بعد تمرد حاكمها.. هل تُشعل “تكساس” فتيل انقسام الولايات المتحدة؟

 

عين اليمن الحر – الخليج اونلاين

من بوابة المهاجرين والحدود، تهب رياح الانقسام على الولايات المتحدة، مُشكِّلةً تحدياً يراه البعض خطيراً للاتحاد الذي يضم 50 ولاية أمريكية، تشكل أقوى دولة في العالم حالياً.

تكساس، كلمة السر في هذا التصعيد الخطير، إذ تمرد حاكمها جريغ أبوت، على قرارات الحكومة الفيدرالية وإدارة الرئيس جو بايدن، بخصوص ملف المهاجرين والحدود، معلناً استدعاء الحرس الوطني لحماية وتأمين الولاية من المهاجرين والجرائم العابرة للحدود.

قرار أبوت وصفه البيت الأبيض بأنه “تصرف سياسي غريب وغير آمن ولا يساعد في حل المشكلة”، في الوقت الذي أعلنت فيه قرابة 25 ولاية أخرى، يحكمها الجمهوريون، تأييدها قرار حاكم تكساس، وهنا يبرز السؤال: هل تواجه الولايات المتحدة حقاً شبح التقسيم؟

بداية التصعيد
في 19 ديسمبر الماضي، وقّع حاكم ولاية تكساس جريغ أبوت، على مشروع قانون مثير للجدل، يجرم الدخول غير القانوني إلى الولاية الواقعة جنوبي الولايات المتحدة على الحدود مع المكسيك، وهو ما يخالف اختصاص السلطات الفيدرالية.

ورداً على هذا رفعت وزارة العدل الأمريكية دعوى قضائية في 4 يناير الجاري، ضد ولاية تكساس، لمنع مسؤولي الولاية من اعتقال مهاجرين غير شرعيين والأمر بترحيلهم.

وقالت المدعية العامة المساعدة فانيتا غوبتا: إنه “بموجب بند السيادة في الدستور، وسابقة المحكمة العليا الطويلة الأمد، فإن الولايات لا يمكنها اعتماد قوانين الهجرة التي تتعارض مع الإطار الذي سنَّه الكونغرس”.

وفي 22 يناير، قررت المحكمة العليا بأغلبية 5 أصوات مقابل 4، السماح لوكلاء حرس الحدود الفيدراليين بإزالة الأسلاك الشائكة التي أقامها مسؤولو تكساس على الحدود؛ ما دفع الولاية الجمهورية إلى رفض الإجراء، والدفع بالحرس الوطني إلى الحدود مع المكسيك.

احتشاد جمهوري
ويبدو أن أزمة المهاجرين باتت تثير جدلاً ومخاوف رغم تقليل البعض من خطورة ذلك، لا سيما مع ارتفاع أصوات المطالبين باستقلال تكساس، التي تعتبر ثاني أكبر ولاية أمريكية من حيث المساحة والسكان.

وازداد الأمر تعقيداً مع صدور قرار حاكم ولاية تكساس إرسال المهاجرين العابرين للولاية إلى المناطق التي يحكمها الديمقراطيون، وفعلاً تم إرسال أكثر من 102 ألف شخص إلى الولايات الأخرى.

ويوم الخميس 25 يناير، دعا الرئيس السابق والمرشح الرئاسي المحتمل دونالد ترامب، الولايات الجمهورية إلى مساندة تكساس في مواجهة “غزو” المهاجرين، في حين وصف حاكم أوكلاهوما كيفن ستيت، ما يحدث بأنه “برميل بارود يستحق التوتر”، معلناً دعم تكساس في الدفاع عن نفسها.

في حين أعلنت جمعية الحكام الجمهوريين تضامنها مع حاكم تكساس، مؤيدةً إياه “في استخدام كل أداة واستراتيجية، وضمن ذلك الأسوار الشائكة لتأمين الحدود”.

ذروة التصعيد
ومع إرسال الولايات الجمهورية وحدات من الحرس الوطني إلى تكساس، يصبح الأمر أكثر تعقيداً، ويصبح من الدارج، الحديث في أمريكا عن انفراط عقد النجمات الخمسين التي تطرّز العلم الأمريكي، حتى وإن كان ذلك مستحيلاً على المدى المنظور.

وعلى وقع الأزمة، أطلقت مجموعة تسمي نفسها “جيش الله”، دعوة إلى التحرك نحو تكساس، الإثنين 29 يناير، بدءاً من فيرجينيا ومروراً بكاليفورنيا وأريزونا وصولاً إلى تكساس؛ لمساندة الولاية بقوة السلاح في وجه المهاجرين غير الشرعيين، بحسب موقع “بزنس إنسايدر

ووثقت عدسات الكاميرا، وشهود عيان، تحرك أرتال ضخمة لقوات تابعة للحكومة الفيدرالية وأخرى للحرس الوطني وهي تتدفق على تكساس، الأمر الذي يثير مخاوف من صدام محتمل.

يقول الخبير في الاقتصاد السياسي الدكتور محمد الصبري: إن “الأمريكيين من ذوي البشرة الداكنة، أصبحوا يشكلون كتلة سكانية قد تفوق نسبة البيض، في الولايات الواقعة على الحدود مع المكسيك، خصوصاً أيرزونا ونيومكسيكو وتكساس”، مشيراً إلى أن “غالبيتهم ينضمون إلى الحزب الديمقراطي”.

ولفت الصبري في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، إلى أن مشكلة تكساس “مشكلة قديمة عمرها أكثر من نصف قرن، تفاقمت مع تزايد الهجرة إلى أمريكا عبر أمريكا الجنوبية، الأمر الذي فاقم التحديات وعدم قدرة المكسيك على ضبط المتسللين عبر حدودها، فضلاً عن استخدامها هذا الملف لابتزاز واشنطن بهدف تحقيق مكاسب اقتصادية”.

صراع انتخابي
ويبدو أنَّ تفاعل أزمة تكساس يشكل هاجساً للإدارة الأمريكية، خصوصاً بعد إطلاق ترامب دعوته الولايات الأمريكية الجمهورية إلى مساندة تكساس، ما يعني أن التصعيد الأخير لا يمكن النظر إليه بمعزل عن السباق الانتخابي الذي تعيشه أمريكا.

وتشكل تكساس نواةً للصدام مع أي إدارة أمريكية ديمقراطية، وفي يونيو 2022 أعلن الحزب الجمهوري في الولاية اعتزامه الضغط على السلطات المحلية لإجراء استفتاء مستقبلاً لتحديد مصير الولاية ضمن الدولة.

ويرى الخبير في الاقتصاد السياسي الدكتور محمد الصبري، أن المشهد الآن في الولايات المتحدة لا يعدو كونه “حُمى انتخابية”، مشيراً إلى أن “الجمهوريين بشكل عام، وترامب بشكل خاص، يحاولون ركوب الموجة، وتوظيف الأزمة في تكساس، كما هي عادة السياسيين المتطرفين”.

وأوضح لـ”الخليج أونلاين”: “تعود أهمية تكساس إلى ثقلها الانتخابي في اختيار الرئيس الأمريكي، عبر المجمع الانتخابي الذي يتكون من 538 مندوباً يمثلون الولايات الخمسين كافة”.

ولعل هذا يفسر حالة الاستقطاب الحاصلة، وفقاً للصبري، إذ إن هناك ست ولايات توصف بأنها الأكثر تأثيراً في المجمع الانتخابي لاستحواذها على 191 صوتاً، تمثل نسبة 35٪ من إجمالي عدد أصواته، تبلغ حصة تكساس منها 38 صوتاً.

هل فكرة الانفصال ممكنة؟
نظرياً تتزايد الأصوات المنادية بحق تقرير المصير لـ”تكساس” البالغ تعداد سكانها قرابة 30 مليون نسمة، ومساحتها أكثر من 695 ألف كيلومتر، لكن عملياً يبدو الأمر أكثر تعقيداً، وحظوظ الانفصال أقل مما يأمله الساعون له.

