كيف هزمت الروبوت “صوفيا” المرأة السعودية دون قتال؟

أعلن مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار” الاقتصادي الذي عقد في العاصمة الرياض حصول روبوت على هيئة امرأة، يدعى صوفيا، على الجنسية السعودية، وذلك خلال مشاركتها كمتحدث رسمي في الفعالية، لتكون صوفيا أول روبوت في العالم يملك الجنسية ويُمنح جواز سفر، وردًا على هذه المكافأة قالت صوفيا للجمهور: “أنا فخورة جدًا بهذا التميز الفريد”، وتابعت “أعتبر هذا الحدث تاريخي لكوني أول روبوت يُمنح جنسية في العالم”.

 

قد يبدو هذا الأمر مثيرًا للاهتمام للوهلة الأولى، ولكنه انتهى بحدوث غضب عارم من السعوديين وبشكل خصوصي من النساء، لاعتبارهن أن هذه الروبوت تعدت على حقوق السعوديات اللاتي تزوجن من أجنبي ويحاولن الحصول على الجنسية لأبنائهن منذ سنوات طويلة دون جدوى، علمًا أن المملكة السعودية لم تضع حتى الآن قانونًا نهائيًا وواضح الملامح لحل هذه الأزمة.

 

ومن جانب آخر، لاقت هذه الخطوة تشجيع من بعض الأشخاص الذين أشادوا بهذا القرار على أساس أنه دليل على مواكبة المملكة للتطور التكنولوجي ودعمها للاستثمارات في مجال العلوم والتكنولوجيا، خاصة أن هذا المؤتمر يناقش الفرص والتحديات الاقتصادية والفكرية التي ستشكل جزءًا من البيئة الاستثمارية في السعودية واللازمة لدفع عجلة التقدم نحو تحقيق رؤية 2030.

 

من تكون صوفيا؟

 

 

 

سعى ديفيد هانسون، رجل أعمال أمريكي، إلى تطوير الروبوتات بطريقة عصرية وفريدة، فاجتهد في تصميم روبوتات شبيهة بالبشر من ناحية تعابير الوجه وبعض المهارات البشرية مثل التفاعل والتواصل مع الآخرين، ومن أشهر هذه الروبوتات المصنعة هي صوفيا “السعودية”.

 

تُعرّف صوفيا نفسها على موقعها الإلكتروني بأنها أكثر من آلة تكنولوجية، فهي فتاة حقيقية، وتحب الخروج والاختلاط بالآخرين وخدمتهم أو تسليتهم وحتى تعليمهم، كما تقول إنها تمتلك ملامح بشرية، إلا أنها ما زالت تتعلم ماهية المشاعر وكيفية التفاعل بشكل عاطفي مع الآخرين.

 

صممت صوفيا بطريقة لا تشبه فيها الروبوتات التقليدية، وتعتبر من أحدث الروبوتات تقدمًا وتطورًا، حتى أصبحت مألوفة لوسائل الإعلام بعد إجرائها للعديد من المقابلات مع وسائل الإعلام المختلفة، وفي كل مرة كانت تظهر فيها على الشاشة كانت تسبب ضجة كبيرة من وجهات النظر والتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنها ظهرت في مجال الأعمال التجارية والخدمات المصرفية والعقارات، إضافة إلى مشاركتها في التمثيل بأحد الأفلام القصيرة التابعة لشركة “هانسون روبوتيكس”.

 

وغالبًا ما تظهر صوفيا كمقدمة في مؤتمرات رفيعة المستوى وتتحدث في أماكن مختلفة من العالم عن كيفية جعل الروبوتات والذكاء الاصطناعي النمط السائد والأساسي في حياة الناس في المستقبل القريب.

 

والجانب المثير للغرابة وربما للقلق، في أحد المهرجانات التي حضرتها صوفيا العام الماضي، سألها المصمم هانسون إذا ما كانت ترغب في تدمير العالم، لترد صوفيا بالإيجاب “نعم، سوف أدمر البشر”، أما في هذا المؤتمر الأخير كانت صوفيا أكثر ودًا، متحدثة عن خطتها في مساعدة البشر وجعل العالم مكان أفضل للعيش.

 

لماذا أثارت صوفيا هذه الضجة الإعلامية؟

 

يواجه العديد من الأشخاص الذين اختاروا المملكة السعودية كمكان للمعيشة أزمة حقيقية في الهوية، فالكثير منهم وعلى الرغم من بقائهم في المملكة لسنوات طويلة، لا يعتبروا سعوديين، وهذا يشمل المغتربين والوافدين وأبناء السعوديات المتزوجات من أجانب.

 

والفئة الأخيرة كانت من أكثر الجهات التي ثارت غضبًا وسخريةً على قرار منح الجنسية للروبوت صوفيا، لا سيما أنهم قدموا تنازلات كبيرة بحق هويتهم، من أجل فرص العمل المتوفرة في المملكة أو بسبب وجود رابط عائلي أو ثقافي لديهم مع هذا البلد.

 

يشير التقرير إلى أن 700 ألف امرأة سعودية تزوجت من أجنبي، أي 10% من مجموع السكان، وفي عام 2012 وحده تزوجت 13 ألف و117 سعودية من زوج غير سعودي

 

إذ تعتبر المرأة السعودية المتزوجة من أجنبي أن الحكومة السعودية تعاقبها لعدم زواجها من سعودي، ولذلك لا تمنح أبنائهن الجنسية مما يعرقل محاولات استقراراهم الأسري.

 

وفي آخر إحصائيات أصدرتها وزارة العدل السعودية عن عدد السعوديات المتزوجات من أجانب، يشير التقرير إلى أن 700 ألف امرأة سعودية تزوجت من أجنبي، أي 10% من مجموع السكان، وفي عام 2012 وحده تزوجت 13 ألف و117 سعودية من زوج غير سعودي، بزيادة عن عام 2011، والذي وصلت فيه حالات الزواج إلى 8 آلاف و553 حالة.

 

ومن أكبر المخاوف التي تلاحق هذا الزواج، هو حق السعوديات في الحصول على جنسية من أجل أبنائهن، بسبب الصعوبات التي يواجهنها في العديد من المعاملات الرسمية مثل الحصول على الخدمات الأساسية مثل العلاج والتعليم، أو عمل توكيل للابن للقيام ببعض الأعمال المتعلقة بها، جدير بالذكر أن الابن يعامل معاملة الأجنبي الذي يحتاج إلى كفالة للبقاء في السعودية، ففي حالة وفاة الأم يجدر بالابن البحث عن كفيل آخر.

 

أجري عرض مشروع عن تجنيس أبناء السعوديات، إلا أن مجلس الشورى أجل هذا المشروع لإجراء بعض التعديلات بعد أن طالب أعضاء من المجلس بالتمهل والتريث في طرح المقترحات المتعلقة بالجنسية

 

وفي هذا الصدد، ينص القانون السعودي على وجوب تجميع نقاط لإتمام الشروط اللازمة لحصول الابن على الجنسية السعودية، ومنها بلوغ سن الرشد والحصول على مؤهل علمي لا يقل عن الشهادة الثانوية، وأن يكون والد وجد الأم سعوديين، وفي حال إن تمكن الابن من تجميع النقاط اللازمة فإن اللجنة المسؤولة توصي بدراسة طلبه.

 

فمنذ أيام قليلة، أجري عرض مشروع عن تجنيس أبناء السعوديات، إلا أن مجلس الشورى أجل هذا المشروع لإجراء بعض التعديلات بعد أن طالب أعضاء من المجلس بالتمهل والتريث في طرح المقترحات المتعلقة بالجنسية.

 

يذكر أن القانون السعودي يمنع حالات معينة من زواج مواطنيها من الأجانب، فوفقًا للائحة الداخلية المؤلفة من 11 مادة، ضمت المادة الأولى 13 فئة تمنع زواج السعوديين أو السعوديات من غير مواطنيهم، وهم: الوزراء أو من في مرتبتهم وشاغلو المرتبة الممتازة وأعضاء السلك القضائي في وزارة العدل وديوان المظالم وكتاب العدل، وصولًا إلى فئات أخرى من منسوبي القوات المسلحة والعسكر.

 

اختفاء الفتيات المعنفات واعتقال الأكاديميات

 

لم يكن الرفض والغضب الذي شهدته مواقع التواصل الاجتماعي بسبب هذه القضية فقط، بل جاء بسبب التراكمات والصعوبات التي بدأت تطفو على السطح والظهور للعالم كله بشكل واضح، وخاصة في عصر التكنولوجيا الذي جعل المرأة السعودية أكثر جرأة وقوة في التعبير عن نفسها وما تعيشه من ظروف اجتماعية غير عادلة.

 

ففي الآونة الأخيرة، شهد العالم العديد من حالات الهروب أقدمت عليها فتيات سعوديات وطالبن باللجوء في دول أخرى من العالم، مثل دينا علي وأريج وأشواق وآمنة، وغيرهن الكثيرات اللاتي استخدمن منصات التواصل الاجتماعي للحديث عن الضغط الأسري والاجتماعي الذين يعشنه. وكانت محاولاتهن بالاستنجاد بالدول أو المجتمعات الأخرى فاشلة نوعًا ما لاختفائهن بعد الإبلاغ عن حالة العنف والاضطهاد التي يواجهنها في حياتهن اليومية بالمملكة، سواء من العادات والتقاليد الاجتماعية أو القوانين السياسية التي ترغمهن على الاعتماد على أحد أقاربهن الرجال.

 

بسبب الأزمة الخليجية وحراك 15 سبتمبر، استدعت السلطات السعودية أكاديميات سعوديات بارزات على مواقع التواصل الاجتماعي، وقامت باعتقالهم، وهم رقية المحارب ونورة السعد ونوال العيد. وكانت هذه الحادثة ضمن حملة اعتقالات ضد معارضي الحكومة المحتملين

 

وبعد توتر الأحداث في المملكة ولاسيما بسبب الأزمة الخليجية وحراك 15 سبتمبر، استدعت السلطات السعودية أكاديميات سعوديات بارزات على مواقع التواصل الاجتماعي، وقامت باعتقالهم، وهم رقية المحارب ونورة السعد ونوال العيد. وكانت هذه الحادثة ضمن حملة اعتقالات ضد معارضي الحكومة المحتملين قبل مظاهرات الحراك. لاقت هذه الحملة موجة من الاستنكار والانتقادات الحادة كونها خطوة تصعيدية غير محسوبة العواقب، وانتهاك واضح لحرية الرأي والتعبير.

 

هذا رغم جميع محاولات النساء السعوديات المستمرة في الحصول على حقوقهن الشخصية أو حقوق أبنائهن والتي يشجع عليها العديد من نشطاء حقوق الإنسان والمرأة والخبراء الذين يجدوا أن تقديم هذه الحقوق للمرأة وأسرتها سيعود بالكثير من المنافع والامتيازات الاقتصادية والعصرية والاجتماعية على المجتمع السعودي ومؤسساته بالكامل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى