في نيويورك دول تضيء المستقبل وفي لبنان “لايزر” كافٍ لهدمِه

نيويورك – سمر نادر – خاص النشرة – الأمم المتحدة
أغلقت الجمعية العامة أبوابها وراء القادة الذين غادر كلٌّ منهم الى دياره، لكنّ صدى كلمات بعضهم ما يزال يتردد في أروقة المنظمة الامميّة. أسبوع حافل بالمواقف الدوليّة ومسرحيّات سياسية لم تشهدها الأمم المتحدة منذ تأسيسها. صدفةٌ، خيرُ من ألف خطاب أكبَّ مستشارو القادة على كتابته، جعلَتْ من الرئيس الاميركي دونالد ترامب نجم الجمعية بعفويته، بعد ان تعطلت شاشة التلقين الآلي، فراح يتلو إنجازات اختلقها كي يقول للعالم: “انا زعيم العالم”؛ ونبّه الدول الاوروبية قائلاً لهم: “ستذهبون الى الجحيم، إذا ثابرتم على فتح باب الهجرة”؛ وطالت سهامه الصين والهند المموّلَين الرئيسيَّين للحرب الدائرة بمواصلتهما شراءَ النفط الروسي، متناسياً تمويلَ الولايات الأميركية لحرب اوكرانيا وسوريا وليبيا والعراق وفلسطين… واللائحة تطول.
تعطّل السلّم الكهربائي بالرئيس الأميركي، لكن لم تتعطّل مسيرته الاستعمارية، فاستأنف بحثه عن ضحية يروي منها جفاف آباره النفطية وخزانة الولايات المتحدة المثقلة بالديون، فانطلق الى البيت الأبيض لتحضير معركته ضد فنزويلا.
غزّة الغارقة بدماء أبنائها كانت الموضوع الأبرز الذي تناوله القادة في كلماتهم. واتفق العرب “معاً”، لأول مرة، على عدم تهجير الفلسطينيين من أرضهم. لكنّ كلمات قادتهم لم تكن مؤثرة ككلمات قادة أميركا الجنوبية، الذين تحدّوا الدول العظمى والعرب بضمائرهم حيال الإبادة الموصوفة التي يُمعن بها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في القطاع الدامي. ولهذا ألغت الحكومة الأميركية تأشيرة دخول رئيس كولومبيا غوستافو بيترو، وطلبت منه مغادرة نيويورك، بعدما حثّ الأخير الجنود الأميركيين على عصيان الأوامر، ودعا الى إنشاء قوة عسكرية دولية قادرة على تحرير فلسطين.
أما غبريال بوريك، رئيس التشيلي، فطالب بمحاكمة نتانياهو أمام المحكمة الدولية بتهمة الإبادة الجماعية في غزة، على غرار ما حدث في محاكمات البلقان وروندا.
في مؤتمر “حلّ الدولتين”، اعترفت مجموعة الدول الغربية والآسيوية واللاتينية والأفريقية بالدولة الفلسطينية، في حين حجبت بعض الدول صوتها مثل ماكرونيزيا والناورو وتشيكيا والمجر خوفاً من توقُّف فتات المساعدات التي تحصل عليها سنوياً من الولايات المتحدة.
حضر القادة الى الجمعية العامة، وامتلأت الكراسي لسماع كلمة الافتتاح التي ألقتها رئيسة الجمعية العامة، وكلمتَي الأمين العام للأمم المتحدة وترامب… لكنّ هذا المشهد تغيّر بشكل ملحوظ، خصوصاً عندما تحدثت دول العالم النامي مثل لبنان، والبوسنة، وبوركينا فاسو، وسوريا التي كان من المُتوقَّع ان يشهد حضور رئيسها وقعاً قوياً، لكنه جاء هزيلاً بسبب عدم إتقان الرئيس أحمد الشرع للّغات الأجنبية. وفي أول زيارة الى نيويورك، نالت منه قلّة خبرته البروتوكولية، “فزُعِبَ” من أمام مكتب الرئيس الفرنسي بطريقة دبلوماسية، ولم يلاقِ مَن يشاطره همّ سوريا الممزّقة سوى الرئيس الأوكراني فولوديمير زلنسكي “المصدوم” من تحوّل موقف الرئيس ترامب حيال قضيّته، وانضمّ الى قلقهما الشاعر أحمد شوقي الذي شكى معهما: “كلُّنا في الهمّ شرقُ”.
حضر الوفد اللبناني الى الجمعية بعدد قليل مقارنة بالوفود الماضية التي تجاوزت المئة شخص في عهدَي الرئيسين ميشال سليمان وإميل لحود. لكن الفاعلية كانت أقوى، على الرغم من أن كلمة الرئيس جوزاف عون لم تلامس الواقع السياسي اللبناني المأزوم. ولم يكن أمام عون سوى اللجوء الى تاريخ لبنان الدبلوماسي القديم المشرّف والاستعانة بشارل مالك، لتعمية النظر عمّا يدور في بلده من صراع حول “صخرة الروشة”، حيث انتحر الوفاق الوطني والتعايش الذي تغنى به الرئيس عون في الأمم المتحدة.
وبين مشاركة لبنان في الجمعية العامة ومشاركة فريق من اللبنانيين في احتفال مرور سنة على استشهاد السيد حسن نصرالله، انقسم الوطن بين مؤيد ومتعاطف ومستهزئ. وغدت “صخرة الروشة” مسرحاً “ومَكْسَر عصا” بين رئيس الحكومة وحزب الله، واشتعلت النكايات، وأصبح تجاوز هيبة الدولة عبارة عن “لايزر” يعبّر عن عاطفة جمهور حزب لبناني لزعيمه الراحل.
فبدل ان تكون معركة الحكومة والشعب ضد العدو الذي يتحضّر لجولة دمار جديدة في لبنان بعد الفراغ من معركة غزة، حسب مصادر عسكرية في واشنطن، إضافة الى الوثائق التي وصلت الى لبنان، والتي تتحدث عن قرار نتانياهو لاحتلال 17 قرية حدودية، وبدل ان تتجلّى كرامة وهيبة الدولة في توقيف الفاسدين، والقبض على المسبّبين في انفجار بيروت، وبدل ان يكتب رئيس الحكومة مذكرة توقيف بحق من ابتلع جنى عمر اللبنانيين في المصارف، وبدل إلهاء الشعب اللبناني بالتحضير لانتخابات تعيد أغلب زعمائه الى البرلمان، وبدل ان ينسحب القسم الأكبر من الشعب من ساحات القتال على وسائل التواصل لصالح مشروع ينعش الحياة الاقتصادية وبدل… وبدل…
صارت “صخرة الروشة” مسرحاً لفرض السيادة والدستور في بلد صدّر الأبجدية والقوانين الى العالم، لكنّه لم يحيَ يوماً باسم دولة القانون، وهيهات منّا العدل!.