كــــــيـف نــجـح الــــفشــل

 

✍️ الكاتب مصطفى محمودـــــاليمن

من ينظر إلى حال اليمن اليوم، من الصعب أن يرى أي أمل من هذا البلد الفاشل والمحطّم والجائع والمعاقب والخاضع لاحتلالات مركبة داخلية وخارجية؛ فبقاء مليشيا الحوثي كان أعظم نجاح لفشل في تاريخنا الحديث، إن لم يكن تتويجا لكل فشل مرت به اليمن منذ نشوئها ككيان، قبل سبعون عام، وتجميعها في عهد مليشياوي امامي واحد. فكلما زاد حجم الموت والدمار والتوغل في الانحطاط؛ زاد نجاح الفشل ، وتحول من فشل مؤقت وجزئي إلى فشل وجودي وشامل للبشر والحجر والهواء والماء والتاريخ والجغرافيا والاجتماع اليمني ، وكلما شح الأمل وانقطعت سبل الحياة أكثر؛ أصبح الفشل أكثر نجاحاً، وغرق اليمنيون في التوحش أكثر.

ليس نجاح الفشل تناقضا منطقيا للكلمات، وما علينا إلا تغيير المعيار الإنساني العام لتوجه البشرية من التوحش إلى الحضارة، ومن الحيوانية إلى البشرية، ومن التاريخ إلى المستقبل، ومن الولادة إلى الموت.. إلخ، لكي نفهم كيف نجح الفشل ! فعندما يصبح المعيار الأعلى هو عكس توجه البشرية، يصبح نجاح الفشل هو الغرق أكثر في الموت والبربرية واليأس وانعدام الأمل، وكلما أوغلنا في تلك العناصر المضادة للحياة؛ انتصر الفشل لذاته، وعاش نشوة نجاحه في تعميم الموت وثقافة الموت على نحو أوسع

إن بقاء مليشيا الحوثي ليس بقاء شخص واحد حلمه أن يصبح اماما كهنوتيا ولا بقاء سلاله عنصريه ، إنما هو رمز وطني وإنساني عام لنجاح الفشل وانتصار التفاهة، وانتصار الموت على الحياة؛ فالحوثي لا يحكم اليمن كليا ولا حتى فعليا، ولكنه حاكمها، ولا يحتل اليمن فعليًا، بل ليس لديه أو لدى مليشياته قوة على احتلال مساحة اليمن كاملة، ولكن وجوده شرط لكل احتلال، فكل الاحتلالات تحتاج إليه وتحتاج إلى وجوده لتبقى مشروعة، بغض النظر إن كانت شرعيّة أو غير شرعية، وليس لدى أي محتل هناك تصور خاص باليمن ، بل هي مجرد بلد لاختبار الموت ومنازعة الآخرين، حقل لتجريب الأسلحة الايرانيه الفتاكة على الأجساد الحيّة، مقبرة مغلقة الحدود على سكانها، ساحة للاستراتيجيات الأميركية الضائعة منذ أوباما، حديقة خلفية للعرب و للمشروع الإيراني الأسود في المنطقة، مكب زبالة اسلحته وافكاره الايديولوجيه ،

ليس نجاح الفشل شيئا جديدًا بالمطلق علينا، دوما
ونحن نمضي قدما في طريق معبد بالفشل الناجح حيث لم يكن هناك أسعد من أعدائنا في نجاحاتنا الصوتية وفشلنا الواقعي، ولكن الجديد هذه المرة هو تحول الفشل الناجح إلى نموذج أعلى، نموذج منفصل عن الواقع الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي للسكان بشكل مطلق، نموذج الكذبة الشاملة التي لا تطاق، والتي تريد أن تقنع الميت بأنه يتوهم موته وبأنه حيّ، وتريد أن تقنع الجائع بأن جوعه كاذب، وتقنع المشرد بأن له وطن، واللاجئ بالعودة لحضن الوطن.. وعندما يصبح الفشل الناجح نموذجا أعلى، بهذا الشكل الشامل لكل مناحي الوجود، يصبح السعي نحو هذا النموذج قيمة وطنية عليا، وكلما غرق الناس الواقعيون في هوة وظلام الفشل أكثر؛ انتصرت كذبة النجاح لنفسها وأصبحت حقيقة.

المشكلة الكبرى الناتجة عن كل ما سبق هي أنه لم يعد لليمن كبلد، أو للشعب اليمني ، أو القضية اليمنيه او الشرعيه أو الحرب الأهلية -سمها ما شئت- أيّ معنى أو تأثير إيجابي وفاعل، على الصعيد العالمي، لقد تحولنا من غير مرئيين سابقًا، إلى رؤيا مزعجة للجميع اليوم، وهذا ليس على مستوى سياسات الدول فقط، بل على مستوى مجتمعاتها وشعوبها، ولم تعد الشعوب ترى في اليمن ومأساته وقضيته سوى مصدر إزعاج مركب ومعقد ولا طائل منه لأحد. ليس هناك معنى تحرري لكفاحنا، بعدما اصطدم بحائط المليشيات المتعدده ، وكان أفضل إنتاجاتنا في “المناطق المحررة”، وحكومة شرعيه غائبه ، وليس هناك معنى إنساني لكفاحنا، بعدما أصبح الاسم المعتمد لصراعنا هو “حرب أهلية” يحارب فيها الجميع ضد الجميع. وليس هناك معنى وطني لكفاحنا، ما دام الاحتلال الأساسي لوطننا هي مليشيات يمنيه ،

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى