وزير الخارجية الاميركي بلينكن إلى السعودية لتأكيد “الشراكة الاستراتجية”.. أهم الملفات المطروحة

 

نيويورك – عين اليمن الحر  –

تكتسب زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى السعودية، أهمية كبيرة بالنظر إلى التوترات التي شهدتها العلاقات بين البلدين الحليفين، منذ سنوات، جراء خلافات من بينها طريقة التعامل مع إيران، وملف حقوق الإنسان، ومقتل الصحفي السعوي، جمال خاشقجي، وحتى خفض الرياض إنتاجها النفطي.

ويرى المحلل الأميركي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، ديفيد بولوك، في مقابلة مع موقع “الحرة” أن بلينكن سيناقش أثناء الزيارة، التي تستمر ثلاثة أيام، ملفات عدة، من أهمها التطبيع السعودي مع إسرائيل، وملف إيران، والنفط، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الإطار الرسمي للزيارة سيكون المسائل الأمنية.

ومن المتوقع أن يلتقي بلينكن، الذي سيكون ثاني أهم مسؤول أميركي يزور المملكة، خلال الأسابيع الأخيرة، كبار المسؤولين السعوديين، وربما ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان. وقد زار مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، السعودية، في مايو الماضي.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد صرح، خلال حملته الانتخابية، بأنه سيعامل الرياض باعتبارها دولة “منبوذة” إذا تم انتخابه، وبعد فترة وجيزة من توليه المنصب، أصدرت الاستخبارات الأميركية تقييما خلص إلى أن ولي العهد أجاز قتل خاشقجي، وهو ما نفته السعودية مرارا.

ولم تؤد زيارة بايدن للمملكة، في يوليو 2022، إلى تخفيف التوترات، بينما سعت الرياض إلى تأكيد نفوذها الإقليمي والدولي، واتخذت خطوات في هذا الصدد، من بينها خفض إنتاجها النفطي وتعزيز علاقاتها بالصين وروسيا.

“شركة ستتواصل”
وقبيل زيارة بلينكن، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بيانا أكد على مواصلة الولايات المتحدة “الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية بين البلدين المستمرة لأكثر من 80 عاما”.

وقالت إن الوزير سيناقش هناك “التعاون الاستراتيجي الأميركي السعودي في القضايا الإقليمية والعالمية ومجموعة من القضايا الثنائية بما في ذلك التعاون الاقتصادي والأمني”.

ملف النفط.. من أهم الملفات
وتقول وكالة رويترز إن زيارة بلينكن تأتي بعد أيام من إعلان الرياض عن خفض إضافي لإنتاجها النفطي في “خطوة ستزيد التوتر بالعلاقات المتوترة بالفعل.

وتؤكد الوكالة أن أهداف الرحلة تشمل استعادة واشنطن لنفوذها مع الرياض بشأن أسعار النفط.

وكانت السعودية أعلنت، الأحد، خفض إنتاج النفط بمقدار مليون برميل يوميا لمدة شهر على الأقل، في محاولة لرفع الأسعار، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة التضخم العالمي بينما يدخل بايدن عام الانتخابات الرئاسية.

وكانت إدارة بايدن انتقدت بشدة قرارا بالخفض في أكتوبر الماضي، وحذرت من تبعاته على المستهلك الأميركي.

وفي تعليقه على القرار السعودي الأخير، قبل زيارة بلينكن، أشار نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية، فيدانت باتيل، إلى أن أسعار البنزين انخفضت بشكل عام في الولايات المتحدة بعد أن ارتفعت قبل عام.

وقال باتيل في إفادة صحفية: “نعتقد أن العرض يجب أن يلبي الطلب، وسنواصل العمل مع جميع المنتجين والمستهلكين لضمان دعم أسواق الطاقة للنمو الاقتصادي وانخفاض الأسعار للعائلات الأميركية”.

الأمن.. أولوية
ويتوقع المحلل الأميركي، ديفيد بولوك، في تصريحاته لموقع “الحرة” أن تعطي الزيارة أولية للمسائل الأمينة وأهما التطبيع والملف النووي الإيراني، لكنه لا يتوقع حدوث اختراقات كبيرة “فقط سيسعى الجانبان إلى طمأنة بعضهما البعض والتأكيد على أنهما يسيران في نفس الاتجاه من ناحية عدم الرغبة في خوض حرب مع إيران، والسعي نحو تجميد مؤقت لبرنامجها النووي”.

لكن بالإضافة إلى المسائل التقليدية التي يتعاون البلدان بشأنها مثل حرب اليمن، ومحاربة “داعش”، يزور بلينكن السعودية في ظل ديناميكيات دولية متغيرة للرياض، بعد أن توسطت بكين في حدوث تقارب بين الرياض وخصمها اللدود طهران،

كما أعادت المملكة العلاقات مع النظام السوري، بقيادة بشار الأسد، واستضافته على أراضيها، الشهر الماضي، بعد سنوات من القطيعة، واستقبلت أيضا الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، خصم واشنطن، الذي قام بزيارة رسمية للمملكة قبل ساعات، والتقى بولي العهد السعودي.

 

وقال ريتشارد غولدبيرغ، كبير المستشارين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) ومقرها واشنطن، في تصريحات نقلتها رويترز إن بلينكن يسعى في زيارته إلى “درء النفوذ الصيني والروسي في المنطقة”.

وأضاف أن تعطيل التقارب السعودي الصيني “ربما سيكون العنصر الأكثر أهمية في زيارة بلينكن” لكن سيتعين عليه “أن يشرح للسعوديين كيف أن المصالح الصينية والسعودية ليست متوافقة، ولماذا تمنع العلاقات الوثيقة بينهما حدوث علاقات أوثق بين الرياض وواشنطن”.

ورغم هذا التقارب الصيني السعودي، ستظل العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية مهمة، وفق بولوك.

ولا يعتقد المحلل أن السعودية تريد تغيير علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وإنما فقط “تريد تنويع العلاقات مع القوى الدولية مثل روسيا الصين وفنزويلا. السعوديون يريدون أن يظهروا  للجميع، ولأنفسهم، أنهم لا يعتمدون كليا على الولايات المتحدة ولديهم خيارات، ولكن هذا لا يعني الابتعاد عن الولايات المتحدة والتصرف بشكل يتعارض مع مصالحها”.

ويشدد بولوك على أن: “العلاقة مهمة لكلا الجانبين”.

وقبيل الزيارة، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بيانا أشار إلى أوجه التعاون بين البلدين في مجالات الأمن وحل النزاعات والاقتصاد والتكنولوجيا والطاقة النظيفة.

وقال البيان إن البلدين تجمعهما “شراكة استراتيجية استمرت لأكثر من 80 عاما، وبناء على الالتزامات التي تم التعهد بها في بيان جدة خلال زيارة الرئيس بايدن إلى السعودية، تواصل الولايات المتحدة الشراكة مع السعودية في القضايا السياسية والأمنية ومكافحة الإرهاب والاقتصاد والطاقة، بما في ذلك الابتكار في مجال الطاقة النظيفة، لتعزيز جهودنا المشتركة لرؤية شرق أوسط أكثر سلما وأمنا وازدهارا واستقرارا”.

وأضاف أن العمل مع السعودية لضمان الاستقرار الإقليمي “ظل أحد أعمدة علاقتنا الثنائية”، ويشير في هذا الصدد إلى الولايات المتحدة “هي أكبر مورد دفاعي للسعودية.. هذه الشراكة مبنية على مصلحتنا المشتركة في الأمن في الخليج، وردع أي قوة أجنبية أو إقليمية عن تهديد المنطقة”.

وأضاف: “تلتزم الولايات المتحدة بتعزيز شراكتنا الأمنية مع السعودية من خلال مبيعات الدفاع التي ستدعم بنية دفاعية جوية وصاروخية أكثر تكاملا وترابطا إقليميا، والمشاركة في التدريبات العسكرية المشتركة، ومواجهة انتشار الأنظمة الجوية والصواريخ المسيرة إلى أطراف غير حكومية تهدد السلام والأمن في المنطقة”.

وأوضح بيان آخر لوزارة الخارجية أن بلينكن سيشارك في اجتماع مجلس التعاون الخليجي الأميركي “لمناقشة التعاون المتزايد مع شركائنا في دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز الأمن والاستقرار وخفض التصعيد والتكامل الإقليمي والفرص الاقتصادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط”.

وفي 8 يونيو في الرياض، سيستضيف الوزير اجتماعا وزاريا للتحالف الدولي لهزيمة “داعش” مع وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان “لتسليط الضوء على الدور الحاسم الذي يلعبه التحالف في مواجهة التهديد المستمر لـ”داعش” وإعادة التأكيد على التزامنا بضمان هزيمتها الدائمة”.

وأكد بيان الوزارة الخاص بتوضيح أوجه التعاون بين البلدين أن واشنطن ستواصل العمل مع الرياض لحل النزاعات الإقليمية، حيث “يعمل بلدانا معا لإنهاء الصراع في السودان”، من خلال العمل على حماية المدنيين وتقديم المساعدات الإنسانية.

وتطرق إلى “الجهود في حل النزاع في اليمن” حيث دعمت السعودية جهود الأمم المتحدة لإحلال السلام، والتي أتاحت خفض التصعيد.

ورحب البيان بالخطوات التي اتخذتها المملكة لدعم أوكرانيا، مثل التعهد بتقديم مساعدات بقيمة 400 مليون دولار ودعم قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى إنهاء الغزو الروسي.

ملف التطبيع.. في المقدمة

ويقول بولوك إن من أهم الملفات التي سيناقشها بلينكن مسألة إمكانية تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.

وكان وزير الخارجية الأميركي، قد أعلن أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك)، الاثنين، أنه يعتزم التحدث مع القادة السعوديين بشأن هذا الملف، معتبرا أن لواشنطن “مصلحة أمنية وطنية حقيقية”.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الذي تعرض لانتقادات واسعة في إسرائيل والولايات المتحدة بسبب مقترحاته بشأن خطته لتعديل قوانين السلطة القضائية، سيحصل على دفعة سياسية إذا قامت السعودية بتطبيع العلاقات مع بلاده.

ويشير البيان الأميركي الصادر من وزارة الخارجية إلى أن السعودية، اتخذت بالتزامن مع زيارة بايدن، العام الماضي للمملكة، “خطوة نحو تكامل اقتصادي إقليمي أكبر من خلال السماح بتحليق الطائرات المدنية من جميع البلدان، بما في ذلك إسرائيل”.

لكن بلينكن، توقع الاثنين، ألا يحدث هذا التطبيع بسرعة، وقال: “ليست لدينا أي أوهام أن هذا يمكن أن يتم بسرعة أو بسهولة لكننا نظل ملتزمين بالعمل نحو هذه النتيجة”.

وكان موقع “أكسيوس” الأميركي قد ذكر في تقرير سابق أن إدارة بايدن تحاول التوصل إلى اتفاق تطبيع بحلول نهاية العام، أي مع انطلاق موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ويتوقع بولوك أن يناقش بلينكن الملف، لكنه لا يتوقع حدوث انفراجة قريبا.

ملف حقوق الإنسان.. حاضر

وكانت إدارة بايدن قد تراجعت تدريجيا عن وعودها بجعل السعودية “منبوذة” بزيارته المملكة ولقاء ولي العهد، وهو ما أثار حينها غضب ناشطين حقوقيين، بينما دافع هو عن موقفه مؤكدا أن الزيارة مهمة لأمن الولايات المتحدة.

وبالتزامن مع زيارة بلينكن، توقع مسؤولون أميركيون، تحدثوا لصحيفة وول ستريت جورنل، أن يثير بلينكن قضايا حقوق الإنسان، على غرار رفع قيود السفر على مواطنين سعوديين أميركيين.

ورغم أنه سيتطرق لهذه المسألة، ستركز الزيارة أكثر على مناقشة التعاون السعودي في مسائل ذات أولويات أخرى، وفق الصحيفة.

الفرص الاقتصادية

وأكد البيان الأميركي أيضا على الفرص الاقتصادية التي تحملها الزيارة، مشيرا إلى التعاون مع المملكة “لدفع أجندتها الطموحة لتنوع الاقتصاد بعيدا عن النفط، وخلق فرص عمل للشباب السعودي”.

وقالت إنه مع  النمو الذي شهدته المملكة، “وجدت الشركات الأميركية فرصة للمشاركة في العديد من القطاعات، من الطاقة إلى الرعاية الصحية والترفيه”.

وحققت الولايات المتحدة فائضا مع السعودية في تجارة السلع والخدمات بقيمة 6.4 مليار دولار، ووفرت الصادرات الأميركية إلى المملكة أكثر من 165 ألف وظيفة أميركية، وفق البيان.

وتتواجد شركات الطاقة والبتروكيماويات الأميركية “بشكل مكثف” في قطاع الطاقة السعودي، وأبرمت هذه الشركات شراكات بمليارات الدولارات مع “أرامكو” و”سابك”.

ومع تنويع اقتصادها في إطار “رؤية 2030″، تعمل السعودية على تطوير بدائل نظيفة للطاقة التقليدية “مما يمثل فرصا هائلة للشركات الأميركية”.

وفي مؤتمر التكنولوجيا الأخير في الرياض، أعلنت شركات أميركية عن استثمارات جديدة بأكثر من 3.5 مليار دولار. وأكملت شركة الطيران الأميركية “بوينغ” مؤخرا صفقة كبيرة مع المملكة بقيمة 37 مليار دولار. وقال البيان إن هذه الصفقات الكبيرة تدعم خلق أكثر من 140 ألف وظيفة في الولايات المتحدة.

ويشير أيضا إلى أن التعاون بين البلدين خلق استثمارات سعودية جديدة لتسريع انتقال الطاقة السعودي نحو الطاقة النظيفة.

وتستضيف الرياض منتدى الطاقة الدولي، وهي “منظمة الطاقة الدولية الوحيدة التي تضم منتجي الطاقة ومستهلكيها”. ووزارة الخارجية الأميركية تمثل الولايات المتحدة في المجلس التنفيذي لهذا المنتدى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى