إحاطة الأمم المتحدة يوم الجمعة تناولت في بدايتها تطرّقا إلى الإصلاحات الإدارية والهيكلية داخل الأمم المتحدة،

نيويورك – زينة بلقاسم – ألأمم المتحدة
قدّم المتحدث الرسمي باسم الأمين العام، “ستيفان دو جاريك”، ظهر يوم الجمعة في الساعة 12:00 ظهراً (بتوقيت نيويورك) إحاطة صحفية موسّعة تأتي ضمن سلسلة الإحاطة الصحفية اليومية للأمم المتحدة، اذ تناولت في بدايتها تطرّقا إلى الإصلاحات الإدارية والهيكلية داخل الأمم المتحدة، في سياق مبادرة UN80، بما في ذلك خفض التكاليف وتحسين العمليات وتقليص الازدواجية في البعثات، وتعزيز التنسيق بين وكالات المنظمة. وأشار إلى أن هذا الأمر سيساعد في تخصيص مزيد من الموارد للحقول الميدانية حيث تُستَحقّ فعلاً.
وذهب بعدها إلى مستجدّات في عدة جبهات بالعالم، من الشرق الأوسط إلى أفريقيا وآسيا، مع التركيز على الأوضاع الإنسانية والحالات التي تحتاج إلى استجابة عاجلة.
من بين المحاور التي تناولها الأزمات الإنسانية المتفاقم، حيث أشار إلى أن عددًا كبيرًا من الدول تشهد تدهوراً في الوضع الأمني والإنساني، مع أنظمة رعاية صحية متهدمة، وانقطاع سُبُل الإغاثة، ونزوح داخلي واسع، وارتفاع في مستوى خطر المجاعة في بعض المناطق. وعرج عن التقييم المرحلي لجهود الأمم المتحدة التي تعمل بمبادئ ثلاثية وهي حفظ السلم والأمن، حقوق الإنسان، والتنمية المستدامة. وقال إن الأمم المتحدة تُركّز على “التنفيذ العملي” وليس فقط “الإعلانات الكبرى”. وأكد أن هناك تحوّلًا مطلوبًا في كيفية تنظيم عمل المنظمة، ليصبح أكثر فاعلية وأقل تكراراً، وهو ما ورد في منطلقات إصلاح “UN80” التي بحثها الأمين العام في الجمعية العامة. كما وتطرق بإسهاب إلى أوضاع الشرق الأوسط التي أخذت الحصة الأكبر من الإحاطة مع تركيز الصحفيين على أسئلة متعلقة بالأحداث الراهنة التي تشغل العالم. فتحدث “ستيفن دو جاريك” عن الحرب في غزة، وعن تداعياتها الإنسانية، وعن الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتوفير المساعدات، والحفاظ على الحُدود الإنسانية الأساسية. كما أشار إلى أن انتهاكات القانون الدولي الإنساني تُشكّل تهديداً متزايداً لمبدأ الحماية المدنية. وفي هذا السياق، أكّد أن المنظمة تتابع أيضاً الأوضاع في العراق وسوريا واليمن، خصوصاً في المناطق التي تشهد نشاطاً عسكرياً أو نزاعاً مسلحاً. وبالحديث عن أزمة اليمن طرحت عليه السؤال عن موظفي الأمم المتحدة الذين وقعوا أسرى في أيدي منظمة أنصار الله الحوثي وعن ما إذا كانت هناك قنوات تواصل معهم لطلب الافراج عنهم، وفيه أوضح المتحدث بأن الأمم المتحدة تتابع بقلق شديد “الادعاءات الموجّهة ضد موظفيها والمنظمات الإنسانية” في اليمن، وخاصة ما يتعلق بالجهات التي تسيطر على العاصمة صنعاء والمناطق الشمالية. وبين أن عدد موظفي الأمم المتحدة المحتجزين أو المعرّضين للاعتقال أو الاختطاف لا يزال مرتفعاً، وأن بعضهم محتجز منذ سنوات. فعلى سبيل المثال، في وقت سابق تم الإفراج عن موظف واحد فقط في بداية أكتوبر بعد احتجازه لدى الحوثيين، بينما لا يزال نحو 50 إلى أكثر من ذلك من موظفي الأمم المتحدة موقوفين أو معتقلين في مناطق الحوثي. وأكّد أن لا قنوات تفاوض معلنة أو “اتفاقيات معروفة” لتحرير هؤلاء الموظفين حتى اليوم وبأن المساعي ستكون حثيثة للتوصل إليهم. وفي الوقت نفسه أكّد في الوقت ذاته أن الأمم المتحدة تدعو إلى “الإفراج الفوري وغير المشروط” عن جميع موظفيها، وشدّد أن الاتّهامات التي تُوجّه للمنظمة بأنها تعمل “كذراع تجسّس” من قبل بعض الأطراف هي خطيرة وغير مقبولة.
لكنه وفي نفس الوقت لم يقدّم المتحدث جدولاً زمنياً محدداً لتحرير الموظفين المحتجزين في اليمن، أو تفاصيل عن الأطراف التي تُجرى معها المفاوضات، أو حتى ما إذا كانت توجد وساطة أم لا. ولم تشر إحاطته إلى أي “اتفاق موقّع” أو توقيع على محضر تفاوض بين الأمم المتحدة والحوثيين أو أطراف ثالثة بشأن هؤلاء الموظفين. كما ولم يعلن استئنافاً علنياً للأنشطة في المناطق التي تمّ تعليقها مثل محافظة صعدة، واستمرار بعض العمليات محلياً تحت مراقبة الأمم المتحدة حيثما أمكن. و أ خيرا لم تُفصّل الإحاطة الإيرادات أو الأرقام الجديدة للتمويل الإضافي نتيجة هذا الوضع، رغم الإشارة إلى “ضغوط تمويلية” تتزامن مع توسع الأزمات الإنسانية.
