ليست الاستقالة في معناها العميق مجرّد ورقة توضع على طاولة المسؤول الأعلى، بل هي شهادة دامغة، بيان صامت يعلو على كل الضجيج، وصرخة تتردّد في فضاء يخيّم عليه غبار الفساد.

 

بقلم / النائب / علي عسال

 

هكذا بدت استقالة الأخ سالم ثابت العولقي، رئيس الهيئة العامة للأراضي، حين قرّر أن يضع القلم جانباً، معلناً انسحابه من معركة لا يُراد لها أن تُكسب.

لقد كانت الآمال معقودة على رجلٍ حمل سمعته معه إلى موقعٍ ملغوم، ولأننا نعرف عنه الاتزان ونظافة اليد، استبشرنا بقرار تعيينه وعتبرناه قراراً موفقاً، في مرحلة غلبت فيها قرارات التعيين لكل من لا حظّ لهم من الكفاءة ولا نصيب لهم من الأمانة، فازدانت المناصب بالمتردية والنطيحة، وتوارى أهل العلم والخبرة خلف ستار التهميش والإقصاء، لكن سرعان ما تحطمت الأحلام على صخرة النفوذ، وتبيّن أن معركة أراضي الدولة ليست معركة تخطيط وتنظيم وحسب ، بل معركة تقودها قيادات كبيرة ومصالح وأذرع كثيرة للفساد تمتد حيث لا تصل يد القانون.

استقالة الأخ سالم ثابت العولقي، رئيس الهيئة العامة للأراضي،
استقالة الأخ سالم ثابت العولقي، رئيس الهيئة العامة للأراضي،

خسارة فادحة أن تنطفئ نقطة ضوء في هذا الليل المظلم الذي نعيشه، خسارة أن يُدفع رجلٌ إلى الاستقالة لا لعجزه، بل لكونه لم يجد عوناً من قيادة الدولة ، ولم يقبل أن يشارك في جريمة قُسّمت فيها أراضي الدولة كما تُقسم الغنائم. والأنكى أن هذه الاستقالة لم تأتِ لتغلق ملفاً فحسب، بل لتفتح أعيننا على حجم المأساةالتي تحدثنا عنها في منشورات واحاديث سابقة ، والتي تكشف عن عمق الجرح الذي تنزف منه البلاد في قطاعات ومؤسسات كثيرة أبرمت فيها صفقات وعقود أهدرت موارد الدولة وضيعت مقدرات البلد .

ما أشبه هذه الخطوة بصرخة في وادٍ مقفر؛ صرخة تقول لنا إن خيمة الوطن على وشك أن تُقتلع أوتادها، وإن الريح السوداء للفساد لم تترك موطئ قدم للحق ولا ملاذاً للنزاهة. لكن، وسط هذا السواد، تظل الاستقالة نفسها فعل مقاومة رمزي، رسالة شرف تُكتب في وجه الانكسار، ودليلاً على أن في زمن السقوط والتردي ما يزال هناك من يختار الانسحاب بشرف على أن يغرق في وحل المشاركة.

قد يظن البعض أن استقالة كهذه لن تغيّر شيئاً، لكنها في الحقيقة مرآة، تُرينا بشاعة ما نعيشه وتُحذّرنا من هاوية نقترب منها. وإذا لم نلتقط الإشارة، فسوف نصحو يوماً على وطنٍ بلا أرض، وعلى خيمة بلا أوتاد، وعلى مستقبلٍ يُحدّد ملامحه مسؤولون لا يرون في الوطن إلا صفقة رابحة.

من صفحة الكاتب على الفيسبوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى