المساعدات الأممية لسوريا : الرؤية الأمريكية لمسؤولية مشروطة

FYE – Alkhader

 

نيويورك – هيثم جسار- ألأمم المتحدة

في معادلة النزاع السوري المتشابكة، تبرز الولايات المتحدة كفاعل رئيسي في توجيه الجهد الدولي الإنساني، لكنها – على خلاف قوى أخرى – تتعامل مع ملف المساعدات ليس فقط من منطلق إغاثي، بل بمنطق “المسؤولية المشروطة”، حيث تُربط المساعدات بمعايير سياسية وأخلاقية تتعلّق بسلوك النظام السوري، وواقع حقوق الإنسان، وضمان عدم انحراف الدعم نحو أدوات القمع والفساد.

الولايات المتحدة… من الدعم الواسع إلى المراجعة الدقيقة

خلال العقد الماضي، كانت واشنطن من أبرز المانحين لسوريا، متصدّرة قائمة الدول الداعمة للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية العاملة هناك. لكنها في السنوات الأخيرة بدأت بمراجعة شاملة لهذا الملف، سعيًا لضمان أن المساعدات تصل إلى مستحقيها الحقيقيين، لا إلى مؤسسات مرتبطة بالنظام أو تحالفاته الإقليمية.

فالسياسة الأمريكية ترى أن تقديم الدعم الإنساني في غياب المساءلة يرسّخ الوضع القائم، ويشرعن ممارسات النظام الذي لا يزال يرفض الانخراط في عملية انتقال سياسي جادة.

الفيتو الروسي – الصيني وتعطيل المسار الإنساني

في مجلس الأمن، تدفع الولايات المتحدة، بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا، نحو ضمان تجديد تفويض إدخال المساعدات عبر الحدود إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بينما تستخدم روسيا والصين الفيتو كأداة لحماية حليفهما السوري، ما يضع الجهود الإنسانية في مأزق متكرر.

واشنطن ترى أن هذا التعطيل لا يخدم المدنيين السوريين، بل يستخدمهم كورقة مساومة سياسية في لعبة نفوذ دولية، وهو ما يتعارض مع المبادئ الأساسية للعمل الإنساني.

التمويل الأمريكي… ضغط ناعم ومسؤولية دولية

لم تغب الولايات المتحدة عن مؤتمر بروكسل 2025 لدعم سوريا، لكنها خفّضت حجم تعهداتها مقارنة بالسنوات السابقة، في خطوة مدروسة هدفها إعادة توجيه المساعدات نحو مسارات أكثر فاعلية، وتشجيع حلفاء واشنطن الأوروبيين على تحمّل نصيب أكبر من العبء.

تقول الإدارة الأمريكية إن ضخ الأموال دون معالجة الأسباب السياسية للأزمة هو ضرب من العبث، وإن المسار الإنساني يجب أن يقترن بدفع حقيقي نحو حل سياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254.

واشنطن والمعارضة السورية: دعم مشروط بالإصلاح

رغم دعمها التاريخي للمعارضة السورية، إلا أن واشنطن لا تخفي قلقها من ضعف البنية الإدارية لبعض مؤسساتها، لذلك تعمل بالتنسيق مع منظمات دولية لضمان أن المساعدات لا تُستخدم لأغراض سياسية داخلية، أو لتغذية انقسامات ميدانية.

وتعتبر الولايات المتحدة أن تعزيز الحوكمة والشفافية داخل مؤسسات المعارضة هو شرط رئيسي لتوسيع الدعم الأميركي في المستقبل.

ختامًا…

تؤمن واشنطن أن مسؤولية المجتمع الدولي تجاه سوريا لا يجب أن تُختزل في تسليم المساعدات، بل في معالجة الجذور السياسية للأزمة، ومنع استخدامها من قبل أنظمة استبدادية لإعادة إنتاج سلطتها. ولهذا، فإن موقفها المتوازن بين الدعم الإنساني والحزم السياسي، يُعد – من وجهة نظر أمريكية – دفاعًا عن مبادئ العدالة الدولية، لا تقليصًا لواجب إنساني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى