الحرب الروسية الاوكرانية- تطورات تضعف موقف بوتين وترفع رصيد زيلينسكي وتقلق العالم.

أ د / دحان النجار
التطورات الأخيرة في الحرب الروسية الاوكرانية شكلت انتكاسة حقيقية للجيش والامن والقيادة السياسية الروسية.
تفوق الجيش الروسي في سلاحه الجوي والصاروخي وضرب اهداف عديدة داخل اوكرانيا حتى يبدو انه استنفد بنك اهدافه في الحرب التقليدية من ضرب القواعد العسكرية ومنشآت البنية التحتية ومراكز القيادة والتحكم ومخازن الأسلحة وطرق الامداد ، مستخدما الاجيال الحديثة من الصواريخ المتعددة الأطوار والأشكال بما فيها الفرط صوتية التي يشتهر بها الجيش الروسي وسيلا من المسيرات التي كان يفتقر اليها في بداية الحرب في فبراير ٢٠٢٢ وهذا العنصر بالإضافة الى امتلاكه الردع النووي تمثل عناصر تفوقه الاستراتيجي على الجانب الاوكراني.
أوكرانيا تكيفت مع هذا الوضع القتالي والعملياتي وابتكرت وسائل تخفي متعددة في حركة جيشها والياتها وتخزين عتادها واستقبال الجديد منه تبعدها عن الرصد الروسي الى حدا ما وهذا ما يثبته صمود جيشها العنيد على الجبهات الامامية بالرغم من التقدم الروسي المحدود في المواجهات الاخيرة وكثافة النيران إلا ان الجيش الاوكراني يقاوم بشراسة .
الجانب الاوكراني تفوق ايضا في عمله الاستخباراتي والعملياتي داخل الأراضي الروسية الشاسعة منذ بداية الحرب حيث نفذ عمليات اغتيال لقيادات عسكرية وسياسية واعلامية في العاصمة موسكو نفسها وفي بيترسبورغ وغيرها بالإضافة الى استهداف مواقع عسكرية واقتصادية حساسة في العمق الروسي تزداد تاثيراً نوعيا مع اطالة امد الحرب وكان اخرها العملية العنكبوتية في الاول من يونيو الحالي التي غطت العمق الروسي على امتداد اكثر من خمسة الاف كيلو متر طولا وحوالي الفي كيلو متر عرضا واستهدفت الجسور وطرق الامداد واهم قواعد الثالوث النووي الاستراتيجي في البلاد وشكل ضربة مهينة ومؤلمة للجيش الروسي والمخابرات والقيادة السياسية الروسية ستكون لها تبعاتها وانعكاساتها الداخلية السلبية سياسيا واجتماعيا لانها كشفت عن ضعف وهشاشة الجبهة الداخلية الروسية وتبشر باختراقات اخطر في الايام القادمة ، أضف إلى ذلك استهداف جسر القرم اليوم بمسيرة تحت الماء أدت إلى اغلاقه وهذه العمليات لا يمكن ان تتم بهذه الدقة دون تعاون استخباراتي إنساني على الارض او تواطؤ من جهات متذمرة من سياسة الرئيس بوتين في الجيش والمخابرات والأوساط الشعبية وتعمل على إفشاله على طريق الإطاحة به بعد ان يخسر زخمه وكارزميته في الأوساط الشعبية ما يسهل عملية الانقلاب عليه وعلى نظامه مستقبلا.
التفوق الاستخباراتي وتجنيد الطابور الخامس الداخلي هما سلاحان فتاكان لاسقاط اي نظام من الداخل بكلفة أقل وبفعالية اكبر وزمن قياسي اسرع مهما كان ذلك النظام وجيشه متسلحا بأقوى الأسلحة التقليدية وأسلحة الردع النووي، وهذا ما يبدو عليه تحرك الجانب الاوكراني مدعوما استخباراتيا من حلفائه في حلف الناتو ، مع ان الأراضي الروسية الشاسعة والحدود البرية والبحرية مع عدد كبير من الدول تشكل عبئا امنيا واستخباراتيا عليها ويسهل الاختراق الخارجي.
الرئيس بوتن بعد العملية العنكبوتية الاخيرة يبدو انه فهم الدرس تماما ولذلك لم يكن رده مفرطا وباسلحة تكتيكية تدميرية قد تقود إلى رد فعل غربي كما توقع البعض بل انه اكتفى بكثافة النيران والهجمات إلى الان وربما قرر العودة إلى الداخل لتصحيح وضع جبهته الداخلية التي ما ان تعافت بعد انقلاب ” فاغنر” في يوليو ٢٠٢٣ حتى بدأت بالتململ حاليا.
بحسب معلومات استخباراتية اثناء تمرد او انقلاب فاغنر من اصل ٤٦ مقاطعة روسية انحازت ١٧ منها لفاغنر وزعيمها بريغوجين و٨ مقاطعات التزمت الحياد و٢١ دعمت بوتين وهو مؤشر خطير على نمو المعارضة لسياسته وقد يتكرر تمرد مماثل او اقوى منه عند حصول إخفاقات امنية وعسكرية على غرار العملية العنكبوتية الاخيرة التي يبدو انها كانت منسقة مع قوى داخلية تهدف في آخر المطاف إلى اسقاط الرئيس بوتين.
الغرب والعالم كان مطمئنا إلى حدا ما تجاه رد بوتين العسكري على العملية العنكبوتية وكان يراقب تموضع القوات الاستراتيجية التي لم تتحرك من مواقعها قبل وبعد الضربة مع علمه بحدوثها بما في ذلك الرئيس ترامب تم إبلاغه بها مسبقا حسب بعض المصادر الإعلامية ويقال بان الصين التي لاتريد نزاعا عالميا مسلحا وهي الحليف الأقرب الى روسيا نصحت الرئيس بوتين بعدم اللجوء الى سلاح الردع النووي خوفا من جر حلف الناتو الى المعركة الذي يبدي حزما شديدا تجاه روسيا وبالتالي جر الجميع الى حرب عالمية مباشرة، لكن من غير المحتمل ان تسمح بهزيمة روسيا لانها تعرف بان الدور القادم عليها.
ومع كل هذه المحاذير لا يستبعد ان تحصل تطورات قد تقود إلى التفجير الشامل حتى ولو عن طريق الغلط وتشير بعض التوقعات إلى ان الرئيس بوتين كي يحفظ ماء وجهه وهيبة الجيش الروسي قد يرتكب حماقة ويرد ردا قاسيا على أوكرانيا بعد لملمة وضعه الامني والعسكري الداخلي مع ان هذا الاحتمال يظل ضعيفا ولكنه غير مستبعدا.
ومن اهم عوامل القوة لدى القيادة الاوكرانية هو عامل التماسك الداخلي الامر الذي يقودها إلى محاولات اختراق الجانب الروسي مستندة إلى وحدة داخلية متينة ولكن هذا لا يعني انها في احسن حال حيث وان معظم منشآتها مدمرة واقتصادها منهك وخسائر ها البشرية كبيرة جدا وكل ما تراهن عليه هو الدعم الغربي الغير محدود وحلم دخول الاتحاد الاوروبي وتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية الاروبية وربما الانضمام إلى الناتو .
إذا استسلم الرئيس بوتين للأمر الواقع ولم يرد ردا رادعا فقد تستمر أوكرانيا بمساعدة خلفائها في توجيه ضربات داخلية في العمق الروسي وفي مراكز حساسة وهو خيارها الرادع الأفضل من اجل قلب المعادلة وإجبار بوتين على الدخول في محادثات سلام جادة وتقديم تنازلات مختلفة لصالحها كان يرفضها في الماضي القريب وقد يشدد الغرب من العقوبات على روسيا وبموافقة الرئيس الاميركي دونالد ترامب هذه المرة بعد ان خاب ظنه بالرئيس بوتين.
عموما روسيا والرئيس بوتين امام خيارات صعبه في الوقت الراهن فإما ابتلاع ما حصل والانكماش إلى الداخل وتامين الجبهة الداخلية والاستعداد لمنع ضربات مماثلة مستقبلا وتجنب نتائجهاالسلبية الداخلية وهذا يقتضي تقديم تنازلات على جبهات القتال مع أوكرانيا وداعميها وتصرف كهذا سيفقد روسيا وجيشها وسلاحها الهيبة الداخلية والخارجية وتخرج روسيا من نادي الكبار اللاعبين على المسرح العالمي وإن استمرت فيه تكون هي اللاعب الأضعف او يقوم الرئيس بوتين في مغامرة الردع القاسي وادخال روسيا والعالم في وضع جديد لا يحمد عقباه ولكنه من وجهة نظري الاقل احتمالا .
والاحتمال الأكبر ان تقبل روسيا وبمساعدة بعض الدول النافذة عن مخرج مشرف عبر القنوات الدبلوماسية كانت ترفضه من قبل وتعود قيادتها إلى الداخل لضمان سلامته وتأجيل المعركة الحاسمة مع أوكرانيا الى اشعار آخر قد لا يكون على عهد الرئيس بوتين.
واعتقد ان الجانب الغربي الذي يراقب الوضع عن قرب وبحزم سوف يعمل على عدم استفزاز روسيا حد دفعها لتفجير العالم وسوف يقدم لها تنازلات تحفظ ماء الوجه ويعطيها مبرر ا للدخول في عملية سلام جادة بعد تقليم مخالبها ويظل وضعها الداخلي مفتوح على كل الاحتمالات الايجابية والسلبية معا.
د.دحان النجار ميشجان ٣ يونيو ٢٠٢٥.