام بمشاركة نتنياهو نفسه. وتزامن ذلك مع حركة دبلوماسية دؤوبة لاحتواء الغليان ومطالبة الفلسطينيين بالتهدئة. وقد وصلت العديد من الرسائل لمسؤولي السلطتين في رام الله وغزة من أجل التهدئة. قام وفد من السلطة الفلسطينية مكون من ثلاثة أشخاص بزيارة سرية لم يعلن عنها لواشنطن للتظلم من عناد نفتالي بينيت وإدارته التي «لم تقدم للسلطة شيئا» تستطيع أن تفاخر به كإنجاز وطلب الوفد من الحكومة الأمريكية الضغط على بينيت بهذا الاتجاه من أجل احتواء الهبة الرمضانية المقبلة. كما استقبل العاهل الأردني ثلاثة مسؤولين إسرائيليين تباعا ثم قام بزيارة الرئيس عباس في رام الله يحمل رسالة جوهرها التهدئة. الجميع يريد للاحتلال أن ينعم بالهدوء على حساب شعب كامل في الأسر. المهم راحة السجان لا معاناة السجين.
الذي غير الحسابات للأطراف جميعها وقلب الطاولة على رؤوس الجميع، انتفاضة الشعب الفلسطيني المبكرة ممثلة بأربع عمليات مواجهة جريئة في العمق الإسرائيلي شلت الكيان حكومة ومستوطنين وأصابتهم بدوار كبير فقدوا معها السيطرة على شهوة الانتقام فانطلقوا في مهمة الولوغ في الدم الفلسطيني فأردوا نحو 19 شهيدا خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من رمضان، وأطلقوا يد المستوطنين لتعبث بأمن الفلسطينيين في القدس وخاصة في المسجد الأقصى خلال ساعات صلاة الفجر.

الأمين العام وممثله في فلسطين المحتلة

أصدر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أو ممثله على الأرض، تور وينيسلاند، منسق عملية السلام في الشرق الأوسط وممثل الأمين العام لدى السلطة الفلسطينية، أربعة بيانات متتالية تدين العمليات الأربع في بئر السبع والخضيرة وبني براك وتل أبيب. وتضمنت البيانات لغة قوية تدين وتستنكر الجرائم الفظيعة التي ارتكبها «الإرهابيون». فقد أدان وينيسلاند عملية تل أبيب يوم السابع من نيسان/أبريل ووصفها بأنها «هجوم مروع وفظيع» ولم ينس أن يشجب ترحيب حركة حماس بالعملية التي وصفتها بالبطولية وقال «مثل هذه الأعمال يجب أن تتوقف وتدان من قبل جميع الأطراف». وأدان بنفس اللغة والقوة عملية الخضيرة وبني براك وبئر السبع والتي استخدم فيها كلمة «أدين بكل قوة». الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لم يكتف ببيانات وينيسلاند فقد أصدر يوم 29 آذار/مارس بيانا قويا يدين فيه «الهجمات الإرهابية الأخيرة في إسرائيل والتي أودت بحياة 11 مواطنا إسرائيليا على الأقل. لا يمكن أبدا تبرير أعمال العنف هذه ويجب إدانتها من قبل الجميع».
الجريمة الوحيدة التي استوقفت وينيسلاند هي اغتيال الأرملة أم الأطفال الستة غادة سباتين يوم 10 نيسان/أبريل في بلدة حوسان قرب بيت لحم، وبعد أن أثارت قضيتها الصحافة المعتمدة في المؤتمر الصحافي اليومي للمتحدث الرسمي بمقر الأمم المتحدة، أصدر وينيسلاند بيانا حذرا بلغة منضبطة يعود في مضمونه إلى تأثره بالحادث لا إلى من قام بالجريمة. فهو «مصدوم ومنزعج» من قتل «ما يبدو» أنها إمرأة غير مسلحة من قبل قوات الأمن الإسرائيلية، في ظروف تشير إلى أنها، «كما يبدو» لا تشكل خطرا داهما.
أما بيانات الأمين العام الأربعة حول اقتحامات المسجد الأقصى خلال صلاة الفجر فجاءت كذلك بلغة مقدودة من خشب تمشي بين الألغام ولا تنفجر وتتحدث عن الاستفزازات ولا تشير إلى من يقوم بها. فبعد جرح 150 فلسطينيا واعتقال ما يزيد عن 400 مصل شعر «الأمين العام بقلق بالغ إزاء تدهور الوضع الأمني في القدس ودعا القادة من جميع الأطراف إلى المساعدة في تهدئة الوضع. يجب أن تتوقف الاستفزازات في الأماكن المقدسة الآن لمنع المزيد من التصعيد». وفي بيان يوم 20 نيسان/أبريل قال غوتيريش: «يجب أن تتوقف الاستفزازات على الفور. يجب أن تكون الأيام المقدسة الجارية للمسلمين واليهود والمسيحيين فترة سلام وتأمل، وليس فترة تحريض وعنف». الأمين العام قلق لأن الوضع يتدهور من دون أن نعرف من المسؤول عن التدهور وبدون ذكر للمسؤول عن الاستفزازات. المستوطنون غائبون عن البيان وكذلك قوات الأمن التي اقتحمت على المصلين صلواتهم وعبادتهم ودون ذكر للجرحى والمعتقلين. والجميع متساوون وهناك ضرورة لتوقف أولا التحريض (موجه للفلسطينيين) ثم العنف (إشارة إلى الإسرائيليين). الترتيب هنا ليس صدفة.