وفي 23 يناير الجاري، كتب الكاتب جيمس بيكرتون مقالاً في مجلة “نيوزويك”، أشار فيه إلى أن قرار المحكمة العليا القاضي بإزالة الحواجز الشائكة، أثار مزيداً من الدعوات إلى انفصال تكساس، مذكِّراً بحركة “تيكيست” التي يتبناها دانييل ميلر، الذي يرى أن سياسة الحكومة الفيدرالية ستقود إلى استقلال تكساس في غضون 3 عقود.

ونقلت “نيوزويك” عن مدير مشروع تكساس السياسي، في جامعة تكساس بمدينة أوستن، جيمس هنسون، قوله: “إن القوميين في تكساس الذين يدعون إلى ما يسمى (تيكيست)، يمثلون مزيجاً من الخيال والإيماءات الرمزية، وكلها منفصلة عن الواقع”.

بينما نقلت المجلة عن الخبير في سياسات الدولة بجامعة تكساس في أوستن، جوشوا بلانك، قوله: “إن خروج تكساس، من غير المرجح أن يكون سلمياً، وسيتطلب قدرة دولة موسعة بشكل كبير من النوع الذي من شأنه أن يصد عديداً من الجمهوريين”.

في حين يقول الدكتور محمد الصبري: إن “هناك انقساماً في إطار ديمقراطي مؤسسي تحكمه القوانين والأنظمة، وهناك قوة ناعمة تدافع عن المطالبة بمزيد من الحريات الوطنيّة، لكن في الوقت نفسه هناك قوى أخرى قد تتحرك في حال حدوث أي اختلالات تهدد الوحدة الفيدرالية، كما أن التركيبة السكانية ليست مهيأة لمثل هذه الدعوات العنصرية”.

ما أهمية تكساس؟
وتكساس هي ثاني أكبر ولاية أمريكية من حيث المساحة وعدد السكان، وقد التحقت بالاتحاد الأمريكي باعتبارها الولاية الثامنة والعشرين في 29 ديسمبر 1845.

ووفقاً للصبري، فإنه إلى جانب ثقلها السياسي، يبلغ حجم اقتصاد تكساس تقريباً 1.9 تريليون دولار.

وتتربع تكساس على عرش الولايات الأمريكية في إنتاج النفط والغاز، وكذلك تكرير النفط، وفقاً لأحدث البيانات، كما أن إيرادات الولاية تمثل 9%، إذ احتل اقتصادها المرتبة العاشرة كأكبر اقتصاد في العالم في 2018.

كما أنها تعتبر مركزاً لإنتاج النفط الأمريكي، وتحتل الولاية المرتبة الثالثة بعد روسيا والسعودية من حيث إنتاج النفط، فضلاً عن كونها منتجاً رئيساً للمغنيسيوم والكبريت والجبس، وتأتي نسبة كبيرة من البتروكيماويات الأساسية التي يتم إنتاجها في الولايات المتحدة من مصانع تقع بين مدينتي بومونت وكوربوس كريستي في الولاية.

وتمتلك الولاية أيضاً ثروة زراعية وحيوانية كبيرة، فضلاً عن كونها أصبحت مركزاً لتجارة التجزئة والخدمات المصرفية والتأمين والبناء، إلى جانب تصدرها إنتاج طاقة الرياح، حيث تقوم بتوليد ثلث إجمالي طاقة الرياح في الولايات المتحدة.

ولعل من المهم إيراد ما ذهب إليه الكاتب جيمس بيركتون، في مقاله بمجلة “نيوزويك”، حيث أشار إلى أن “هناك كثيراً من الفصائل، وضمن ذلك القوميون من تكساس، على استعداد لتغيير الجغرافيا السياسية لأمريكا الشمالية، وربما تكون المفارقة الكبرى هي أن القوة الوحيدة القادرة على إسقاط الولايات المتحدة، الكيان السياسي الأقوى بالتأكيد في تاريخ البشرية، هي الولايات المتحدة نفسها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى