مأساة موظفي السفارة الأمريكية في اليمن.. 120 عائلة عالقة بين ملاحقات الحوثيين وانتظار ” على أمل “

عين اليمن الحر
يواجه اليمنيون الذين عملوا في السفارة الأمريكية لدى اليمن أوضاعًا قاسية ومريرة، إذ يعانون من ظروف أمنية خطيرة داخل البلاد، ومن تمكنوا من المغادرة تعرضوا للخذلان ومعظمهم عالقون بوضع مجهول و بوعـود “أمـل كـاذب”.
وكانت السفارة الأمريكية بصنعاء قد أخلت موظفيها الأمريكيين والأجانب من اليمن في فبراير من العام 2015، وباتت تدير أعمالها حاليا من خارج اليمن، لكنها أبقت على موظفيها المحليين، ومعظمهم في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي منذ أواخر العام 2014.
وخلال السنوات الماضية واجه هؤلاء الموظفين المحليين أوضاعا أمنية خطيرة وتهم متعددة حيث بات عملهم مع السفارة الأمريكية بمثابة وصمة عـار، وتعرض عدد من هؤلاء للإعتقال والإقامة الجبرية في صنعاء، بتهمة عملهم السابق مع السفارة.
عالقون يوجهون الخذلان
مع تزايد المخاطر الأمنية على الموظفين المحليين للسفارة الأمريكية في الداخل اليمني، شجعت السفارة هؤلاء الموظفين على مغادرة اليمن، وحددت لهم القاهرة منطقة عبور، على أن يتم ترتيب أوضاعهم من خلال إعادة توطينهم عبر برنامج (USRAP) إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وبناء على نصيحة السفارة وصل العشرات من الموظفين اليمنيين إلى العاصمة المصرية القاهرة خلال السنوات الماضية، تمكن عدد بسيط من هؤلاء الموظفين من مغادرة القاهرة إلى أمريكا، لكن العشرات لا يزالون عالقين حالياً، يواجهون مصيراً مجهولاً وخذلاناً مريراً.
ونتيجة طول مدة انتظار هؤلاء الموظفين في القاهرة، تفاقمت معاناتهم وخاصة بعد أن شرعت السفارة الأمريكية بتسريح العشرات منهم.
يقول مصدر دبلوماسي يمني لـ”المصدر أونلاين” إن السفارة الأمريكية سرحت منذ العام 2018، العشرات من موظفيها المحليين في اليمن، كما قامت بتسريح عدد من الموظفين الذين استدعتهم مؤخرا إلى القاهرة بغرض ترتيب سفرهم إلى أمريكا على دفعات، آخر دفعة كانت تضم 22 موظفا تم تسريحهم في شهر ديسمبر نهاية العام الماضي 2024.
وبحسب المصدر فإن الموظفين المحليين للسفارة الأمريكية بشكل عام يواجهون ظروفا قاسية، حيث يحتجز الحوثيون 16 موظفا عملوا في السفارة، في حين عدد من هؤلاء الموظفين رهن الإقامة الجبرية في صنعاء، ونحو 120 موظفا سابقا عالقين منذ وقت طويل في القاهرة.
ظروف نفسية ومعيشية قاسية
في مناشدة إنسانية أطلقها بعض العالقين، أكدوا قائلين: “نحن 570 فردًا من الموظفين المحليين السابقين في السفارة الأمريكية بصنعاء، موزَّعين على 120 أسرة بينهم 200 طفل، عالقون في مصر منذ سنوات بعد خدمتنا للولايات المتحدة بكل إخلاص”.
وأكدت المناشدة أن هؤلاء العالقين يواجه 70 بالمائة منهم وضعا إنسانيا صعبا إذ لا تملك أسرهم سوى وجبة واحدة يوميًا، كما يواجهون المرض بلا علاج كاف، وأن نحو 80 بالمائة من أطفالهم خارج المدارس.
وبحسب المناشدة فان 50 بالمائة من هؤلاء العالقين مهددين بالطرد من الشقق التي يسكنون فيها نتيجة عجزهم عن دفع الإيجارات، إلى جانب معاناة كثير منهم من الوضع القانوني حيث شارفت إقاماتهم على الانتهاء.
وناشد هؤلاء العالقين الحكومة الأمريكية، بالتدخل الفوري لحل مشكلتهم عبر استئناف برنامج إعادة التوطين (USRAP) وإنقاذ أرواحهم قبل أن يكتب فصل جديد من المأساة.
شهادات مؤلمة..
يقول أحد الموظفين لـ”المصدر أونلاين” إنه وصل القاهرة برفقة عائلته، بناءً على وعود لترتيب هجرته إلى أمريكا، لكنه فوجئ أثناء تواجده في القاهرة بقرار تسريحه من وظيفته.
وأضاف، مشددا على عدم ذكر اسمه، لأن السفارة الأمريكية تنزعج من حديثهم للإعلام – حسب قوله- أنه يواجه حاليا مع أسرته وضعا صعبا، حيث لا يمكنه العودة إلى منزله بصنعاء بسبب التهديدات الأمنية حيث أن تهمته الوحيدة عمله مع السفارة، كما أنه يواجه وضع نفسي صعب و اقتصادي مزري نتيجة طول الانتظار دون مساعدة وبلا أفق.
يقول موظف أخر من العالقين، لقد صدقت وعود السفارة وغادرت صنعاء مع اسرتي، والآن نمر بوضع صعب للغاية، أولادي خارج المدرسة، ولا أستطيع توفير إيجار السكن، وأحيانا لا أملك قيمة وجبة الغداء لإشباع جوع أطفالي.
وأشار قائلاً: “لو كنت بصنعاء كنت سوف أتعرض للاعتقال لوحدي، وسيظل أولادي في المنزل والمدرسة، الآن أنا والأسرة كاملة عالقون كأننا في سجن وأسوء من ذلك”.
أمـل كاذب..
في الثالث عشر من أغسطس الفائت، التقى عالقون في القاهرة القائم بأعمال السفير الأمريكي لدى اليمن جوناثان بيتشيا ونائبته – عقب حضوره حفلة عرس يمنية – بهدف مناقشة الوضع الإنساني الحرج الذي تواجهه أسر هؤلاء العالقين.
يقول بعض العالقين، رد السفارة الأمريكية كان صادما.. حيث أكدت أنه لا يوجد أي جدول زمني واضح أو تأكيدات بشأن استئناف برنامج إعادة التوطين، نتيجة السياسات الأمريكية الحالية التي أثرت على كافة برامج الهجرة إلى الولايات المتحدة، وأن أي استئناف محتمل للبرنامج سيكون بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة.
ووعدت السفارة بمتابعة القضية وأنها ستواصل تذكير واشنطن بوجود مجموعة من الموظفين السابقين العالقين في مصر، لكنها في الوقت ذاته نصحت هؤلاء العالقين بعدم التعلق بـ “أمل كاذب” (False Hope) والبدء في البحث عن بدائل عملية لتحسين ظروفهم المعيشية.
وصمة أخلاقية وقانونية
ترى خبيرة يمنية أمريكية، أن الموظفين اليمنيين الذين عملوا في السفارة الأمريكية لسنوات طويلة وكانوا واجهة للتعاون اليمني الأمريكي، يواجهون اليوم اتهامات جاهزة بـ”العمالة” في الداخل اليمني، في حين تُرك العشرات منهم عالقين في مصر، الأمر الذي يمثل وصمة أخلاقية وقانونية ينبغي معالجتها فوراً، لا تبريرها بالذرائع.
وقالت لطيفة جامل رئيس المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) لـ”المصدر أونلاين” إن مأساة موظفي السفارة الأمريكية اليمنيين العالقين في مصر لم تبدأ من القاهرة، بل تعود جذورها إلى صنعاء، حين أغلقت السفارة أبوابها في 2015 مع تصاعد الحرب.. هؤلاء الموظفون خدموا لسنوات طويلة في بيئة معقدة، كانوا واجهة التعاون الأميركي – اليمني، وبذلوا جهدهم رغم المخاطر، لكن مع انهيار مؤسسات الدولة وسيطرة الحوثيين على العاصمة، تحوّلوا إلى هدف مباشر للاعتقالات، الإخفاء القسري، اتهامات جاهزة بـ”العمالة”، وتعرض بعضهم للتعذيب والمحاكمات الصورية.
وأكدت جامل، وهي خبيرة يمنية أمريكية متخصصة في حقوق الإنسان والإصلاح السياسي والعدالة الإجتماعية، أنه وأمام هذا الممارسات والانتهاكات، جرى إجلاء بعضهم إلى مصر عام 2024، بوصفها “محطة عبور”؛ ووفق الوعود الرسمية التي تلقوها، كان يفترض أن تستمر رحلتهم نحو الولايات المتحدة خلال ستة إلى تسعة أشهر عبر مسار إعادة التوطين كلاجئين لا كموظفين (وفقا للقانون الأمريكي يمنح موظفيها الذين عملوا لأكثر من 15 عاما حق الإقامة الدائمة في الولايات الأمريكية)، وزارة الخارجية الأميركية نسقت مع منظمة الهجرة الدولية وقدّمت مبالغ رمزية للمساعدة المؤقتة.. لكن سرعان ما تآكل هذا الوعد، ومع وصول الإدارة الأمريكية الجديدة للبيت الأبيض وفرض حظر جديد على دخول اليمنيين إلى أميركا، تجمدت ملفاتهم وعلق مئات الأشخاص في القاهرة.
وبحسب الخبيرة اليمنية الأمريكية، فان أكثر من 100 عائلة لهؤلاء الموظفين في مصر، تعيش حاليا بلا وضع قانوني واضح، لا يستطيعون العمل، ولا يستطيع أطفالهم دخول المدارس، والديون تتراكم عليهم بسبب رسوم الإقامة وإيجارات المنازل.
واعتبرت أن معاناة هؤلاء ليست قضية إدارية عالقة، بل اختبار لإنسانية الدولة التي ادّعت وتدعي مراراً أنها تقف مع من يخدمها.. مؤكدة أن ترك موظفي السفارة الامريكية السابقين وأطفالهم محاصرين في مصر بلا أفق، بعد أن خاطروا بسلامتهم في خدمة البعثة الأمريكية هو وصمة أخلاقية وقانونية ينبغي معالجتها فوراً، لا تبريرها بالذرائع.
وذكرت جامل، أن أربعة أشخاص توفوا بسبب ظروف الانتظار.. مؤكدة أن ترك هؤلاء الموظفين – الذين خدموا مؤسسات أميركية في بيئة عدائية – دون حماية، يمثل “فشلاً أخلاقيًا واستراتيجيًا”.
وكان المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) وهو منظمة حقوقية غير ربحية مقره في الولايات المتحدة وينشط في ملفات حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، قد خاطب الخارجية الأمريكية و ناشدها التدخل العاجل لإنقاذ عائلات موظفي السفارة الأمريكية لدى اليمن العالقين في مصر في ظروف إنسانية متردية.
وطالب المركز بخطوات واضحة تتمثل في تسريع مسارات التوطين عبر برامج مثل( SIV ) أو إحالات ( P-2) وتوفير مساعدات مالية عاجلة، والتواصل الشفاف مع المتضررين.
وبحسب الخبيرة جامل فان المركز مستمر في متابعة الوزارة من أجل إعادة تفعيل برنامج قبول اللاجئين في الولايات المتحدة (USRAP) فورًا لهذه الحالات المحددة.. مشيرة إلى أهمية إعفاء وزارة الخارجية ووزارة الأمن الداخلي عائلات موظفي السفارة السابقين من التعليق العام لبرنامج قبول اللاجئين في الولايات المتحدة، مما يسمح باستئناف المعالجة بموجب بند “كل حالة على حدة” الذي يسمح به الأمر التنفيذي.
اختبار حقيقي لمصداقية أمريكا
يرى الناشط الحقوقي اليمني رياض الدبعي، أن قضية الموظفين المحليين السابقين في السفارة الأمريكية العالقين في مصر منذ سنوات، مأساة إنسانية حقيقية جرى تجاهلها بشكل غير مبرر.
وأضاف الدبعي وهو مدافع عن حقوق الإنسان لـ”المصدر أونلاين” أن هؤلاء الموظفين المحليين خدموا الولايات المتحدة بإخلاص، واليوم يعيشون بلا حماية، يواجهون الجوع والمرض وفقدان أبسط الحقوق.
واعتبر أن عودة هؤلاء الموظفين إلى اليمن تعني لهم اعتقال أو انتقام من الحوثيين، والبقاء في مصر يعني موتاً بطيئاً بسبب غياب الدعم وافتقار كثير منهم لأدنى مقومات الحياة.
وأشار الناشط الحقوقي اليمني الدبعي، إلى أن “استئناف برنامج إعادة التوطين بشكل عاجل سوف ينقذ هؤلاء الموظفين لأن تركهم يواجهون مصيرهم وحيدين ليس فقط ظلم كبير بحقهم، بل أيضًا اختبار حقيقي لمصداقية التزامات أمريكا تجاه من وقفوا معها في أصعب الظروف”.
ويعاني اليمن من نزاع دموي منذ أكثر من عقد من الزمن، وتسبب هذا النزاع في تدهور الاوضاع في كافة مناحي الحياة، كما خلف “أسوأ أزمة إنسانية” وفقا للتقديرات الأممية.
المصدر : المصدر اونلاين