من خلال ما ورد في الإحاطة وتصريحات المتحدث، يمكن القول ان منظمة الأمم المتحدة وبالرغم من أنها عنصر يهتم بالعديد من القضايا الدولية وتسعى الى الوصول لحلول للنزاعات الا انها تواجه العديد من التحديات مثل خطر تعطّل العمليات الإنسانية بسبب الاعتقالات والاحتجازات وغياب ضمان الحماية في بعض المناطق، بات الكثير من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى عرضة للانتهاكات أو التوقيف غير القانوني.
كما تدخل السياسة في المجال الإنساني، فعندما تُوجّه اتهامات على نطاق واسع للمنظمة بأنها تمارس أنشطة تجسس أو تُشارك في الحرب، فإن ذلك يضعف شرعية العمل الإنساني ويثير مخاوف مانحين وشركاء ميدانيين.
وأيضا ضعف الآليات التنفيذية، حيث إنه رغم الخطط والحوارات، فيبدو أن هناك فجوة بين إعلان النوايا وبين التمثيل العملي على الأرض، سواء في حرية الحركة أو احترام الالتزامات من الأطراف المحلية.
نجد أيضا أزمة التمويل والاستجابة التي تتزامن مع تزايد الأزمات في أكثر من منطقة مثل: غزة واليمن والسودان وأفريقيا الوسطى دون الغفل عن ذكر أوكرانيا، يواجه النظام الأممي تحدي تجميع التمويل الكافي لضمان تنفيذ البرامج، وهو ما أكّده المتحدث بإشارة إلى “حافة الانهيار في العمل الإنساني”.
إذا تطرقنا الى كل ا ورد في الأعلى فلا ننسى الأهم و هو لإرادة السياسي، فتحرير موظفي الأمم المتحدة وتيسير وصول المساعدات يتطلب إرادة سياسية من الدول المعنية، وهو ما عبّر عنه المتحدث بأن الأمم المتحدة حين قال“ الأمم المتحدة مستعدة للتعاون، لكن القرار ليس بيدها وحدها”.
ويُعد اليمن اختباراً حاسماً للأمم المتحدة، اذ ان قضية موظفي الاخيرة المحتجزين لدى الحوثيين تتجاوز مجرد قضية أمنية أو إدارية، فهي تمثّل مؤشّراً صارخاً على قدرة المنظمة على حماية موظفيها وضمان استمرار عملها في مناطق النزاع وترجع الأسباب الى ان اليمن يعدّ أحد أكبر عمليات الإغاثة في العالم، مع ملايين من المحتاجين، وكانت الأمم المتحدة وشركاؤها تحاول منذ سنوات الوصول إلى طرفي النزاع لتخفيف الأزمة الإنسانية. ويُضعف احتجاز الموظفين وإغلاق المقرّات أو مصادرة المعدات الثقة في قدرة الأمم المتحدة على ضمان حماية العاملين، ما قد يؤدي إلى انسحاب منظمات وعدم مقدرة على تقديم المساعدة. كما ان التصعيد في اليمن لا يعتبر معزولاً، فله آثار على ملف غزة، وعلى أمن البحر الأحمر والشرق الأوسط، وعلى مسار المساعدات التي تعتمد على استقرار المناطق المحاذية لليمن.
وإذا تمكنت الأمم المتحدة من إيجاد حل يحرّر الموظفين ويُعيد تشغيل مقراتها بكاملها تحت حماية قانونية، فسيكون ذلك نقطة تحول ليس فقط لليمن، بل لعملها الإنساني في جميع مناطق النزاع. أما إذا ما فشلت، فقد يُعتَبر ذلك انهياراً وظيفياً في مهمتها كوسيط دولي وفاعل إنساني.
و بالتالي يمكن القول بأن إحاطة ظهر يوم الجمعة من قبل المتحدث الرسمي باسم الأمين العام قدّمت صورة واضحة لمجموعة من الأزمات المتداخلة، لكنها في الوقت نفسه كشفت عن فجوات أساسية في عمل الأمم المتحدة، لا سيما في ما يتعلق بحماية موظفيها وضمان تنفيذ التزاماتها في ميادين النزاع.
أما السؤال الذي طرحته حول موظفي المنظمة المحتجزين لدى الحوثيين فظلّ معلّقاً دون إجابة واضحة أو جدول زمني معلن، ما يعكس أن ملفاً من أهم الملفات الإنسانية لا يزال في طور «المتابعة والتفاوض»، وليس بعد «الإنتاج والتنفيذ».
في عالمٍ يُطالب فيه الجميع بتقديم النتائج، فإن الأمم المتحدة اليوم مطلوبة أكثر من أي وقت مضى لإظهار قدرتها على حفظ حياة موظفيها كما تحفظ حياة المحتاجين، وعلى تحويل البيانات إلى حماية فعلية، والخطب إلى تحرّك على الأرض. وليس أمامها خيار آخر سوى محاولة النجاح في اليمن الذي قد لا يكون مجرد نجاح محلي، بل مفتاحاً لاستعادة مكانتها في الضمان الدولي للسلام والمساعدات.