قراءة في المشهد الثقافي العراقي

بقلم |عقيل هاشم …العراق

العراق هو أول من كتب ملحمة أدبية في التاريخ تعود إلى ستة آلاف سنة تقريباً. العراق هو أول من قدّم الكتابة للعالم، بل أول من قدّم نصاً ملحمياً مازال يشغل العالم (ملحمة كلكامش).اقول الابداع العراقي يتوازى مع أهمية العراق التاريخية كونه صاحب الحضارات العريقة المتعددة كالسومرية والأكدية والبابلية والآشورية، هذا إضافة إلى الكتابة المسمارية وآلاف الرُقم الطينية . نعود للثقافة العراقية في الوضع الراهن منذ تاسيس الدولة العراقية عام 1921 ولحد الآن ، تاريخ المنجز الشعري وقدمه كان قدم التاريخ ولذا لقبوه ب”دبوان العرب” اما النثر وفنونه المعاصرة من السرد..الخ  فقد بدأ اوائل هذا القرن  واستمرعلى يد كتاب رواد معروفين  ، اما الفترة التي سبقت النظام الجمهوري فقد افرزت انتشار التعليم ووسائل الاعلام كالصحف والمجلات والراديو والتلفزيون خلال العهد الملكي وبدايات العهد الجمهوري الى تشكل مجتمع طليعي من المثقفين والمفكرين والكتاب . ولكن بسبب طبيعة المجتمع العراقي وبداية تشكل الذات الاجتماعية المستقلة للمجتمع الحديث اعتقد الكثير من افراد هذا المجتمع الطليعي أن الانتماء الى الأحزاب بأشكالها التقليدية في تلك الفترات من قومية وماركسية او يسارية هو جزء طبيعي من التشكل الثقافي للفرد والمجتمع. المشكلة في العراق أن الصراع على السلطة هو المحرك الطبيعي للأحزاب السياسية , حتى نصل الى المرحلة المفصلية من ظهور المدارس الادبية المعاصرة ، ظهور الشعر الحر وقصيدة النثر اما على مستوى السرد فقد ظهرت مدارس متاثرة بالمدرسة الفرنسية (البنيوية ومابعدها ) حتى الستينات من القرن الماضي بدأت الرواية العراقية تتأسس بشكل فني (تجريبي)، (القصة والرواية والمسرحية وبقية الأجناس الأدبية ). واذا اخدنا مقطعا زمنيا سنجد ان الحقبة التي جاءت بعد الملكية وسميت بالنظام الجمهوري اتسمت هذه المرحلة بثقافة الآيديولوجيا لقد شهدت هذه الحقبة ثلاثة أنظمة جمهورية مختلفة وهي جمهورية قاسم، ، وجمهورية عارف، وجمهورية أحمد حسن البكر وكانت هذه الجمهوريات الثلاث تمتاز بالصراع الآيديولوجي الذي تمثّل بالفكر القومي أو البعثي، أو الليبرالي أو المدني، أو اليساري الشيوعي، هذا إضافة إلى الفكر الديني وطروحاته المختلفة.  ثم تلتها حقبة حرب الثمان سنوات0 198 بالحقبة الدكتاتورية والتي أفضت إلى مرحلة نضوب الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية وذهبت باتجاه واحد تمثل بالحروب وكانت مثقلة بالديون حتى انعكس هذا الأمر على الثقافة العراقية. وإذا ما تأملنا التفاصيل التي شخصت الحدث الثقافي منذ عام 2003 في حدود إطاره الثقافي، أن سلطة الثقافة باتت تفرض وجودها بعيدا عن هيمنة المؤسسات الرسمية، إضافة إلى انها ترحزح تحت هيمنة مركزية العاصمة بغداد، مقابل ارتفاع رصيد عدد من المحافظات العراقية ، تتعلق بانتشار دور النشر وبشكل كبير، وحسبما يرى سيكون لها تأثير مهم وما يستحق التوقف عنده يتمثل بتعاظم دور المثقفين في الحياة السياسية والاجتماعية، ويتضح ذلك في مؤشرات فتح شوارع للثقافة في عموم المحافظات، وجود مهرجانات للقراءة، ونشاطهم المدني ضد السياسة الطائفية التي تكبل مشاريعهم، وهذا يعني أن المثقف يمثل كيانا مستقلا وصوتا جماعيا لمعنى ودور الثقافة. ظهور اعداد من المترجمين المتميزين وهذا يشير إلى ارتفاع دور المثاقفة مع العالم، ومع تيارات الحداثة والفلسفة،انتعشت البحوث والدراسات الثقافية والنقد.. اما بخصوص الانشطة الثقافية ، هناك مؤتمر الرواية الاول والثاني ومهرجان المربد الشعري، اللذين أقيما في البصرة، ومهرجان الكميت الشعري السادس الذي عقد في مدينة العمارة، فضلا عن مؤتمر السرد الثالث الذي عقد في العاصمة بغداد، معرض بغداد الدولي ومعرض أربيل للكتاب، أمام متغير جديد شهدته الثقافة العراقية عام 2018، وذلك بدخول منظمات المجتمع المدني، ورفع أصواتها المطالبة ليس بحقوق أعضائها المهنية، بل المساهمة في رسم مستقبل الثقافة، عودة النشاط الثقافي إلى مدينة الموصل، بعد تحررها من الإرهابيين، وإصرار مثقفيها على إعادة رسم الثقافة من جديد فيها، وتشكيل صالونات ثقافية ، خاصة في الموصل وبغداد، وربما أبرز حدث تجلى في إقامة مهرجان لمسرح الشارع في الموصل. أن اهم الأحداث الثقافية كانت فردية، وهي كثيرة، فوز الروائي عبد الخالق الركابي، بجائزة العويس الثقافية، فوز الكاتب العراقى ضياء جبيلي بجائزة «الملتقى للقصة القصيرة العربية» في دورة إسماعيل فهد إسماعيل لهذا العام. صدور رواية «الساخر العظيم» لأمجد توفيق. عرض مسرحية «تقاسيم على الحياة» لمؤلفها ومخرجها جواد الأسدي.كما حصل في ملتقى الرواية الذي عقد في مدينة البصرة مؤخراً، ومهرجان كميت في محافظة ميسان وملتقى كلاويز في السليمانية، لكن يبقى مهرجان الجواهري ، مهرجان المتنبي مهرجان السياب ومهرجان المربد وكذلك مهرجان النجف، ومهرجان مصطفى جمال الدين ومهرجان الحبوبي ، مهرجان “المربد” من أهم المهرجانات الشعرية الذي يقيمه اتحاد أدباء وكتّاب البصرة سنوياً، إذ تدعى له بعض الأسماء العربية والأجنبية كتقليد ثقافي سنوي لابد منه. وقد انتعشت في الآونة الأخيرة ظاهرة الشوارع الثقافية ،مثل شارع المتنبي هو المكان الثقافي الوحيد الذي يستمر ويُنتج ويأتي بالجديد دائماً، وقد تحول إلى مكان سياحي/ ثقافي تشيع فيه فقرات أدبية وجمالية كثيرة، كالمركز الثقافي الذي يقيم فيه صباحات متعددة من قراءات نقدية وشعرية ومحاورات أدبية ثقافية يساهم بها روائيون وشعراء من بغداد والمحافظات وأحياناً الأدباء العرب الذين يزورون بغداد في مناسبات مختلفة، وهو المكان الذي يشعرك بقاعاته المتعددة بأن هناك حركية جمالية لا تريد أن تنقطع بالرغم من الظروف المحيطة بالواقع العراقي عامة، على أن اتحاد الأدباء والكتّاب لم ينقطع طوال العام الماضي عن تقديم أمسياته وأصبوحاته الأدبية ، وبالفعل أصدر عددا من الروايات والمجموعات الشعرية والكتابات النقدية؛ يسانده نادي السرد الذي يهتم بسرديات الرواية ونقدها ومتابعة إصداراتها المختلفة وإقامة جلسات حوارية متعددة بشأنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى