عودة العلمانية الصلبة

 

✍️ حسين الوادعي

لكل زمنٍ علمانيته.
في أوروبا ظهرت نسختان علمانيتان: العلمانية الصلبة والعلمانية اللينة.
الفرق بينهما هو تشدد العلمانية الصلبة في الحد من ظهور الدين والرموز الدينية في المجال العام وخاصة أماكن التعليم والعمل.
لكنهما قائمتان على نفس الأسس: الفصل بين الديني والسياسي، حرية الضمير، قيام الدولة على الحقوق الطبيعية والعقد الإجتماعي لا على الشريعة والدين.
ظهرت العلمانية اللينة في الدول الأوروبية ذات المذهب البروتستانتي، بينما ظهرت العلمانية الصلبة في الدول الكاثوليكية بسبب تشدد الكاثوليكية في ممارسة السلطه السياسية والتحكم في الحياة العامة.
على قدر التحدي يأتي تشدد العلمانية أو لينها، مع ملاحظة أن العلمانيتين تضمنان حرية العقيدة للجميع بلا تمييز.
كانت العلمانية في أوروبا قد بدأت تميل، حتى في فرنسا، نحو العلمانية اللينة. لكن التحدي الإسلامي جعلها تتحول تدريجيا نحو العلمانية الصلبة، ويبدو أنها علمانية أكثر صلابة من السابقة.
تواجه علمانية فرنسا، من جديد، تحدي “الدين الشامل” الذي لا يرضى بغير التحكم الكامل في المجال العام.
فالإسلام أقرب للكاثوليكية في رغبته بالتحكم في المجال العام، مع ملاحظة أننا هنا أمام مقارنة مجحفة، لأن الكاثوليكية تعترف بنوع من التمييز بين الديني والسياسي، عكس الإسلام الذي لا يرضى بأقل من الدمج الكامل بين المجالين.
وعلى قدر التشدد الديني يأتي قدر التشدد في الصيغة العلمانية المناسبة.
لم تعد المواجهة اليوم في أوروبا بين الكنيسة والدولة، بل بين العلمانية والإسلام السياسي..وستتشكل العلمانية الأوروبية حسب مجريات الصراع بين الطرفين.
(لعله من المفيد التذكير أن حركة “الإلحاد الجديد” العالمية ظهرت بسبب أحداث 11 سبتمبر الإرهابية. ولأن الإلحاد القديم ظهر في مواجهة المسيحية التي كانت أنيابها قد انتزعت كان الإلحاد القديم لينا ومرنا. أما الإلحاد الجديد فهو إلحاد صلب وفي مواجهة حادة مع أديان عائدة للواجهة.)
فعلى قدر صلابة التحدي تأتي صلابة الاستجابة.
واتوقع أن النقاشات حول العلمانية في أوروبا في السنوات القادمة ستتمحور حول قضايا وتحديات إسلامية وستدخل في صراع يعيد العلمانية الصلبة إلى الواجهة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى