دور المراة في حل النزاعات وبناء السلام

 

✍️د / ثريا بن رحو

جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك) .. هذه هي الأم.

المرأة هي نصف المجتمع، وتلد النصف الآخر؛ فهي الأم التي تسهر وتربي رجالاً يبنون حاضر الأمة، فهي بذلك تمتلك مقومات رصينة ومميزة تقودها لفك المشكلات، وحل النزاعات، وإدارة الأزمات بحكمة ودراية؛ لبناء جيل قيم صالح على أسس المحبة والعطاء والتضحية والإيثار. وعلى بساطتها أحياناً، يكون لها دور كبير في المجتمع العشائري، فكثير من النزاعات القبلية والعشائرية يتم حلها عن طريق الزاوج بين الطرفين؛ كي يختلط الدم وينتهي النزاع.
فالمرأة إذاً قلب المجتمع؛ إذا صلح القلب صلح باقي الجسد، وإذا توقف القلب عن ضخ الدماء النقية للجسد؛ تسمم الجسد كله. أي أن لها الدور الكبير في وضع الجزء الأكبر من اللبنات الأساسية في المجتمع؛ كونها المربية الأولى للأجيال، لما تمتلك من سلاح التأثير القوي، في تدعيم ركائز السلام والتعاون والتضامن، ونبذ العنف، وأشاعة روح التسامح في المجتمع. فهي الضوء الذي تستدل به فئات المجتمع الأخرى على مواضع الخير والحب الذي لاينضب.
إنها المرأة في كل زمان ومكان، والتي تمد الكبار قبل الصغار بالطاقة الإيجابية التي تعينهم على إكمال مشوارهم في الحياة، برغم قسوة الأوضاع وتدهورها. فهي عين الشمس التي لا تبخل بضوئها على الجميع، فالبلدان التي تتمتع فيها النساء بحقوق وفرص متساوية؛ تكون أكثر أماناً وازدهاراً من غيرها؛ لأنها تلك المخلوقة العظيمة التي تهز السرير بيمينها، وتهز العالم بيسارها. حتى نصب الحرية في أمريكا والإلهة (كريشنا) في الهند تمثلهما امرأة،
فبرغم بعدها الإنساني الكبير، وتأثيرها على مجمل المشاهد الحياتية؛ تواجه المراة تحديات عديدة، خصوصاً في دول النزاعات المسلحة. وفي البلدان التي تعاني من انقسامات مذهبية وطائفية، وصراعات إيديولوجية؛ ما يضيّق عليها الخروج الشرعي، والمشاركة الفاعلة، ويكون سبباً في عدم اندماجها في الساحة السياسية. أضف إلى ذلك، تلك الموروثات الثقافية والاجتماعية، في مجتمعاتنا الشرقية الذكورية.
من هذا المنطلق، تكون المرأة أولى ضحايا غياب الدولة والمؤسسات وسيادة القانون، أي عند بروز قوى لا دولتية، تمارس الإكراه، بما فيه العنف المسلح تحت شعار ديني ومذهبي وعشائري بحت، والذي يروج لثقافة تستلِب من المراة كرامتها وإنسانيتها ومواطنتها، ويحيل النساء إلى سبايا في عصر الجواري، وأسواق النخاسة؛ فتتراجع الحريات، وتتآكل الحقوق، ويجري الارتداد عن مسار الإصلاح السياسي، والتحول الديمقراطي؛ ما ينجم عنه تحجيم دور النساء في العمل السياسي والوطني العام، عبوراً إلى تعريضهن لأنواع الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي؛ برغم أن المرأة تركت بصمتها السياسية منذ الأزل على المشهد السياسي والاجتماعي في المجتمع، مثل الملكة (بلقيس)، التي عرفت فترة حكمها بالازدهار والسلام والاستقرار، وممارسة حقيقية للديمقراطية مع شعبها، وتلك (هند بنت عتبة) من سيدات قريش، عرفت بحكمتها وسداد رأيها ؛ وكانت لها شهرة عالية قبل وبعد الاسلام، وهذه أم المؤمنين (خديجة الكبرى) رضي الله عنها، كانت أولى وزيرة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، تآزره على أمره؛ فخفف الله عنه بها. وفي فتح مكة نصب النبي محمد صلى الله عليه وسلم الراية عند قبرها، ليشعر المسلمون أن لهذه الزوج المخلصة دوراً كبيراً في نجاح الدعوة.
فمن المفيد أن تلعب المرأة دوراً هاماً في إنهاء الصراعات، وفي بناء السلام، والمشاركة الكاملة في كافة الجهود الرامية إلى إحلال السلام، لأن مشاركة المراة في مفاوضات السلام، وحل النزاعات؛ تؤدي إلى تحسين الاستجابة للجهود الإنسانية، وتعزيز الحماية واستدامتها، وتعزيز الانتعاش الاقتصادي، كما وتساعد على التصدي للتطرف والعنف. فلابد إذاً من دسترة مواطنة النساء في دولهن؛ من دون تمييز، واصلاح المنظومة التشريعية لحقوق المراة؛ لأن الدستور والقانون هما الرافعة الكبرى لكفاح المرأة، في سبيل حريتها الإيجابية، وكرامتها كإنسانة، ومواطنتها لتكون شريكاً ونداً للرجل في صنع السلام وبناء التوافقات الوطنية وتسهيل الانتقال الآمن إلى ضفاف الحرية والديمقراطية والاستقرار والسيادة التي تتطلع إليها الشعوب.
فتمكين المراة اقتصادياً، وهو شرط واجب لتمكينها سياسياً؛ لتعزيز قدرتها على التصدي لمحاولات القوى المتطرفة، التي تعمل على إشاعة خطاب الغلو والكراهية والتطرف، وأن يمر ذلك من خلال الإصلاح التعليمي والتربوي، الذي بات ضرورة ملحة غير قابلة للتأجيل، لأعداد أجيال تستطيع أن تمارس التفكير النقدي بشخصية مستقلة ومنفتحة على ثقافات وفلسفات وعلوم الانسانية، وتوفير الحماية الحقيقية للنساء والفتيات من الأقليات العرقية والدينية المختلفة، من مخاطر التصفية والتهجير والتغيير الديموغرافي لمناطقهن، ومكافحة الممارسات الضارة، والقوالب النمطية التي تفشت في ظروف النزاعات. فأينما وجد النزاع، فالمرأة يجب أن تكون جزءً من الحل…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى