من تركيا الى سوريا… ما أضيق العيش لولا فسحة الحجرِ

 

✍️ سمر نادر – خاص النشرة

من قال ان الجدران مصنوعة من حجارة.. فعندما تطوي صفيحاتها عشرات الآلاف من الأحبّة، يصبح الحجر روحٌ تنطق لغة واحدة وحّدتِ الشرق الأوسط في أربعين ثانية، وفعلت ما لم تقدر أن تفعله قممُ العالم السياسية والإقتصادية على مدى عقود، استفاق العالم على سيلٍ من الصراخ والدموع، من سوريا الى تركيا، أرض المواجع والفاجعة، انتقل القطار حاملاً الناس، بلباس النوم، دون أن يرسو على رصيف كي ينزلوا إليه.

ومن كارثة مرفأ بيروت التي وصفها العالم بالإنفجار النووي ولو تنكّر أهل البيت لهذا الوصف، الى حلب المهزومة تحت الركام، وتركيا التي حكَمَت العالم أربعمئة عام، تئنّ تحت الجدران، الوجع والدمع واحد، وخيَمُ الإنتظار نُصبت في درجة حرارة 18 تحت الصفر، وابريق الشاي ينتظر ان يَسمع نداء استغاثة من بين الركام، علّ بعض الأحبّة بخير… فمن “الشهباء” حلب الى أنطاكيا “مهد المسيحية” الى بيروت المطعونة من قادتها عنوان واحد: المأساة مستمرة.

 

فور وقوع الكارثة، نادت منظمة الأمم المتحدة جميع الدول لنجدة سوريا وتركيا. وسارعت وكالاتها لحشد استجاباتها الطارئة لمساعدة المتضررين، فكانت استجابة الجوامع والكنائس والمدارس أسرع في احتضان هؤلاء الخارجين الى الحياة مرة جديدة. منسق الأمم المتحدة المقيم في سوريا “المصطفى بن المليح” أعلن ان مستودعات الغذاء التي كانت مخصصة للأزمة السوريّة سينتهي مخزونها. سوريا التي تعاني أصلاً في حربها التي بدأت منذ 12 سنة، هي أكثر تضرراً من تركيا المستقرّة سياسياً واقتصادياً. الكارثة وقعت، ولكن الجريمة الكبرى أسقطت كل من يدّعي في القيادة ضميراً انسانياً.

هبّ العالم لنجدة تركيا، جسور استغاثة وفرق إنقاذ وملايين من الدولارات لإنقاذ آلاف المشرّدين في عراء الوقت والمستقبل الهارب الى خيمة، في حين ان المواطن السوري ينبش بأصابعه حجارة منزله علّه يلتقط يد زوجته او ابنته او والديه من بين الركام.

 

7.8 درجات على مقياس ريختر كانت كافية لتصنيف حكومات العالم بين “جبانة” وأُخرى تعرف معنى الإنسانية. تردد العديد منها بإرسال مساعدات الى سوريا، متخوّفة من “قانون قيصر” الذي فُرض عليها ومنع أي دولة التعامل مع الحكومة السورية. ولأن قانون قيصر لم يلحظ أي بندٍ يتخطى نصوصه في حال وقوع كوارث طبيعية، إلتزمت الدول الأوروبيّة والآسيويّة القادرة على الدعم بالقرار الأميركي، وأرسلت مساعداتها الى تركيا دون سوريا. ناشدت الأخيرة، قادة وشعباً، الدول الأوروبية لرفع العقوبات الإقتصادية عن بلادهم ليتمكنوا من الحصول على معدّات ثقيلة لرفع الركام والبحث عن أحياء. أكثر من الغذاء والدواء، تحتاج سوريا اليوم الى رافعات وآلياتٍ ألمانيّة وبريطانيّة وفرنسيّة الصنع، تماماً كالتي يرسلونها يومياً لأوكرانيا كي تنتحر.

بين انطاكيا والمدن السورية الحدودية مع تركيا طرقات تدمّرت بالكامل ولم تعد صالحة لنقل المساعدات الإنسانية، لكن طُرقاً أخرى مفتوحة امام الدول العربية بانتظار ان ترسل دولة قطر فرق إنقاذ ومعونات طارئة ومنازل متنقلة لإغاثة المتضررين ومواد غذائية كما وعدت، وكما تحدث الإعلام الملكي في المملكة العربية السعوية عن جسر جوّي لنقل المساعدات لم يظهر حتى كتابة هذه السطور، حسب ما صرّح لـ”النشرة” قيادي سوري رفيع المستوى تمنّى عدم الكشف عن اسمه.

ففي اتصال مع الدكتور م.خ. قال ان الشعب السوري ممتنّ للشعب اللبناني الذي هبّ لنجدة المتضريين من الزلزال، “على الرغم من ضعف إمكانياته، استطاع أن يرسل فرق إنقاذ وآليات ورافعات كبيرة لرفع الركام، كما ان سوريا تشكر أولى الدول التي لبّت النداء منذ اليوم الأول للكارثة وهي لبنان، الجزائر،العراق،الأردن والإمارات التي ساعدت على فتح معبر “سراقب” لإدخال المساعدات”. كما أضاف القيادي ان سوريا تستصرخ ضمائر الحكومات الغنيّة لمساعدتها على انتشال أبنائها من تحت الركام، فمدينة اللاذقية وحدها شهدت سقوط أكثر من خمسين مبنى، “لا نعرف إن كان هناك بالإمكان بعد إنقاذ من هم أحياء” حسبما جاء على لسان القيادي السوري.

وعن موضوع سرقة المساعدات التي تتحدث عنها بعض وسائل الإعلام، استهجن القيادي كيف “أن مخيّلة البعض الحاقد يحاول ان يشوّه صورة تعاطي الحكومة السورية مع الكارثة، فهل يُعقل ان نتاجر بشعبنا وهو بين الحياة والموت.

وعلمت “النشرة” أن المساعدات التي أرسلتها بعض الدول الخليجية والأوروبية وصلت الى مناطق سورية خارجة عن سيطرة الحكومة وهي حسب ما تسمّيها منطقة المسلّحين… ويأسف المراقبون في الأمم المتحدة التمييز الحاصل بين صفوف الشعب السوري في نظر الدول المغيثة، فهل يُعقل ان تُطبّق مزامير السياسة قراراتها حتى على أرواح تئنّ بريئة تحت الأنقاض؟.

بين تركيا وسوريا مأساة مشتركة، فمن نجا من الزلزال ضربه الصقيع والتشرّد. تمّ إجلاء عشرات الآلاف من الأشخاص من المناطق المنكوبة في أكبر كارثة زلزالية شهدتها المنطقة عبر التاريخ، وصل عدد ضحاياها حتى اليوم الى أكثر من 33 ألف قتيل، عدا عشرات آلاف المفقودين بين ركام الأبنية المدمّرة. ومع تقدّم الوقت، يتأخر الأمل، وتقلّ فرص العثور على ناجين أحياء… ولكن مع الله لا شيء مستحيل وهو “على كل شيء قدير.

 

ولكل حدث عالمي نظرية مؤامرة تبرز لتعطيه صبغة سياسية حتى ولو كان جيولوجياً. فربط الإعلام الروسي مسألة التحذير بشأن هجوم إرهابي ضدّ السفارات الغربية في تركيا نهاية شهر كانون الثاني الفائت، وإغلاق كل من سفارات الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، الدانمارك، هولندا، سويسرا، السويد، بلجيكا في إسطنبول في بداية شهر شباط الجاري، وتساءل الروس عن الصدفة التي جعلت المدمّرة الأميركية USS Nitzeذات الصورايخ الموجّهة، تدخل المياه الإقليمية لإسطنبول، الأمر الذي دعا بوزير الداخلية التركي لمهاجمة السفير الأميركي قائلاً له: “ارفعوا كفوفكم القذرة عن تركيا، نحن نعرف ما كنتم تخططون له، وتذكر الروس كيف ان سفينة حربية من نفس الطراز دخلت الميناء التركي قبل حصول زلزال عام 1999 والذي أودى بحياة 17 ألف مواطن.

بعد اليوم ، سيُروى الكثير من القصص وتعلو التكهنات، ولكن الرواية الأصدق هي التي خطّها أهل حلب وحماة وانطاكيا وجندريس وغازي عنتاب ومدن جنوب تركيا، بحجارة ودموع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى