الولايات المتحدة وضرب الاتصالات الحوثية: قراءة في الأهداف والمشروعية

هيثم جسار – عين اليمن الحر
في ظل التصعيد المستمر من قبل جماعة الحوثي في اليمن، والذي تجاوز الحدود الداخلية ليطال الملاحة الدولية ومصالح العالم عبر البحر الأحمر وباب المندب، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أمام مسؤولية استراتيجية وأمنية تفرض التدخل، لا سيما بعد الهجمات المتكررة التي نفذها الحوثيون باستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ على سفن تجارية دولية.
واحدة من الخطوات التي اتخذتها واشنطن مؤخراً تمثّلت في استهداف مراكز الاتصالات التابعة للحوثيين، وهي خطوة أثارت الجدل، لكنها في الواقع تمثّل تحركاً محسوباً ومدروساً ضمن إطار أوسع لحماية أمن الملاحة البحرية وضمان استقرار الاقتصاد العالمي.
⸻
الاتصالات: ذراع عسكري متقدم للحوثيين
لم تعد منظومات الاتصالات الحوثية مجرد بنية تحتية مدنية، بل تحوّلت إلى مكوّن رئيسي في العمليات العسكرية التي تنفذها الجماعة. فمن خلالها يتم توجيه الطائرات المسيّرة، والتنسيق لإطلاق الصواريخ، وإدارة عمليات التجسس والمراقبة. وهذا ما يجعل هذه المنظومة هدفاً مشروعاً ضمن مفهوم الدفاع الوقائي.
الولايات المتحدة لا تستهدف البنية التحتية اليمنية المدنية، بل تركز على المواقع التي تم توظيفها لأغراض عسكرية مباشرة، وهي هنا مراكز القيادة والسيطرة الحوثية التي تعتمد على منظومات الاتصالات الحديثة في تنفيذ عملياتها العدائية.
⸻
الضربات الأمريكية: دفاع لا هجوم
في السياق القانوني الدولي، يُعتبر الدفاع عن النفس مبرراً مشروعاً لاستخدام القوة، خاصةً إذا كانت هناك تهديدات مستمرة ووشيكة. ومن الواضح أن الهجمات الحوثية على الملاحة الدولية تتخطى حدود اليمن لتصبح تهديداً عالمياً.
الضربات التي توجهها الولايات المتحدة بالتنسيق مع شركائها ليست تهوراً عسكرياً، بل رد فعل محسوب لحماية الأمن البحري الدولي، وردع الجماعة عن مواصلة الاعتداءات التي قد تجرّ المنطقة إلى تصعيد أكبر.
⸻
أبعاد استراتيجية: حماية التجارة العالمية
لا يخفى أن باب المندب يعد ممراً حيوياً في التجارة العالمية، حيث تمر عبره مئات السفن يومياً، حاملةً النفط والبضائع إلى قارات العالم. وأي تهديد لهذا الممر لا يؤثر فقط على الدول الكبرى، بل ينعكس على أسعار الطاقة والغذاء عالمياً، ويهدد أمن الشعوب في كل مكان.
من هذا المنطلق، فإن التحرك الأمريكي لا يحمي فقط مصالح واشنطن، بل يصب في مصلحة الاقتصاد العالمي، ويمنع جماعة مسلحة غير معترف بها دولياً من احتجاز الأمن البحري كرهينة في صراع داخلي.
⸻
مسؤولية كبرى على عاتق واشنطن
الولايات المتحدة، كقوة عالمية، تتحرك بدافع من مسؤولية دولية وأخلاقية لحماية القانون الدولي وحرية الملاحة. واستهداف الاتصالات الحوثية يدخل ضمن هذا الإطار، باعتبارها جزءاً من منظومة عدائية تهدد مصالح العالم أجمع.
وفي وقتٍ يُطالب فيه العالم بتفعيل أدوات الردع ضد الجماعات المسلحة، تبرز واشنطن كقوة تسعى إلى إعادة التوازن، وردع الفوضى، وإرسال رسالة واضحة: الأمن البحري ليس ورقة تفاوض، بل خط أحمر