مريم نور .. فنجان قوّة من اليمن!

✍️ خالد الرويشان

كنا في حراز وكانت مريم نور تشهق مرتاعةً عند كل شاهقة .. وتتنهد ملتاعة عند كل إطلالة! .. كانت تهتف : هنا فقط يقال ياجبل مايهزّك ريح!

مريم نور أشهر من أن تُعرّف ..اللبنانية الفيلسوفة صاحبة البرنامج اليومي الشهير في التلفزيون اللبناني new tv
تملك وتدير مستشفى فريدا من نوعه في جبل لبنان للعلاج بالتأمل والتنفس ..والأرز الأسمر!
عالجت مريم نور العديد من الشخصيات العالمية والعربية .. وزارت العالم كله ..

عندما دخلت زائرةً لصنعاء القديمة في السادسة صباحا خلعت نعليها ومشت حافية! قالت : أريد أن ألامس جسد هذه المدينة! كانت تطوف أزقتها متبتلة هائمة ..كأنها تتشرب ندى جدرانها وشرفاتها .. كانت مفتونة بعواجيز المدينة المتلفعين بشيلانهم وهم يشربون البن مع اشعة الشمس الأولى ..ورائحة البرعي والكباب تملأ الروح في صباح باردٍ لا يُنسى!

في المساء كانت مريم نور في مسرح الهواء الطلق في صنعاء القديمة أمام الآلاف من معجبيها ومتابعيها تتحدث عن الحياة والحب وأسرار الصحة والسعادة ..

في صباح اليوم التالي كنا في الطريق إلى المحويت ، توقفت مندهشة أمام قرية على صخرة! وكان مبعث دهشتها أن القرية كلها بلا أساسات!
وسألتني كيف ذلك؟ ..ولم تكن لدي إجابة للأسف! وطوال الطريق لم تكف عن إبداء دهشتها من الحصون والقرى المعلقة ومما تراه وما تسميه : قوّة انسان هذه البلاد!
وعندما وصلنا إلى الريادي لم تتمالك نفسها! .. جثت على ركبتيها كأنها تصلي! ..كانت مذهولة مما تراه. .القرى الغائمة على الذرى شاردةً وحيدةً ساهمةً ..
قلت لها : هذه الريادي أسماها الشاعر العربي الكبير سليمان العيسى قصيدة الله!
قالت : لقد زرت العالم .. زرت الهملايا ..لم أجد مثل هذا المشهد! ..
وأكملت : صحيح هناك طبيعة شاهقة في العالم لكن لا تأثير للإنسان فيها كما هو هنا! ..هنا عشرات القرى في ذرى منقطعة مثل سكاكين مشرعة في الفضاء .. هنا كدْحُ الآنسان وكفاحه ..وحده اليمني قاهر الطبيعة .. يالها من قوّة ..يالها من إرادة!
وأكملت : الريادي أروع من الهملايا!

في طريق العودة وهي تتأمل الرجال والنساء في الحقول التفتت فجأة وهي تقول:
لاحظتُ أن أجساد اليمنيين ناحلة وصغيرة بشكل عام ..وهذه هي الصحة!
ضحكت من قولها .. وقلت : أمّا هذه فغير معقولة!
قالت بحسم: ماهي فائدة الأجساد الضخمة؟ الأجساد الضخمة تتعب القلب وتقصّر العمر!
وأضافت : اليمنيون يعتمدون على الحبوب ..وهذا سر رشاقتهم وصحتهم ..تماما مثل أجساد الصينيين والهنود!

ووصلنا كوكبان للغداء .. وكان الترتيب أن يكون الغداء قد سبقنا من منزلي في صنعاء .. وتنفيذًا لفلسفة قواعد مريم الصحية فقد كان الطعام كله في أوانٍ فخّارية .. أي من الطين! .. فهي تعتقد أن الطين هو القوة والصحة ..والطبيعة ..وأن الانسان ابن الارض ..أي الطين!

في المقيل أخذت مريم نور ورقتَي قات بين إصبعيها وقالت : هذا نبات له علاقة بالتنفس والشعور بالارتياح! ..إنّ شكل الورقة يشبه الرئة! ..هل ترون الشعيرات! .. إنها نفس شعيرات الرئة!
كنا نستمع إليها مذهولين! .. ولعلها أحسّت باستغرابنا .. فأضافت:
كل شعب في العالم له مكيّفاته! .. هناك الخمور وأنواع النبيذ في الغرب .. وفي الهند والصين هناك المئات من النباتات المكيفة! .. في كل مكان .. فلا تخجلوا من القات! .. فقط تخلصوا من الكيماوي القاتل والممنوع المضاف عليه!

عندما عادت إلى بيروت وفي برنامجها الشهير “فنجان قوة” تحدثت عن اليمن في حلقتين متتاليتين كما لم يتحدث أحد .. غيّرت ديكور البرنامج وأصبح يمنيا خالصا .. سنابل القمح وأنواع الذرة والفخّار والأقمشة التهامية الزاهية ..
ولم تفكر الفضائية اليمنية حتى أن تعيد بث الحلقتين! ..بل لم تذع حلقات خاصة ..حوالي ثلاثين حلقة عن اليمن كل حلقة ربع ساعة سجلتها مريم نور بمبادرة منها في يومين في التلفزيون في صنعاء ومجانا! .. وأهدتها للفضائية!

ماتزال مريم نور مبهورةً مسحورةً باليمن .. ولن أنسى أبدا شعرها الابيض الطائر في الحطيب حراز .. أو منظرها المهيب وهي تجثو على ركبتيها متبتلة في الريادي!

من صفحة الكاتب على الفيسبوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى