قمة ألاسكا: كيف أثبتت واشنطن أنها بوابة موسكو إلى العالم

نيويررك – هيثم جسار – الأمم المتحدة
1- أهمية الحدث في ميزان العلاقات الدولية
زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ألاسكا ليست مجرد مشهد بروتوكولي، بل إشارة واضحة إلى أن موسكو، رغم كل خطاباتها المتحدّية، ما زالت ترى في واشنطن الطرف الذي لا يمكن تجاوزه. أي محاولة روسية للبحث عن “مخرج مشرّف” لا بد أن تمر عبر البيت الأبيض، وليس عبر بروكسل أو بكين. هذا بحد ذاته يعكس استمرار المكانة المحورية للولايات المتحدة كقوة أولى في صياغة القرارات الدولية.
2. الرسالة للداخل الأمريكي
اللقاء منح الإدارة الأمريكية ورقة سياسية مهمة في الداخل. فهو يقدّم ترامب أمام جمهوره المحلي كرجل قادر على إحضار بوتين إلى الطاولة الأمريكية بدلاً من الانحناء أمامه. مجرد انعقاد القمة على أرض أمريكية، وتحديدًا في قاعدة عسكرية في ألاسكا، رسالة ضمنية بأن روسيا هي الطرف الذي يسعى للاعتراف، بينما واشنطن تملك موقع القوة والاستقبال.
3. الأبعاد الإستراتيجية للأمن القومي
من منظور الأمن القومي الأمريكي، اللقاء يعزز الرقابة المباشرة على نوايا روسيا. من الأفضل لواشنطن أن تُبقي بوتين تحت الضوء الأمريكي، بدل أن تسمح له بتحويل مسار المفاوضات عبر أطراف وسيطة مثل الصين أو إيران. هذا النهج يجعل الولايات المتحدة في قلب أي عملية تفاوض محتملة، ويمنع أي اختراقات سياسية قد تضعف الموقف الغربي.
4. الرسالة إلى أوروبا وأوكرانيا
صحيح أن بعض الأوروبيين أبدوا قلقًا من اللقاء، لكن على المدى الطويل يرسخ الحدث مبدأ أن أمريكا وحدها هي القادرة على الضغط على روسيا أو استيعابها. وهذا يضع واشنطن في موقع “الضامن الوحيد” لمستقبل أوكرانيا، ويجبر الحلفاء الأوروبيين على الاصطفاف خلفها بدلاً من البحث عن حلول منفردة.
5. المكسب الإعلامي والدبلوماسي
المشهد الإعلامي – من السجادة الحمراء إلى السيارة الرئاسية – أعاد تثبيت صورة الولايات المتحدة كقوة قادرة على التعامل مع الخصوم من موقع الندّية والثقة. وبالرغم من أن روسيا حاولت أن تظهر بمظهر “الشريك”، إلا أن الواقع أن مجرد قبول بوتين بالقدوم إلى أرض أمريكية وفي ظروف زمنية قصيرة يكشف عن احتياج روسيا لإطار أمريكي أكثر من حاجة واشنطن لموسكو.
6. البُعد الاقتصادي والسياسي العالمي
في ظل صراع الطاقة والعقوبات، واشنطن استفادت من اللقاء لتذكير العالم بأن المفتاح الاقتصادي لروسيا موجود بيدها. فالأسواق العالمية تنظر بترقب إلى أي حوار أمريكي–روسي أكثر مما تراقب أي تقارب روسي–صيني. وهذا يمنح الولايات المتحدة ورقة ضغط إضافية في ضبط أسعار الطاقة ومنع روسيا من استغلال النفط والغاز كسلاح استراتيجي.
⸻
الخلاصة: واشنطن في موقع المبادرة
الزيارة الروسية إلى ترامب ليست انتصارًا لموسكو بقدر ما هي تأكيد على أن الولايات المتحدة ما زالت اللاعب الرئيسي في تحديد مصير الأزمات الدولية. من ألاسكا خرجت رسالة قوية: إذا أرادت روسيا أن تبحث عن مخرج من ورطتها، فإن الباب يمر عبر واشنطن لا غير.
هذه القمة، وإن بدت شكلية، منحت أمريكا مكسبًا سياسيًا وإستراتيجيًا، ورسّخت أنها صاحبة الكلمة الأولى في الملف الروسي–الأوكراني، وفي رسم معادلة الأمن الدولي لعقود قادمة.