مجلس حقوق الإنسان

يتمتع مجلس حقوق الإنسان بهامش أرحب من الحرية وبياناته أكثر دقة وشمولا وتشير في غالبيتها الساحقة إلى الفاعل بدون وجل. وقد أصدرت المفوضة عدة بيانات حول تطورات القدس تحدثت فيها عن الاستخدام المفرط للقوة والاعتقالات.
وفي بيانها يوم 22 نيسان/أبريل أعربت عن القلق العميق إزاء تصاعد العنف في الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل خلال الشهر الماضي، حيث شهدت عطلة نهاية الأسبوع الماضي إصابة 180 فلسطينيا على يد القوات الإسرائيلية، بمن فيهم 27 طفلا، خلال التوترات في محيط المسجد الأقصى. كما تم الإبلاغ عن مزيد من العنف في محيط المسجد، ومن بين المصابين على يد القوات الإسرائيلية صحافي ورجل مسن وأحد المسعفين. المكان محدد والزمان والضحايا. لا مكان للغموض ولا التكهن.
وقالت رافينا شامداساني، المتحدثة باسم المفوضية في مؤتمر صحافي بجنيف، إن التقارير من القدس تقول لقد تم اعتقال 470 شخصا بين 15 و17 نيسان/أبريل من بينهم 60 طفلا. وقدمت مزيدا من التفاصيل: «في حوالي الساعة 6:30 من صباح الأربعاء 21 نيسان/أبريل بالتوقيت المحلي، داهمت الشرطة الإسرائيلية ساحات المسجد الأقصى واستخدمت القوة لإخراج الفلسطينيين من المنطقة». وأضافت شامداساني: «يثير سلوك القوات الإسرائيلية الذي شوهد على وجه التحديد في 15 نيسان/أبريل، وتم تسجيله في العديد من مقاطع الفيديو، مخاوف جدية من الاستخدام واسع الانتشار وغير الضروري والعشوائي للقوة. لقد تعرّض عدد من الفلسطينيين للضرب بالهراوات، من بينهم مسنّون ونساء وأطفال وصحافي واحد على الأقل، الذين لا يبدو أنهم يشكلون أي تهديد للقوات الإسرائيلية بأي شكل من الأشكال، كما استُهدفوا بالرصاص الإسفنجي من مسافة قريبة».
ولم تنس المتحدثة باسم المفوضية مسؤولية الجاني حين طالبت بالتحقيق: «إن استخدام القوة من قبل الشرطة الإسرائيلية الذي يؤدي إلى إصابات كثيرة في صفوف المصلين والطواقم العاملة داخل وفي محيط باحات المسجد الأقصى يجب أن يخضع للتحقيق على وجه السرعة وبحيادية واستقلالية وشفافية». ودعت إلى محاسبة المسؤولين عن أي انتهاكات، ومراجعة السياسات والإجراءات المتعلقة باستخدام القوة بهدف تجنب أي انتهاكات أخرى. هذا هو الفرق بين جهاز محكوم بالسياسة وجهاز يرتكز إلى حقوق الإنسان بدون خوف أو تردد.

مجلس الأمن

تحرك أعضاء البعثة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة في كل اتجاه إلى أن تمكنوا عن طريق المجموعة العربية بدعوة مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة لبحث الأوضاع في مدينة القدس المحتلة. لكن لسوء حظ فلسطين أن رئاسة المجلس لهذا الشهر من نصيب السفيرة البريطانية، باربرا وودوارد، والتي تقدح عيونها غضبا كلما أثرنا معها ازدواجية المعايير بين أوكرانيا وفلسطين. فأقرت عقد جلسة يتيمة ومغلقة الساعة العاشرة من صباح يوم الثلاثاء 20 نيسان/أبريل وبعد أن تقدمت خمس دول بطلب عقد الاجتماع هي الإمارات العربية المتحدة، نيابة عن المجموعة العربية، والصين وإيرلندا وفرنسا والنرويج. قدم تور وينيسلاند إحاطة حول آخر التطورات في المدينة المقدسة عن طريق الفيديو من مكتبه في القدس المحتلة. انفض الاجتماع المغلق بعد ساعتين بدون أي بيان أو عناصر بيان صحافي. خرج سفراء خمس دول أوروبية هي النرويج وإيرلندا وفرنسا وألبانيا واستونيا، تلت باسمهم مندوبة إيرلندا بيانا مشتركا، عبرت فيه عن قلق المجموعة أزاء الأحداث في المسجد الأقصى، وطالبت بوقف أعمال العنف والحفاظ على الوضع القائم في الأماكن المقدسة والعمل على تهدئة الأمور، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
السفير الفلسطيني لدى المنظمة الدولية، رياض منصور، من أمام قاعة مجلس الأمن عاتب المجلس على فشله وعدم تحمل مسؤولياته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وطالب الأمين العام بتفعيل قرار الجمعية العامة حول حماية الشعب الفلسطيني، وطالب المجلس بتجاوز حالة الشلل طويل الأمد المتعلق بقضية فلسطين، والعمل بدون تأخير للوفاء بواجباته المنصوص عليها في الميثاق وإنفاذ قراراته وكافة قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية. وأسدل الستار.
والآن نعود بكم إلى المشهد الأكثر نقاء وفاعلية، إلى ساحات المسجد الأقصى المبارك لنسمع هتافات المرابطين والمرابطات الذين يصنعون التاريخ غير آبهين بالنفاق الدولي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى